أعلن مسؤول السياسات في التحالف الأمريكي لأجل سوريا، محمد علاء غانم، أن وزارة الخزانة الأميركية ستصدرُ اليوم الاثنين رخصةً عامّة تُعَلَّقُ العقوباتُ الأميركيّة بموجبها لستّة أشهر، من شأنها “إسعافُ الشعب السوري”.
وأوضح أن هذه الرّخصةُ ستسمح بالعمل والتعاقد مع الحكومة السورية الجديدة في دمشق، ومع أيّ من الوزارات أو الهيئات أو المديريّات التابعة لها، كما ستسمحُ بتقديم الخدمات والعون والمساعدة لها رغم أنّ الحكومة ما زالت حسب القانون الأميركي تتبعُ لمنظّمة مدرجة على لوائح الإرهاب الأميركيّة.
وورد في القرار أن “الإعفاءات لا تشمل حاليّاً قطاع الاتّصالات بعد بسبب الشبهات حيال الملكيّة الحقيقيّة لشركات الاتّصالات مثل سيرياتيل، والمصرف المركزي غير مشمول أيضاً وكذلك الأمر بالنسبة لهيئة تحرير الشام كمنظّمة”.
وحول تقييمه لذلك قال حسام نجار، الكاتب الصحفي السوري والمحلل السياسي الدولي، لحلب اليوم، إن “قرار تعديل نظام العقوبات والسماح بتوريد المساعدات و المواد الضرورية للشعب السوري يأتي للموازنة بين عدة مواقف وآراء داخل أمريكا وخارجها”.
من جانبه وصف الخبير الاقتصادي السوري، فراس شعبو، في إفادته لموقع حلب اليوم؛ القرار، بأنه “إيجابي، على الرغم من كونه دون المأمول، ولكنه يبقى خطوة باتجاه إزالة العقوبات”، معتبرا أن على الحكومة الانتقالية استغلاله جيدا.
وقال غانم إن هذه “الرخصة المؤسّساتيّة ستفتح آفاقاً سددناها على نظام الأسد المجرم لسنين طويلة، وستسمحُ لمن يريد أن يساعدَ سوريا العملَ دون الخشية من الوقوع في محاذير قانونيّة (قوانين مكافحة دعم الإرهاب الصارمة)، وسيشملُ ذلك مثلاً السماحَ للدول المانحة بتقديم هباتٍ للحكومة السورية الحاليّة لدفعِ رواتبِ الموظّفين، الأمر الذي سَيُفرّجُ عن ملايين السوريّين الذين ما زالوا ينتظرون قبضَ رواتبهم، كما سيسمحُ للشركات بالدخول لإصلاح محطّات الطاقة الكهربائيّة وشبكة الكهرباء البالية”.
وأشار شعبو إلى أن “هذا الأمر سوف يؤدي – نوعا ما – إلى سهولة في دخول المساعدات، حيث كانت بعض الدول تتخوف من أي رد فعل أمريكي على التدخل أو إرسال المساعدة سواء عن طريق التحويلات أو عن طريق الإمدادات وبالتالي القرار قد يكون مفيدا، فمثلا في مجال محطات الطاقة والمضخات والعنفات كانت هناك مشكلة في جلب المواد وقطع الغيار لإحجام الدول عن ذلك حيث كانت هناك حالة من الحصار ومنع التعامل مع سوريا، وأيضا قضية محطات تكرير النفط والمصافي مثل محطة بانياس ومحطات المياه.. كان هناك خلل كبير ولكن هذا جزء من الموضوع”.
وبحسب غانم فسوف “توسّعُ الرّخصةُ والإعفاءات أيضاً من نطاق الأنشطة والمعاملات المسموح بإجرائها في سوريا، بما في ذلك مع مؤسّسات الدولة السوريّة، وستقدّمُ ضماناتٍ إضافيّة للمؤسّسات الدّوليّة الإغاثيّة هدفها طمأنة هذه المنظّمات حيالَ مقدرتها على العمل في سوريا وتقديم المساعدات أو الخدمات الأساسيّة للمواطنين بكلّ أريحيّة”، كما “تهدفُ الإعفاءاتُ هذه أيضاً إلى ضمان استمراريّة الدولة السوريّة دون انقطاع وهو ما نسمّيه بال (continuity of government)”.
وحول تفسيره السياسي للقرار الذي أتى مؤقتا وجزئيا، قال نجار إن هناك “صراعا كبيرا بين طرفين داخليين في الولايات المتحدة على إبقاء تلك العقوبات أيام نظام أسد، أما خارجياً فقد سمحت واشنطن سابقا لبعض الدول بتقديم المساعدات للنظام ومنعها الآن على دول أخرى يعتبر تحيزا واضحا، كذلك فإن موقف الإدارة الأمريكية المنفتح قليلا على الإدارة الجديدة ساعد في هذا”.
