دعت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان وسائل الإعلام للتوقف عن استضافة داعمين أو مبررين لجرائم سلطة الأسد المخلوع، كما شددت على ضرورة محاسبة هؤلاء على مواقفهم السابقة والحالية، ورفض التبريرات التي يسوقونها.
وأكدت أنَّه على المنتهكين الاعتذار وتعويض الضحايا، والابتعاد عن الأضواء والمناصب العامة لتعزيز السلم الأهلي، وتجنب تأجيج مشاعر الضحايا وذويهم.
وعقب سقوط الأسد، استضافت بعض وسائل الإعلام شخصيات متنوعة من فنانين ومثقفين ورجال دين عُرفوا بدعمهم له وتبريرهم لجرائمه، بل ودعوتهم الصريحة إلى زيادة القصف والقتل ضد المعارضين، مما أثار استياء السوريين.
وترى يمن حلاق الباحثة في الشبكة السورية، في إفادتها لموقع حلب اليوم، أن هناك تقصيرا في مسار المحاسبة يتيح لهؤلاء الاستمرار بالظهور، وتحدي مشاعر الأهالي.
ويدعي البعض أنهم لم يكونوا على علم بما يحصل من جرائم في السجون، والبعض الآخر يقول إنه كان مضطرا لإخفاء موقفه الحقيقي، لكن حلاق ترى تلك التبريرات غير مقبولة، لأن “الكل كان يعلم” بحقيقة الواقع، فنحن اليوم في “عصر ‘السوشيال ميديا’ والمعلومات متاحة لكل من يريد أن يعرف أي شيء ببساطة وبسهولة”.
ونوه بيان الشبكة بأن تلك الاستضافات جرت دون أن تتخذ هذه الشخصيات أي خطوات تجاه الضحايا، الذين يُقدّر عددهم بالملايين، كما فاقمت بعض المنصات الإعلامية الوضع عبر استضافة أفراد أنكروا وقوع هذه الجرائم أو حاولوا تبريرها، “مما يؤدي إلى تأجيج مشاعر الضحايا ودفع بعضهم نحو الانتقام”.
وتشير قاعدة بيانات الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان إلى قتل ما لا يقل عن 203,000 مدني، من بينهم 23,000 طفل، وإخفاء نحو 115,000 آخرين قسراً، بينهم قرابة 8,500 امرأة، إضافة إلى ذلك، استُخدمت حوالي 82,000 برميل متفجر لقصف المدن السورية، وحددت الشَّبكة أكثر من 16,200 فرد متورط في هذه الجرائم.
وحول ادعاء داعمي ومؤيدي الأسد المخلوع بأنهم كانوا يستقون المعلومات المضللة من قبل إعلامه السابق، تقول حلاق إنهم “كان باستطاعتهم متابعة مصادر أخرى مثل القنوات المعارضة أو الأشخاص المعارضين، كما أن الناس المؤيدين للأسد هم أنفسهم كانوا يتكلمون بوضوح على مواقع التواصل الاجتماعي ويطالبون باستعمال ما هو أشد تدميرا من البراميل مثل السلاح الكيماوي، كما كانوا يدعون لقتل الأطفال والنساء في إدلب وإبادتها وحرقها.. لقد كان هذا خطاب الكثير من هؤلاء لذا لا يمكنهم إنكار معرفتهم بالحقيقة”.
وأضافت أن الجميع رأى كيف تم تهجير السكان من بيوتهم وسرقة ممتلكاتهم، وإعادة توطين آخرين وهذه “السرديات” وعبارات “ما كنا بنعرف” هي “جدا جدا مرفوضة”، ربما كان هناك بعض الخائفين على حياتهم أو على مصالحهم، و”نحن لا نلومهم لسبب بسيط، هو أنه ليس كل الناس لديهم الشجاعة للوقوف ضد الظلم، ولكن من السيء جدا ألا يعتذروا عن مواقفهم السابقة، ولا يستنكروا جرائم النظام، أو يبدوا تعاطفا مع الضحايا”.
وأشارت إلى أن الكثير من الفنانين وغيرهم يخرجون على وسائل الإعلام “بكل أنانية” ليبرروا لأنفسم، معتبرين أنهم لا يجب عليهم أن يعتذروا، بل هناك من يعتبر أن هذا من حرية الرأي، وذلك أمر مرفوض.
ودعا بيان الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان إلى إقامة مسار للعدالة الانتقالية في سوريا، يُحاسب بموجبه المسؤولون الرئيسيون عن الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، معتبرا أنه ينبغي أن تشمل المحاسبة داعمي سلطة الأسد غير المتورطين مباشرةً في الجرائم الكبرى، سواء كانوا من الجهات الأمنية أو الطبقة السياسية والاقتصادية التي أيدته.
