تتواصل الاتصالات العربية مع الإدارة السورية بقيادة أحمد الشرع، حيث بادرت الدول بشكل إفرادي لإجراء الزيارات وإيفاد مسؤوليها ووزراء خارجياتها، كما بحثت بعضها الملف بشكل ثنائي فيما بينها.
وأجرى وفد من الجامعة العربية برئاسة حسام زكي الأمين العام المساعد للجامعة، أمس السبت، زيارة إلى سوريا هي الأولى منذ سقوط الأسد، التقى خلالها الشرع، ووزير الخارجية، أسعد الشيباني.
وفي مؤتمر صحفي مشترك بدمشق مع الشيباني، قال زكي، إن اجتماعه مع القيادة السورية الجديدة شمل جميع المسائل، حيث “سيكون الاجتماع أساساً في إعداد تقرير لجميع دول الجامعة حول الوضع في سوريا”.
ويرجح الكاتب والمحلل السياسي السوري أحمد مظهر سعدو، في إفادته لحلب اليوم، أن “يتم استيعاب سوريا بكل تأكيد ضمن الجامعة العربية”، و”مما لاشك فيه أن الاهتمام العربي والدولي كان واضحا بمتابعة التغير الكبير الذي حصل، ومن ثم فإن تداعي الدول العربية سريعا مع بعض دول الإقليم والعالم للمشاركة يشي باهتمام ومصالح جمة”.
مواقف عربية متباينة
بادرت بعض الدول للاتصال سريعا بحكومة تصريف الأعمال، والإدارة الجديدة للبلاد، فيما تأخرت الإمارات قليلا في ذلك مكتفية باتصال هاتفي، تلتها مصر التي كانت آخر المبادرين.
ولكن اللافت كان الترحيب السعودي بالتغيير الحاصل في سوريا، فقد دعمت الرياض جهود التطبيع سابقا مع الأسد، كما تعتبر حليفة لمصر والإمارات، بينما يبدو موقفها مختلفا عنهما في سوريا.
يقول الكاتب والمحلل السياسي السوري حسام نجار، لحلب اليوم، إن من مصلحة سوريا بناء علاقات جيدة مع السعودية، حيث “نرى أن الإعلام السعودي متعاطف جدا مع الأحداث ويغطيها بطريقة جيدة إلى حد بعيد”.
وأضاف أن “انتصار الثورة السورية أرغم العديد من الدول على المضي في اتجاهين لا ثالث لهما إما التعامل مع الإدارة الجديدة بشكل متبادل والحرص من كل طرف على العلاقة مع الآخر أو الاختباء وراء المواقف المعلنة”.
واعتبر أن “العودة لمسيرة الدول مع مشوار الثورة تبين أن السعودية التزمت خط الثورة وحرية الشعب السوري وعملت في مجالات عديدة على تبني موقفه وساهمت بالعديد من المجالات في مساعدة الشعب السوري، لكن الإمارات كانت ماضية في عكس هذا الاتجاه فقد احتوت كل عناصر النظام ومولته وكانت أول من أعاد فتح سفارته لديها”.
وكان الموقف السعودي قد بدأ يتغير خلال السنوات الأخيرة فقط، بعد جهود دبلوماسية واسعة عملت عليها روسيا والإمارات وسط تغاض غربي.
لكن الحكومة المصرية لا تزال متحفظة على التغيير في سوريا، وقال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، في تصريح له اليوم تعقيبا على زيارة وفد الجامعة العربية، إنه “لا يمكن القبول بأن من يحمل السلاح يفرض كلمته في سوريا”، مجددا مطالبته بإشراك “جميع الأطياف” على حد تعبيره.
وأعرب الشيباني أمس عن رغبته في “العمل المشترك مع أعضاء الجامعة العربية في مختلف المجالات، وعودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة وحضورها جميع الفعاليات لتمثل صوت الشعب السوري الحر”، مثمنا “التزام الدول العربية الثابت بوحدة الأراضي السورية”.