وأضاف أن واشنطن لا تريد أن تعطي انطباعا بأنها لا تعترف بالحكم الجديد في سوريا، لذلك يمكن القول بأنها “توازن بين كل الأمور”، في سوريا.
وستسمحُ الإعفاءات أيضاً “بتقديم الطاقة، والمياه، وخدمات الصرف الصحيّ مجاناً أو بشكل تجاريّ وهو الأمر بالغ الأهميّة بسبب شُحّ هذه المنتجات الأساسيّة في سوريا وغلاء أسعارها، لكن يتعيّنُ على الدول التي ترغب في المشاركة في برامج تقديم الطاقة الاتصال بوزارة الخارجيّة للحصول على إعفاء (روتيني) لفعل ذلك”، وفقا لغانم.
ماذا عن الاستثناءات؟
تستثني الرخصة وزارة الدفاع والاستخبارات السوريّة من هذه الإعفاءات، كما أنّها لا تشمل حاليّاً قطاع الاتّصالات بعد، “بسبب الشبهات حيال الملكيّة الحقيقيّة لشركات الاتّصالات مثل سيرياتيل”، كما أن “المصرف المركزي غير مشمول أيضاً وكذلك الأمر بالنسبة لهيئة تحرير الشام كمنظّمة”.
وبحسب غانم فإن مدّة هذه الإعفاءات ستّة أشهر قابلة للتمديد أو التعديل، توسيعاً أو تضييقاً، حسب مجريات الأمور في سوريا، حيث وصف هذه الرخصة بأنها “جولة أولى”، متحدثا عن جولات أخرى مثل “استصدار رخصة تجاريّة لتحريك وتحرير القطاع الاقتصادي بالكامل”.
وحول تلك الاستثناءات؛ نوه نجار بأن واشنطن “تريد التأكد من أن شركة الاتصالات تابعة للدولة أو لرامي مخلوف أو لشركاء خارجين معه”، أما “فيما يخص وضع الهيئة فهو وضع حساس جداً لتخوفها من تمويل منظمة إرهابية”.
واعتبر شعبو من جانبه أن هذه الرخصة تبقى مهمة من الناحية الاقتصادية، حيث تؤدي إلى “حلحلة ولو كانت جزئية ولكننا ما نزال في حاجة لإزالة العقوبات عن المصارف وعن القطاع المالي وإزالة العقوبات الكلية عن التصدير والاستيراد، وهذا ما نطمح إليه بشكل أساسي”.
ولفت إلى “ضغط التخوف الدولي من سياسة الإدارة الجديدة، فكما رأينا طالبت منظمات المجتمع المدني الإدارة الأمريكية بعدم رفع العقوبات بشكل كامل”.
وعلى أي حال فإن “الأمر يبقى إيجابيا، ويجب العمل عليه، وعلى الحكومة السورية أن تستغل هذه الفرصة وتعطي المؤشرات المطلوبة للدول الداعمة أو الدول الأجنبية التي تترقب التغيرات التي ستحدث على الأرض خلال الفترة القادمة”.
وأعرب الخبير الاقتصادي السوري عن أمله في أن “تنطلق الحكومة بأعمالها بعد هذا القرار وتتحسن الأمور باتجاه الحصول على دعم دولي، فمن الممكن أيضا أن تصبح التحويلات أكثر انسيابية للداخل السوري”.
وحول ما إذا كانت أوروبا ستتخذ خطوات مشابهة، قال نجار إن “الجميع سيحذو حذو أمريكا لأنها القادرة على فرض أوامرها على الجميع وقوتها أهم من كل الدول الأوروبية التي لم تستطع خلال كل المجازر التأثير على الملف السوري بشكل كبير رغم المحاولات البسيطة كالمحاكمات لعناصر النظام والمطالبة بمحاكمة الأسد”.
وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، قد نشرت مقالا أكدت فيه أن الحكومة الأميركيّة ستصدر اليوم إعفاءات محدودة لتسهيل تقديم المساعدات الإنسانيّة لسوريا، دون السماح بالعمل مع الحكومة السورية أو مساعدتها، لكن غانم أكد أن “المعلومات الواردة في المقال غير دقيقة”، مرجحا أنّ “الصحفي (الذي أعده) استقى معلوماته من مصادر ثانويّة غير مطّلعة أو أنّ من حدّثه لم يطلعه على دقائق التفاصيل”.