مع سقوط سلطة الأسد في ديسمبر 2024، تتجه سوريا نحو بناء دولة ديمقراطية قائمة على العدالة والحرية، وفي إطار هذه المرحلة الحساسة، بات من الضروري معالجة أوضاع عناصر الأسد البائد الذين لم تتلطخ أيديهم بدماء السوريين، ولم يشاركوا في الجرائم والانتهاكات، ويأتي برنامج التسوية كخطوة حاسمة لضمان تحقيق التوازن بين العدالة والمصالحة الوطنية.
أطلقت حكومة تصريف الأعمال برنامج تسوية شامل يستهدف إعادة تأهيل عناصر النظام السابق غير المتورطين في الجرائم.
وفي تصريح خاص لحلب اليوم، أوضح مصطفى العبدو مسؤول العلاقات الإعلامية في وزارة الداخلية، أن آليات التسوية تتضمن حضور العناصر إلى مراكز التسوية المنتشرة في دمشق، حمص، حلب، طرطوس، واللاذقية، وهناك آليتان رئيسيتان لاستلام بطاقات التسوية: الوصل الفوري، حيث يتم منح المتقدم وصلاً فورياً يثبت إتمامه للخطوة الأولى من التسوية، والاستلام المؤجل، تُمْنَح بطاقة التسوية بعد أيام من التحقق الكامل من المعلومات المقدمة.
أما بالنسبة لضباط سلطة الأسد برتبة نقيب فأعلى، فيتوجب عليهم متابعة عملية التسوية في مرحلة ثانية لضمان الشفافية والمساءلة، وأكد العبدو أن التسوية تستثني بشكل صارم أي فرد تورط في جرائم حرب، أو شارك في قمع وقت واعتقال المدنيين، علما أن الحقوق الشخصية للمتضررين لا تسقط الحقوق، حيث يمكن لأي شخص لديه دعوى شخصية التقدم بها إلى الجهات المختصة لضمان محاسبة المتورطين، في حال ثبوت صحة المعلومات، يُسْتَدْعَى الأفراد للمثول أمام القضاء.
أوضح العبدو أنه أُعِيد دمج بعض العناصر في المؤسسات الشرطية والعسكرية بشرط أن تكون سجلاتهم نظيفة وخالية من أي انتهاكات، ويتم إخضاع هؤلاء لدورات تدريبية وإعادة تأهيل لضمان تأقلمهم مع المعايير الجديدة للمؤسسات الأمنية.
وأفاد العبدو أن عدد العناصر الذين أجروا التسوية تجاوز 300 ألف عنصر من وزارتي الدفاع والداخلية والقوات الرديفة، وتعكس هذه الأعداد حجم الاستجابة للبرنامج وأهمية هذا المسار في استقرار البلاد.
وتواجه عملية التسوية بعض التحديات مثل تقديم معلومات مغلوطة، حيث ذكر مصطفى العبدو: “وجود بعض الأشخاص الذين تقدموا إلى عمليات التسوية، منهم من قدم معلومات مغلوطة حول أماكن خدمتهم، ومنهم من أخفى بعض العُهد، مما يعرضهم إلى المحاسبة”، وتسعى بعض الأطراف لاستغلال التسوية كوسيلة للإفلات من المحاسبة، ما يتطلب رقابة صارمة وآليات تحقق فعالة.
وتعتمد الوزارة إجراءات قانونية صارمة لضمان عدم استغلال التسوية، حيث يمكن لأي شخص لديه حق شخصي التقدم بشكوى رسمية، ويُتَحَقَّق من هذه الشكاوى بدقة لضمان محاسبة كل من يثبت تورطه في جرائم أو انتهاكات.
تعتمد حكومة تصريف الأعمال سياسة متوازنة بين العفو والمحاسبة، حيث يُعْفَى عن الأفراد الذين أجبروا على التجنيد الإجباري، أو على متابعة أعمالهم تحت التهديد، بينما يُحَاسَب المتورطون في الجرائم والانتهاكات، تهدف هذه السياسة إلى تحقيق الاستقرار دون الإخلال بمبادئ العدالة.
تؤكد وزارة الداخلية أنها تتابع بدقة التزام العناصر الذين أجروا التسوية، تُجرى مراجعات دورية لضمان عدم تورطهم في أي أنشطة مخالفة أو تهديد للأمن العام، مع استمرار الرقابة لضمان الشفافية.
يلعب المجتمع السوري دوراً أساسياً في مراقبة تنفيذ التسوية والتأكد من عدم التهاون مع المجرمين، ويواصل السوريون الضغط لضمان أن تكون العدالة شاملة وعادلة.
بين العدالة والمصالحة، تمضي سوريا بخطى ثابتة نحو بناء دولة حرة وعادلة، وضمان عدم الإفلات من العقاب، مع فتح المجال أمام من لم يتورطوا في الجرائم للمشاركة في بناء مستقبل مشرق لسوريا الحرة.
هبة الله سليمان