بمجرد وصول قوات إدارة العمليات العسكرية إلى دمشق، وإعلان سقوط نظام الأسد، بدأت مختلف القوى الدولية والإقليمية بإرسال رسائل سياسية مختلفة، إما عبر التصريحات أو عبر التواصل المباشر مع الإدارة الجديدة للبلاد.
وتعمل الحكومة الحالية بجهود حثيثة على تطمين الجهات الخارجية والداخلية، لتجتب الدخول في أي صراعات تعيق جهود إعادة البناء وترتيب البيت الداخلي، فيما تبعث الدول الغربية بإشارات متباينة بين الترحيب والتحذير.
وتبدو المهمة أمام الإدارة الجديدة صعبة للغاية، ربما أصعب من المعركة العسكرية التي انتهت في 11 يوما، حيث ورثت الحكومة بلدا مدمرا ووزارات غارقة في الفوضى والفساد، وإمكانات مادية هشة، لكن ملف العلاقات الخارجية يبدو الأكثر صعوبة.
وأجرى أحمد الشرع وحكومة محمد البشير الانتقالية تواصلا واسعا مع مسؤولين عرب وغربيين وأممين، فيما تستمر إسرائيل في شن الضربات العسكرية، وتُظهر أنها غير مرحبة مطلقا بالتغيير الحاصل في البلاد.
يقول حسام نجار الكاتب والصحفي السوري، والمحلل السياسي الدولي، في إفادته لموقع حلب اليوم، إن الإدارة الجديدة لسوريا أمام تحديات عديدة تفرضها الظروف والمواقف الإقليمية والدولية، “فمن انتصر كان تصنيفه إرهابياً، لكن الآن على الجميع التعامل مع المنتصر”.
وأكد أن “الدول تحاول في الوقت نفسه فرض وصايتها، لكن هذه الإدارة تعلم بشكل كبير وواضح أن مواقفها وتصرفاتها هي محط أنظار الجميع وأن أي تصرف منها خارج السياق سوف يتم تأويله بشكل مختلف لذلك تسعى في الفترة الأولى لتثبيت أركان حكمها والسيطرة على كافة الجوانب الداخلية”.
ويسعى الشرع لتطمين كافة الجهات الخارجية والداخلية، حول مستقبل إدارة البلاد، وقال خلال اجتماعه مع الطائفة الدرزية مؤخرا، إنه “يجب أن تحضر لدينا عقلية الدولة لا عقلية المعارضة فسوريا يجب أن تبقى موحدة ويكون بين الدولة وجميع الطوائف عقد اجتماعي لضمان العدالة الاجتماعية”.
ورفض المحاصصة وأي “خصوصية تؤدي إلى الانفصال”، مضيفا أن “واقع البلد متعب وحجم الدمار كبير ونحتاج لجهود جميع السوريين داخل وخارج البلد”، متعهدا بحل الفصائل وتهيئة المقاتلين للانضواء تحت وزارة الدفاع، حيث “سيخضع الجميع للقانون”.
كما التقى أحمد الشرع مع وفد الخارجية البريطانية في دمشق، ودعا لرفع العقوبات عن سوريا كي يعود السوريون إلى بلدهم، مؤكدا أن ما حصل في سوريا هو “انتصار للشعب المظلوم على الظالم المجرم، وقد حصل دون تدمير في البنى التحتية ودون أي نزوح”.
وأكدت وسائل إعلام ألمانية وجود تحضيرات لإعادة فتح السفارة الألمانية في دمشق، “حال نجاح المباحثات”، فيما قالت الخارجية الألمانية إن المباحثات تناقش وجود فرص لتمثيل دبلوماسي ألماني في دمشق، حيث “ركزت المحادثات على التحول السياسي في سوريا وحقوق الإنسان”، والتقى الوفد الألماني “ممثلين عن المجتمع المدني ومنظمات دينية”.
من جانبها قالت رئيسة وزراء إيطاليا، إن روما مستعدة للتواصل مع القيادة السورية الجديدة، و”المؤشرات الأولية مشجعة لكن الحذر مطلوب”.
وأكدت وكالة الصحافة الفرنسية، اليوم الثلاثاء، رفع العلم الفرنسي فوق السفارة في دمشق للمرة الأولى منذ عاث 2012، كما نقلت عن الوفد الفرنسي في دمشق قوله إن “باريس تقف إلى جانب السوريين خلال المرحلة الانتقالية”، مشددة على “حماية الأقليات”.
وقال المبعوث الفرنسي إلى سوريا: “سنكون موجودين في المرحلة الانتقالية من دون التدخل في الشؤون الداخلية إنما كأصدقاء فقط”.
وأعلنت مفوضة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، اليوم، أنه سيجري فتح مقر بعثة الاتحاد في سوريا لتستأنف عملها بشكل كامل.
أما الولايات المتحدة الأميركية فقد أكدت التزامها “بحشد دعم دولي من أجل سوريا، وعملية انتقال سياسي بقيادة سورية”، لكنها طالبت بحكومة “علمانية”.
ويرى مظهر سعدو، الكاتب الصحفي والمحلل السياسي السوري، في إفادته لموقع حلب اليوم، أنه يمكن أن يكون هناك تلاقٍ في وسط الطريق بين الحكومة المؤقتة والأمم المتحدة والجهات الدولية التي تتحدث عن الشأن السوري.
