ما زالت الألغام الأرضية تشكل تهديدًا قاتلًا لحياة المدنيين في أرياف حماة وإدلب وحلب، التي كانت تسيطر عليها قوات الأسد المخلوع. زرعت تلك القوات الألغام بطرق عشوائية، مما جعل الأراضي الزراعية والمناطق السكنية مليئة بحقول الألغام، بعضها مخفي وغير مرئي.
في كثير من الحالات، تحول هذه الألغام دون عودة السكان إلى منازلهم وزراعة أراضيهم، مما يعيق الحياة اليومية، ويعرضهم لخطر الموت أو الإصابة البالغة. يُعزى ارتفاع عدد الضحايا بين المدنيين إلى انفجار الألغام التي خلفتها القوات المخلوعة.
يحاول الأهالي اليوم الإبلاغ عن مواقع الألغام فور اكتشافها، لكن هذا الجهد ليس دائمًا كافيًا لإنقاذ حياتهم. الكثيرون يخاطرون بحياتهم في أثناء محاولتهم مساعدة الآخرين أو الإبلاغ عن الألغام، مما يزيد عدد الضحايا، ويعمّق المأساة الإنسانية.
وهنا تبرز الحاجة الملحة لجهود مكثفة لإزالة الألغام وتوعية السكان بمخاطرها، لضمان سلامة المدنيين واستعادة الحياة الطبيعية في المناطق المتضررة.
تواصلت “حلب اليوم” مع المعنيين في الدفاع المدني السوري للحصول على إحصائيات حول ضحايا الألغام في البلاد. وأفادت فرق الدفاع المدني السوري “الخوذ البيضاء” بأنها وثقت واستجابت لعشرات الانفجارات الناتجة عن مخلفات الحرب خلال الفترة من 27 تشرين الثاني 2024 حتى يوم الثلاثاء 14 كانون الثاني 2025.
ووفقًا للتقرير، أدت هذه الانفجارات إلى مقتل 38 مدنيًا، بينهم 8 أطفال وامرأة، وإصابة 56 مدنيًا آخرين، بينهم 23 طفلًا، بجروح بعضها بليغة.
عبد الجواد عليكو، صحفي سوري، تعرض لإصابة خطيرة جراء انفجار لغم أرضي في أثناء تصويره لفرق مختصة بإزالة الألغام. في إحدى المهمات، تمكنت الفرق من تفجير خمسة ألغام باستخدام المواد المتفجرة (TNT) نظرًا لخطورة تفكيكها. في أثناء محاولة تفكيك لغم آخر، قرر عليكو المغادرة، إلا أن أحد أفراد الفريق حذره من وجود عدة ألغام في المنطقة من نفس نوع الألغام التي تم تفجيرها.
فجأة، وقع انفجار قوي أمامه، مما أدى إلى إصابته بجروح خطيرة. نُقِل إلى مستشفى عين البيضة، حيث تمت معالجة الجروح التي تعرض لها جراء الانفجار. كانت الإصابة الأكبر هي شظية في عظم القفص في الرأس، مما تسبب في نزيف وكسر في عظم القحف. بعد ذلك، تم نقله إلى مستشفى خاص (إيبلا) لإجراء عملية جراحية.
لاحقًا، نقل عليكو إلى مستشفى المجد، ثم إلى مستشفى العينية، حيث أجريت له عملية جراحية أخرى. بعد خروجه من المستشفى، ساءت حالته الصحية، وتمت إعادته إليه بسبب وجود تورمات والتهابات في مكان العملية الجراحية في الرأس. ستتم متابعته خلال عشرة أيام، وإذا لم يكن هناك أي تحسن في التورمات، سيعاد إجراء العملية الجراحية.
فخر الدين محمد عثمان، مزارع من قرية كفر حلب في ريف حلب، يتحدث ل”حلب اليوم” عن معاناته بعد عودته إلى أرضه وقريته بعد أعوام من التهجير. يقول عثمان: “عدت إلى أرضي وقريتي بعد أعوام من التهجير، ولكن للأسف لا يمكنني فلاحة أرضي والعودة إلى العمل بها؛ بسبب وجود ألغام تركتها قوات الأسد قبل انسحابها من القرية. كانت قريتنا على خط التماس المباشر بين الفصائل الثورية المعارضة وقوات الأسد، مما جعل الأراضي مليئة بالألغام.”
يضيف عثمان: “أعاني من هذه المشكلة أنا وإخوتي الذين يمتلكون أراضي مليئة بالألغام أيضًا بجانب أرضي. سنقدم أنا وإخوتي على التواصل مع فرق الإنقاذ والدفاع المدني السوري لتمشيط أراضينا وإبطال مفعول الألغام فيها، فإننا نعاني هاجس هذه الألغام منذ عودتنا إلى القرية.”
تظل إزالة الألغام وتوعية السكان بمخاطرها من الأولويات الملحة لضمان سلامة المدنيين واستعادة الحياة الطبيعية في المناطق المتضررة. يتطلب ذلك جهودًا مشتركة من الجهات الحكومية والمنظمات الإنسانية والدولية لتقديم الدعم اللازم وتوفير الموارد والتقنيات الحديثة لإزالة الألغام بشكل فعال. تحقيق هذا الهدف سيسهم في بناء مستقبل أكثر أمانًا واستقرارًا للسكان الذين عانوا طويلًا من آثار النزاع والألغام الأرضية.
علي علولو