في خطوة تهدف إلى ضمان استمرارية العمل الحكومي وتفادي أي تعثر في دفع الرواتب والنفقات الأساسية، أصدر مجلس الوزراء السوري قراراً باعتماد نظام الموازنة الإثني عشرية للسنة المالية 2025، استناداً إلى الموازنة المعتمدة لعام 2024، يأتي القرار في وقت حساس تمر فيه البلاد بظروف اقتصادية معقدة، في ظل تراجع قيمة العملة المحلية وارتفاع أسعار السلع الأساسية.
القرار الذي حمل الرقم /1/ ينص على تقسيم موازنة العام الحالي إلى 12 جزءاً شهرياً لتغطية النفقات الحكومية الضرورية، مع السماح بتجاوز المخصصات الشهرية المحددة في حال تعلق الأمر بدفع الرواتب والتعويضات للموظفين، كما أشار القرار إلى تعديل الاعتمادات المالية المخصصة للمحروقات (البنزين والمازوت) لتتوافق مع الأسعار الجديدة، مع الحفاظ على الكميات المخصصة للجهات الحكومية، إضافة إلى تقليص النفقات العامة واقتصارها على الأساسيات الضرورية فقط.
في تصريح خاص لـ”حلب اليوم”، أوضح الباحث الاقتصادي حيّان حبابة أن القرار يعكس مواجهة الحكومة السورية أزمة مالية جعلتها غير قادرة على إعداد موازنة جديدة تلبي الاحتياجات المتزايدة، ويؤكد حبابة أن إقرار الموازنة الإثني عشرية يرتبط بحالة الاقتصاد الطارئ، قائلاً: “الموازنة الإثني عشرية تحتاج إلى تفسير واضح لبنودها، حيث تبدو غامضة بعض الشيء للمتلقي أو القارئ، ومع ذلك فإن توضيحها يتطلب جهداً من الحكومة، ولا يبدو أن الحكومة مضطرة لذلك، لكنها ملزمة بإقرار هذا النوع من الموازنات؛ لأنه يتناسب مع حالة الاقتصاد الطارئ الذي يشهد تغيرات مفاجئة”.
وأضاف حبابة أن لجوء الحكومة إلى الموازنة الاثني عشرية عوضا عن إقرار موازنة جديدة يعكس الوضع الاقتصادي الحرج، قائلاً: “إقرار الموازنة قانونياً يتطلب وجود برلمان، وحالياً لا يوجد برلمان قائم، لذا لجأت الحكومة إلى هذا النوع من الموازنات لمواجهة الإنفاق خلال العام المقبل، ومن غير المتوقع أن يستمر العمل بها لأكثر من سنة، وربما لفترة أقصر”.
تُعتبر الموازنة الإثني عشرية أداة مالية مؤقتة تلجأ إليها الحكومات في حالات الطوارئ الاقتصادية، حيث يتم تقسيم موازنة العام السابق إلى 12 جزءاً، يصرف جزء واحد كل شهر، ويوضح حبابة:
“هناك شرط أساسي في هذا السياق، وهو ألا يتجاوز هذا الجزء المخصص لأي شهر مدة ثلاثة أشهر، ويتم ضبط هذا التوزيع لاحقاً خلال الأشهر المتبقية، بحيث يمكن تعديل المخصصات لضمان التوازن المطلوب”.
وتطرق القرار أيضاً إلى تعديل مخصصات المحروقات، وهو أمر يعكس استمرار ارتفاع أسعار الوقود في السوق المحلية، ويشرح حبابة تأثير هذا التعديل قائلاً: “تخصيص المحروقات في الاقتصاد السوري لا يُتوقع أن يكون له تأثير كبير أو عميق على الاقتصاد المحلي، فالمخصصات تُوزع بما يتماشى مع احتياجات الموظفين والمؤسسات العامة والمديريات، ما يجعل تأثيرها محدوداً وغير كافٍ لزيادة التضخم أو رفع الأسعار”.
يرى حبابة أن القرار يعكس توجهاً نحو سياسة تقشفية جزئية، لكنه لا يصل إلى مستوى التقشف الحاد الذي شهدته دول أخرى، موضحاً: “تقييد الإنفاق يُنظر إليه على أنه أحد أشكال السياسة التقشفية، لكنه لا يمثل تقشفاً حقيقياً كما هو متعارف عليه، بل يأتي كاستجابة لما هو متاح من موارد داخل البنك المركزي وخزانة الدولة، ما يعكس مرونة في التكيف مع الأوضاع الحالية دون الضغط بشكل كبير على الاقتصاد”.
يؤكد الباحث الاقتصادي أن هناك بدائل يمكن للحكومة السورية اتباعها لتخفيف حدة الأزمة الاقتصادية، من أبرزها: بناء علاقات سياسية متوازنة مع الدول الإقليمية والدولية لفتح قنوات تعاون جديدة، وتشجيع الاستثمار في قطاعات رئيسية مثل الزراعة والسياحة، بالإضافة إلى استقطاب ودائع مالية من الدول الصديقة لدعم الاحتياطي النقدي في البنك المركزي، ويضيف حبابة: “تحفيز القطاع الزراعي قد يسهم في تحسين الميزان التجاري وزيادة الإيرادات الوطنية، كما أن تطوير قطاع السياحة يمكن أن يلعب دوراً مهماً في زيادة إيرادات الدولة من خلال جذب الزوار”.
ويشير أيضاً إلى أن العمل بالموازنة الإثني عشرية لن يستمر لفترة طويلة، موضحاً: “هذه السياسة تُعد مؤقتة وتتناسب مع الوضع الحالي، لكنها ليست حلاً طويل الأمد، من المتوقع أن يتم استبدالها بموازنة سنوية شاملة بمجرد عودة الاستقرار السياسي والقانوني، وعودة البرلمان للعمل”.
ويرى حبابة أن تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي ورفع العقوبات الاقتصادية الدولية عن سوريا يعدان أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد السوري، ويؤكد أن إزالة العقوبات ستفتح الباب أمام عودة رؤوس الأموال السورية المهاجرة، وهو ما يعد ركيزة أساسية لتحفيز الاقتصاد.
ويختم الباحث الاقتصادي حديثه بالقول: “مستقبل الاقتصاد السوري يتوقف على عدة عوامل، أبرزها الاستقرار السياسي ورفع العقوبات، بعد ذلك يمكن تبسيط إجراءات الاستثمار وتهيئة البيئة الاقتصادية لعودة النشاط الاقتصادي بشكل مستدام”.
يعكس قرار اعتماد الموازنة الإثني عشرية لعام 2025 التحديات الكبيرة التي تواجهها الحكومة السورية في ظل الأزمة المالية الراهنة، وبينما يهدف القرار إلى ضمان استمرارية العمل الحكومي وتغطية النفقات الأساسية، يبقى القلق الشعبي قائماً من احتمال تفاقم الأزمة المعيشية وتراجع الخدمات.
هبة الله سليمان