وتقول حكومة تصريف الأعمال إنها لن تحاسب من لم تتلطخ أيديهم بالدماء، وهذا قد لا يشمل الكثير من أصحاب الآراء والمواقف المؤيدة، كما أن البعض يرى أن المواقف والتصريحات التي تصدر عن هؤلاء لم تعد لها قيمة سلبا أو إيجابا، لكن بيان الشبكة يرى أن المحاسبة هي ضرورة للاستقرار.
ومع أنَّ تشكيل لجنة العدالة الانتقالية قد يستغرق عاماً أو أكثر، إلا أنَّ هناك “خطوات فورية يمكن لداعمي نظام الأسد البدء بها”، مثل “إعادة الممتلكات المنهوبة، بما في ذلك الأراضي والمنازل والمتاجر والسيارات، إلى أصحابها”، و”تقديم اعتذار علني مكتوب ومصور عبر المنصات الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي، يتضمن الاعتراف بالمسؤولية عن دعم نظام الأسد، مع تعهد بعدم تكرار تلك الأفعال”، و”تعويض الضحايا وذويهم مادياً ومعنوياً عن الأموال التي سرقت أو الابتزاز الذي تعرضوا له”.
وحول وضع مؤيدي وداعمي الأسد المخلوع، ممن “لم تتلطخ أيديهم بالدماء”، رأت حلاق أن هؤلاء كانوا متفاوتين في تأييدهم، فالبعض كان يهلل لجرائم الأسد، والبعض الآخر لم يكن يروج لها، ولكن تجب محاسبة هؤلاء، خصوصا ممن كان يحرض بشكل مباشر على العنف، وعلى الكراهية والقتل.
وأوضحت أن هناك دولا كثيرة حول العالم تجرّم هذا السلوك والتحريض على الكراهية، حيث يعتبر ذلك جريمة في كثير من البلدان يحاسب عليها صاحبها بالسجن لسنوات.
أما عن موقف حكومة تصريف الأعمال من هؤلاء فترى الباحثة السورية أن “هناك تقاعسا كبيرا بمسار المحاسبة”، حتى اتجاه من تلطخت أيديهم بالدماء، و”يفترض أن تكون هناك قوانين تجرّم من يحرض على العنف، وهذا الشيء لا يخص سوريا بل موجود بكل أنحاء العالم”.
وأوضحت أنه من غير الممكن منع هؤلاء من الظهور لأنها عملية صعبة، لذا فإن الحل هو في أن يبدأ “مسار محاسبة حقيقي”، عبر سن تشريعات وقوانين بخصوص التحريض على العنف والتبرير للنظام المخلوع، لأن “المؤيد لمجرم ارتكب جرائم إبادة جماعية يجب أن يُساءل”.
واعتبرت أن ما يشجّع هؤلاء على الظهور والتكلم “بهذه الوقاحة والتعالي والأنانية”، هو عدم وجود المحاسبة، مما زاد حالات ما يعرف بـ”التكويع”، فلو علم هؤلاء بوجود محاسبة فسوف يمتنعون عن الظهور من أنفسهم، أو على الأقل سوف “يزنوا كلامهم قبل أن يتكلموا”.
ويقول بيان الشبكة إنَّ هذه التدابير تعد ضرورية لحماية السلم الأهلي، فضلاً عن كونها ضمانة لداعمي نظام الأسد من أي ردود فعل انتقامية محتملة، فالكثير من الضحايا قد لا يتمكنون من ضبط مشاعرهم وهم يشاهدون داعمي الأسد ما زالوا يحتلون منازلهم أو يبررون الجرائم التي وقعت بحقِّهم.
ودعا البيان الحكومة إلى إصدار تعميم يحظر إنكار جرائم نظام الأسد أو تبريرها بأي شكل، وإدراج تعليم وتوضيح جرائم الأسد بحقِّ الشعب السوري ضمن برامج الإعلام الحالية، والطلب من المدارس والجامعات تسليط الضوء عليها، لضمان توعية الأجيال بعواقب الاستبداد وأهمية الديمقراطية، وتخليد ذكرى ضحايا نظام الأسد عبر فعاليات وطنية ومعالم تذكارية، والتعاون مع منظمات حقوق الإنسان السورية لنشر الوعي حول إرث النظام الوحشي، ودعم المبادرات التي تعزز الحوار بين المجتمعات المنقسمة بسبب سنوات النزاع المسلح.
كما طالبت وسائل الإعلام بالتوقف عن استضافة منكري جرائم الأسد أو المبررين لها، والالتزام بمعايير أخلاقية ترفض تلميع صورة المتورطين في الجرائم، وتعمل بدلاً من ذلك على تعزيز قيم العدالة والمساءلة.