لا يزال ملف الفصائل المسلحة في محافظة السويداء جنوبي البلاد، من الملفات العالقة التي تمثل تحديا كبيرا أمام حكومة تسيير الأعمال، والإدارة العسكرية في دمشق.
وأعلنت الإدارة بقيادة أحمد الشرع، نهاية الشهر الماضي، الاتفاق مع كافة الفصائل الموجودة في البلاد على حلّها، بما فيها هيئة تحرير الشام، تمهيدا لتشكيل الجيش الجديد الموحد الذي يمثل البلاد، إلا أن قوات قسد في شرقي البلاد، والفصائل في السويداء جنوبها، بقيت خارج إطار الاتفاق حتى اليوم.
وأكد زعيم طائفة الموحدين الدروز في سوريا، حكمت الهجري، الأسبوع الماضي، أنهم سيكونون “أول من يسلم السلاح للجيش الجديد”، ولكن ذلك “بعد الحوار وتأسيس الدولة”، فيما عاد ليؤكد موقفه أمس قائلا إن السلاح لدى فصائل السويداء “ليس للاعتداء”.
وقال الكاتب والمحلل السياسي السوري مصطفى النعيمي، لحلب اليوم، إنه من الصعب بمكان تجاوز ملف المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة المركزية، وبالتالي فإن الوضع يحتاج إلى تفكيكه وحله بشكل تدريجي.
وكانت فصائل مسلحة محلية في السويداء قد اعترضت رتلا للأمن العام التابع للحكومة في دمشق، ومنعته من دخول المحافظة مطلع الشهر الفائت، فيما برر الهجري ذلك قائلا إن الحادثة وقعت بسبب “عدم التنسيق”.
من جانبه قال عطا مرعي، أحد وجهاء الطائفة الدرزية من قرية كوكو في جبل السماق، بريف إدلب الغربي في رسالة وجهها إلى الهجري قائلا إنه “رجل عاقل، ولكن التخوف لديه غير واقعي، وربما نقلت له صورة خاطئة عما يحدث لنا كطائفة درزية في إدلب، ولا يعلم كيف نعيش في حرية تامة دينيا واجتماعيا، إذ قال لنا الجولاني (أحمد الشرع)، خلال زيارته لجبل السماق، إنه لا إكراه في الدين، وهذا ما نعيشه واقعا”.
وأوضح أن “تجربتنا مع حكومة الإنقاذ بدأت منذ ما يقارب 9 سنوات، حصلنا من خلالها على كامل حقوقنا التي أخذت منا في جبل السماق بوقت سابق من قبل بعض الفصائل، ومن بينها جبهة النصرة سابقا”، وفقا لما نقله عنه موقع “الجزيرة نت”.
وقوبلت جهود الإدارة العسكرية في ملاحقة فلول النظام، ومرتكبي الجرائم بحق الشعب السوري، بانتقادات وتلميحات دولية، حول حفظ حقوق الأقليات، ومنع الانتهاكات الطائفية، في وسيلة ضغط سياسية، وفقا لما يراه مراقبون.
ويرى النعيمي أن “المسألة قانونية بحيث أن يتم إصدار قوانين لمتابعة المجرمين من المكون الأسدي وهو متعدد الطوائف والملل والأهواء، وبناء عليه من الممكن محاسبة هؤلاء المجرمين وإن كانت النسبة العظمى منهم من الأقليات، فغالبية الموجودين في مركز القرار الذي كان يحكم بسوريا كان يتبع إلى ‘العلوية السياسية’ وبناء عليه فإن الغالبية العظمى منهم من ذات المكون”.
أما بخصوص موضوع المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة المركزية فإنها تمثل مشكلة حقيقية، وفقا للنعيمي، منوها بأن مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في الشرق تعتبر الخزان الرئيسي للنفط وباستحواذ قسد عليه، فستعطل مشروع إعادة بناء سوريا، وما زالت الشروط التي تطالب بها قسد غير منطقية.
وبخصوص ملف السويداء في الجنوب، يرى المحلل السوري أن التوجه العام الدولي ذاهب صوب التهدئة المستدامة، وبوجود مناطق خارج نطاق نفوذ الدولة المركزية، فسيبقى ذلك عاملا مزعزعا للأمن، وبالتالي فإن هناك حتمية لعقد صيغة للتفاهم، هي “مسالة محلية وإقليمية ودولية ملحة جدا”.
ويرجح أن يتم العمل على تفكيك الملف تدريجيا، حيث أن “سقف المطالب يقترب رويدا رويدا باتجاه التفاهمات المباشرة أو عبر الوسطاء، وبالتالي فحل هذا الملف أصبح قريبا لاسيما بعد إعلان بعض المكونات العسكرية في السويداء انضمامها إلى المؤسسة العسكرية الجديدة”.
وتتجنب الإدارة الجديدة للبلاد إثارة أية خلافات داخلية، مؤكدة على وحدة الشعب السوري، حيث أرسلت عدة رسائل طمأنة إيجابية لكافة أطياف الشعب، كما أكدت على ذلك في اجتماع عقدته الشهر الماضي مع ممثلين عن المحافظة.
وأعلنت حركة رجال الكرامة ولواء الجبل أكبر الفصائل العسكرية في السويداء، عقب الاجتماع، عن “خارطة طريق” تضمنت مبادئ تهدف إلى رسم “ملامح المرحلة المقبلة”، أكدا فيها استعدادهما “للاندماج ضمن جسم عسكري يشكل نواة لجيش وطني جديد ورفض أي جيش طائفي أو فئوي”.
كما أكدا “الانفتاح على الحوار مع جميع الأطراف السورية، لا سيما الثوار الأحرار”، مع الدعوة “لتأسيس دولة قائمة على العدالة وسيادة القانون مع حصر السلاح بمؤسسة عسكرية وطنية”، و”عدم تدخل الفصائل العسكرية في الشؤون الإدارية أو السياسية، ودعم العمل المدني والسياسي التشاركي”.
وفي رسالة طمأنة أكد البيان رفض أي طرح انفصالي للمحافظة، حيث أكد على أن “دمشق ستبقى العاصمة الأبدية”، مع “التمسك بالحراك السلمي في السويداء كمنهج سياسي لبناء دولة قائمة على المساواة”.
وأتى ذلك البيان بعد عبارات للهجري اعتُبرت بمثابة تلميح لإمكانية حدوث شكل من أشكال الانفصال، وهو ما نفاه في تصريحات له أمس حيث قال إن “الانفصال أو إقامة فيدرالية أمر مرفوض، وعنواننا وحدة سوريا أرضا وشعبا”.