ما أهمية العودة للجامعة؟
عرفت الجامعة العربية بمواقفها الهزيلة من كافة قضايا المنطقة، منذ تأسيسها حتى اليوم، حيث لم يسجل لها أي إنجاز ذا قيمة، لكن الأمر اليوم بالنسبة لسوريا يبدو مختلفا، وفقا للمتابعين.
وفضلا عن القيمة المعنوية والسياسية، يرى نجار أن العودة للجامعة، وتعزيز العلاقات مع الدول العربية، يتيح للأخيرة دعم إعادة إعمار البلاد، خاصة مع رفع العقوبات الغربية.
وأكد الشيباني أمس أن “الإدارة السورية الجديدة تسعى بكل السبل لتوفير بيئة مناسبة لعودة جميع السوريين، وتوفير كل ما يحتاجونه حتى يعيشوا حياة كريمة في بلدهم سوريا”.
كما دعا “الأشقاء العرب وأعضاء جامعة الدول العربية للمساهمة في إعادة الإعمار خاصة في مجال الطاقة والبنية التحتية”، مؤكدا استعداد دمشق لتقديم كافة التسهيلات أمام الاستثمارات العربية بما يسهم في بناء الاقتصاد وتحسين مستوى المعيشة للشعب السوري.
وأشار إلى “استمرار جهود بلاده في حفظ أمن واستقرار المنطقة، حيث نقف على أعتاب مرحلة جديدة نتطلع فيها إلى مستقبل مشرق يقوم على أسس السلام والازدهار والتعاون المشترك”، مجددا مطالبة المجتمع الدولي بإعادة النظر بالعقوبات المفروضة على سوريا.
وأوضح أن تلك العقوبات “تقف عائقاً أمام التعافي”، مضيفا: “أيدينا ممدودة لكل من يسعى لبناء وخدمة هذا الوطن، ونطمح أن تعزز سوريا إلى جانب أشقائها العرب الدور العربي الفعال والمواقف العربية بعد غيابها 14 عاماً، ورأينا في مؤتمر الرياض دعماً كبيراً ومواقف مشرفة للدول العربية، وهناك رغبة كبيرة وسعادة لعودة سوريا إلى الحضن العربي”.
بدوره أكد زكي أن “سوريا بلد عربي كبير ومحوري وأمنه يؤثر على الأمن القومي العربي، وهناك اهتمام عربي واسع بما يحدث في سوريا”، وقد “طالبنا مبكراً بعد سقوط النظام برفع العقوبات المفروضة على سوريا، وهذا أمر ذو أهمية لانطلاق الاقتصاد وتحقيق تطلعات الشعب السوري، ووجودها الآن لا مبرر له”.
ولم تناقش الجامعة بشكل جماعي حتى الآن الوضع في سوريا، لكن زكي أكد أن العمل جارٍ مع الأعضاء لتكون سوريا موجودة في الاجتماعات المقبلة”، مشيراً إلى أن عضوية سوريا في الجامعة العربية سارية بعد رفع تجميدها منذ 2023.
وأكد شيباني تطلع سوريا إلى “فتح صفحة جديدة من التعاون والتكامل مع أشقائها العرب”، وعودة سوريا لمقعدها في جامعة الدول العربية، لافتا إلا “العمل على عقد مؤتمر وطني يضم مختلف مكونات الشعب السوري، وتوفير البيئة الآمنة لعودة السوريين اللاجئين”.
وتعد سوريا واحدة من الدول المؤسسة لجامعة الدول العربية منذ إنشائها عام 1945، وكان لها دور رئيسي في الأحداث التاريخية بالمنطقة، وتم تجميد عضويتها بسبب انتهاكات سلطة الأسد المخلوع في قمع الثورة ضده منذ عام 2011.
وفي السنوات الأخيرة، بدأت بعض الدول العربية بالتطبيع مع سلطة الأسد، مثل الإمارات والجزائر اللتي دعتا علنًا إلى عودته للجامعة، بينما بقيت دول أخرى مثل قطر والكويت أكثر تحفظًا، وقبلت السعودية بالتطبيع ضمن مشروع يتضمن خطوات معينة كان على الأسد المخلوع تنفيذها، لكنه ماطل في ذلك.