منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، كانت العنوان العريض للسياسات الغربية تجاه البلاد هو ادعاء “حماية الأقليات” في سوريا، بحجة وجود جهات متطرفة وتنظيمات إسلامية،
واتخذت الولايات المتحدة ذلك الشعار كمبرر للتدخل في سوريا، ودعم قوات قسد ضمن تحالف دولي ضم عشرات الجيوش، رغم انتهاكاتها الواسعة بحق السكان في مناطق سيطرتها سواء من الأقليات التي يتم الحديث عنها، أو من الأكثرية.
أما فرنسا فقد وصفت عناصر قوات قسد بالمقاتلين من أجل الحرية، مؤكدة دعمها لهم، في موقف مشابه لما صدر عن ألمانيا أيضا التي أكدت أن الملف هو من أبرز أولوياتها في سوريا.
وحول أسباب اهتمام الغرب دائما بموضوع الأقليات، قال الكاتب والمحلل السياسي السوري مصطفى النعيمي، لحلب اليوم، إنه يعتقد أن الغاية الرئيسية هي “منع وصول الإسلاميين إلى السلطة في سوريا”.
وكانت وزيرة الخارجية الألمانية قد قالت إن بلادها “لن تدعم هياكل إسلامية جديدة في سوريا”، فيما دعت واشنطن إلى حكم علماني في أكثر من تصريح، وهو ما تبدو الصحافة الغربية حريصة عليه، حيث كان ذلك أول ملف تمت مناقشته في وسائل الإعلام الغربية في اليوم التالي لسقوط الأسد.
وبحسب النعيمي، فإن الغرب يتذرّع برغبته في أن يكون المجتمع السوري متماسكا، لكن “خلف تلك الغاية تكمن المشكلة الحقيقية المتمثلة بأحقية الأكثرية والظلم الذي كان يمارس عليها، حيث لم نسمع نفس الأصوات عندما كانت تحصل المجازر الجماعية، وقد كانت بعض تلك المجازر بالأسلحة البيضاء وأمام مرأى ومسمع العالم، والمراقبين الدوليين”.
وأضاف أن هذه الذرائع ترمي إلى إحباط أي مشروع يمكن الإسلاميين من الوصول إلى السلطة، بدافع “الخشية المشتركة كما يزعمون من الإخوان المسلمين ويتذرعون بمسألة حماية الأقليات ومشاركتهم في السلطة”.
وتستغل قوات قسد تلك الحجة للمحافظة على الدعم الغربي الذي يبقي سيطرتها شرقي البلاد، بالرغم من انتهاكاتها الواسعة من القتل والتجنيد القسري للأطفال وجرائم التعذيب والاحتجاز القسري ونهب ثروات البلاد وغير ذلك.
كما طالبت إلهام أحمد، الرئيسة المشاركة لدائرة الشؤون الخارجية في الإدارة الذاتية بتدخل قوات غربية لحماية قسد من أية عمليات عسكرية.
وبحسب صحيفة يني شفق التركية، فإن أحمد الشرع ينوي زيارة انقرة خلال الأيام المقبلة، ولقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لبحث عدة ملفات منها قضية قوات قسد.
ويطالب الرئيس التركي بحل جذري يؤدي إلى تفكيك تلك القوات بشكل نهائي، ورميها للسلاح، والقضاء على أي وجود لتنظيم pkk، لتجنب المواجهة العسكرية.
وقالت أحمد إن محادثات جارية لما وصفته بتأمين حدود شمال سوريا، من قبل قوات أميركية وفرنسية، حيث طلب من باريس مساعدتها على إقامة “علاقة جيدة مع تركيا في إطار جهود رامية تهدف إلى نزع فتيل الصراع”.
وأضافت أن الإدارة الذاتية مستعدة لتولي التحالف الأميركي الفرنسي مسؤولية تأمين حدود سوريا الشمالية، وأنه “بمجرد أن تتمكن فرنسا من إقناع تركيا بقبول وجودها على الحدود، عندها يمكننا أن نبدأ عملية السلام، نأمل أن يتم تسوية كل شيء في الأسابيع المقبلة”.
وما يزال من غير المعروف رد كل من فرنسا والولايات المتحدة على ذلك، وأيضا لم تعلق تركيا على تلك التصريحات بعد.
من جانبه أكد مظلوم عبدي، قائد قوات قسد، مجددا، أنه يرغب بطمأنة تركيا، وأنه “بحث مستقبل سوريا مع الشرع”، و”اتفق مع السلطة في دمشق على رفض مشاريع الانقسام”.
ويرى النعيمي أن مناطق النفوذ الأمريكية في سوريا تمثل مشكلة بسبب بقاءها خارج سيطرة الحكومة المركزية، وبالتالي “من الصعوبة بمكان أن يتم تجاوز هذه المناطق لا سيما وأن مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية تعتبر الخزان الرئيسي للنفط وباستحواذ قسد عليه فإن ذلك سيعطل مشروع إعادة بناء سوريا”.
ويؤكد أن الشروط التي تطالب بها قسد “ما زالت غير منطقية بدءا باستحواذها على أكثر من 80% من النفط وليس انتهاء بسيطرتها على مناطق عربية واسعة وضمها إلى ما يسمى كريدور المكون الكردي”، معربا عن اعتقاده بأن “التوجه العام الدولي يتجه صوب التهدئة المستدامة وبوجود مناطق خارج نطاق نفوذ الدولة المركزية سيبقى ذلك عاملا مزعزعا للأمن، ما يشير إلى حتمية وجود صيغة للتفاهم كمسألة محلية وإقليمية ودولية ملحة جدا”.
وكان مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، قد أعلن سابقا أن “أكبر مصدر قلق لواشنطن في سوريا هو إمكانية استغلال تنظيم الدولة لفرصة عدم وجود سلطة في بعض المناطق”، معتبرا قسد “أفضل شركائنا لمحاربة تنظيم الدولة، ونخشى أن ينشغلوا عن ذلك إذا حاربتهم تركيا”.
يذكر أن وزراء خارجية إيطاليا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وأمريكا إضافة إلى مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي “كايا كالاس”، يعتزمون الاجتماع اليوم في روما لمناقشة الوضع في سوريا.
وسيلي ذلك زيارة لوزير الخارجية الإيطالي “أنتونيو تاياني” إلى دمشق غدا الجمعة بعد ترؤسه اجتماع روما مع نظرائه الأوروبيين والأمريكي، بهدف “تقديم حزمة أولى من المساعدات للتعاون التنموي وتعزيز الاستقرار السياسي في سوريا بالإضافة إلى حماية حقوق الإنسان”، و”مناقشة التحديات المرتبطة بمؤتمر الحوار الوطني المقبل، وصياغة دستور جديد”.