ولفت إلى أهمية أن يفتح المجال لمشاركة جميع أطياف الشعب السوري، باستثناء أجهزة وأدوات الحكم السابق، مضيفا: “لعل فتح حوار وطني وإنجاز المرحلة الانتقالة بات ضرورة ملحة يفرضها الواقع السوري الموحد دون سواه”.
وكانت عدة جهات دولية قد طالبت السوريين بالرجوع إلى القرار 2254، وهو ما أثار اعتراضهم، لكن المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون أكد أمس أن “سوريا تواجه اليوم واقعا جديدا تماما بعد سقوط نظام الأسد”، وأن “السوريين يشعرون أن الواقع الجديد في بلادهم ينتمي لهم”، حيث “هناك اتفاق واسع النطاق على أن القرار 2254 لا يمكن تطبيقه في ظل الظروف الجديدة”.
سيطرة قسد.. أكثر ملف شائك داخليا
لا تزال قوات قسد تسيطر على مناطق واسعة شمال شرقي البلاد، فيما تبدو الإدارة العسكرية حريصة على تجنب الصدام مع الولايات المتحدة والتحالف الدولي الذي يدعمها.
وتكثف تركيا من تحركاتها حيث تلوح بعملية عسكرية وشيكة على الحدود الشمالية مع سوريا كورقة ضغط على قسد، لكن الأخيرة تحدثت عن “مبادرة تهدف إلى معالجة المخاوف الأمنية التركية وضمان استقرار المنطقة بشكل دائم”.
وقالت الخارجية الأميركية إنها تتواصل مع تركيا بشأن الوضع في شمال سوريا، حيث تم التوصل لوقف لإطلاق النار في منبج، كما “جرى تمديد وقف إطلاق النار بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية حتى نهاية هذا الأسبوع”.
وأكدت واشنطن عزمها إبقاء قواتها في سوريا، حيث قال البنتاغون في بيان، اليوم الأربعاء، إن “وجودنا العسكري في سوريا يركز على مهمة هزيمة تنظيم الدولة”، و”تُعد قسد شريكاً مهماً بالنسبة لنا”.
من جانبه قال القائد العسكري في “إدارة العمليات العسكرية” مرهف أبو قصرة، إن مناطق سيطرة قسد في شمال شرق البلاد “ستُضم” إلى الإدارة الجديدة للبلاد مؤكدا أن “سوريا لن تتجزأ ولن توجد فيها فدراليات”.
وأضاف أن “الشعب الكردي هو مكون من مكونات الشعب السوري والإشكالية هي مع قسد”، وأن “بناء مؤسسة عسكرية تنضوي ضمنها كل الفصائل المعارضة يشكل “الخطوة المقبلة” بعد الإطاحة ببشار الأسد”.
إسرائيل.. العقبة الأكبر خارجيا
شنت القوات الإسرائيلية أكثر من 350 ضربة على المرافق والمعدات العسكرية في سوريا، منذ سقوط الأسد، بالرغم من الاعتراضات الدولية والأممية، كما تواصل التوغل البري البطيء.
وطالب الشرع الأمم المتحدة بإيجاد حل لهذه “المشكلة”، مؤكدا أن الإدارة الجديدة ليست بصدد الحرب مع أية جهة خارجية.
وبالرغم من اعتبار المندوب الفرنسي أن الأوضاع في الجولان “مقلقة”، ودعوته إسرائيل إلى “الانسحاب من المنطقة واحترام سيادة سوريا”، إلا أن باريس لم تتخذ أي خطوة عملية لتحقيق ذلك؛ حالها حال باقي العواصم الغربية.
وهدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بضرب الحكومة الجديدة في سوريا، في حال “شكلت خطرا على أمن إسرائيل”، فيما وصفت نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي شارين هسكل أحمد الشرع بأنه “ذئب في ثوب حمل”.
كما اتهمته في مؤتمر صحفي بالتطرف قائلة: “من المهم أن نتجنب الوقوع في محاولة تبييض صورة الجماعات المسلحة في سوريا.. نحن نعرف من هم ونعرف حقيقتهم، حتى لو غيروا أسماءهم، نحن نفهم مدى خطورتهم على الغرب”.
ويرى نجار أن الحكومة الجديدة تواصل التركيز على الداخل “مع تساهلها مع ما يصدر من الخارج وهي تأخذ بالحساب هذه الإملاءات وتنتظر الفرصة لتحسن وضعها الدولي والاعتراف بها دولياً من خلال بعض التطمينات والاجتماعات”، معتبرا أن “استعداد الشرع للتعاون مع الولايات المتحدة سابقا وحاليا سيكون له دور في القبول بالحكومة الجديدة”.
يشار إلى أن إيران طالبت الحكومة السورية الجديدة بدفع ديونها المستحقة على خزينة الدولة، منذ عهد نظام الأسد، استنادًا إلى مبدأ “خلافة الدول” المعتمد في القانون الدولي.
وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية “إسماعيل بقائي” إن الأرقام المتداولة حول ديون تصل إلى 50 مليار دولار “مبالغ فيها”، دون الكشف عن الرقم الحقيقي.