مع فرار الأسد من البلاد واحتمائه بالروس، بقيت خزينة الدولة السورية شبه فارغة، لتجد حكومة تصريف الأعمال نفسها وسط تحديات جمة، و”تركة ثقيلة” كما وصفها رئيسها المكلف بتسيير شؤونها محمد البشير.
ولا يُعلم حجم الأموال المودعة في الخزينة، لكن تصريحات الحكومة الجديدة تشي بأنها شحيحة، فضلا عن مشكلة طباعة العملة خلال السنوات الأخيرة بدون رصيد.
أمام هذه التحديات، يدعو الكثير من السوريين لاستعادة ما أمكن من الأموال التي نهبها آل الأسد وأعوانهم على مدى عقود، وهي إن كانت لا تُحصى، فإن التقديرات تشير إلى وجود مئات مليارات الدولارات منها مودعةً في مختلف البنوك، وبأسماء متعددة.
وحول الطريق لاستعادة الأموال المنهوبة من جيوب السوريين، يقول الخبير الاقتصادي السوري أدهم قضيماتي، لحلب اليوم، إن هناك عدة خطوات، وعقبات، والأمر يحتاج إلى وقت، لكن المنطلق في العملية هو تشكيل حكومة سورية جديدة كاملة الصلاحيات.
وقال إنه يجب أولا أن يكون هناك اعتراف دولي، واعتراف بالأمم المتحدة من الحكومة التي ستكون مُشكلة في سوريا لكي يتم من خلالها رفع دعاوى قضائية معترف فيها، وهذا أمر أساسي يأتي في المرتبة الأولى، حيث يتم تبليغ الأمم المتحدة والدول المعنية التي تملك عائلة الأسد حسابات بنكية وعقارات فيها؛ بتلك الدعاوى.
وفي أحد بنوك بريطانيا فقط، تقدّر صحيفة “Ipaper” البريطانية أن المخلوع بشار الأسد يمتلك 55 مليون جنيه إسترليني مودعة في حساب مصرفي لدى بنك HSBC في لندن.
الصحيفة قالت إن المبلغ جزء من 163 مليون جنيه إسترليني أودعها الأسد ومقربون منه في حسابات ببريطانيا، مشيرةً إلى تصاعد الدعوات لمصادرة هذه الأموال وتسليمها إلى أول حكومة سورية معترف بها دوليًا.
ووفقًا لصحيفة (وول ستريت جورنال) الأمريكية، فقد أسست العائلة شبكة واسعة من الاستثمارات الخارجية، تضمنت عقارات فاخرة في روسيا، وفنادق راقية في فيينا، وطائرة خاصة في دبي. وتأتي هذه التحركات ضمن مساعٍ لاستعادة الأصول التي يُعتقد أنها تعود إلى الشعب السوري.
وبدأت عائلة الأسد بجمع ثروتها الضخمة بعد أن تولى حافظ الأسد السلطة في انقلابه عام 1970، مستغلة موارد الدولة ومواقع النفوذ لتعزيز ثروتها.
يؤكد قضيماتي أنه “لا يمكن أن تكون هناك تقديرات دقيقة في الوقت الحالي لأن الأشخاص الذين كانوا يعملون مع النظام لم يتم استجوابهم أو محاسبتهم أو دعوتهم للإدلاء بشهاداتهم، وخاصة ممن تلطخت أيديهم بالدماء”.
وأضاف: “نحن الآن في مرحلة انتقالية حرجة، لم يتم الكشف عن هذه الأمور بشكل كامل ولا أحد يمتلك المعلومات لأن هناك الكثير من الأموال التي أودعت بأسماء أشخاص وهميين تابعين للأسد بطريقة أو بأخرى، فلذلك لا نستطيع أن نعطي رقما دقيقا لتلك الأموال التي كانت أصلا مهربة لخارج البلد، فالأمر الآن صعب جدا جدا جدا”.
الخطوات الأولى
يلفت الخبير الاقتصادي السوري إلى أهمية نجاح الحكومة السورية في المستقبل بتخطي العقبات، واعتراف الدول بها، وبعد ذلك من الممكن استعادة هذه الأموال.
ويشير إلى أن المهم الآن بالمرتبة الأولى، أن تكون هناك محاسبة لهؤلاء الأشخاص الذين كانوا متعاونين مع النظام وأن يتم استجوابهم والبحث عن الأموال وأماكن وأسماء الأشخاص الوهميين الذين أودعت عائلة الأسد أموالها في حساباتهم.
ويحتاج هذا الأمر وقتا – يضيف قضيماتي – “لمعرفة كم من الممكن أن يكون حجم تلك الأرصدة، وعلى أساس مدى تجاوب الدول مع تلك الجهود ووقوفها بجانب الشعب السوري، وهل هي خاضعة للعقوبات الأمريكية؟ وعلينا ألا ننسى أن هذا يتعارض مع عدد المصالح طبعا”.
هل تحمي روسيا الأسد وزمرته؟
أكدت صحيفة “ديلي ميل” نقلاً عن وزارة الخارجية الأمريكية أن عائلة بشار الأسد أخفت ثروتها في العديد من الحسابات والشركات الوهمية والمحافظ العقارية، مؤكدة أنه الآن وزوجته أسماء وأطفالهما الثلاثة يبدؤون حياة جديدة في روسيا بعد منحهم اللجوء.
وأضافت أن أسماء أنفقت مئات الآلاف من الدولارات على أثاث المنزل والملابس خلال عهد زوجها، ومن المرجح الآن أن يعتمدوا على علاقاتهم العائلية وأصولهم الواسعة في موسكو على أمل الحفاظ على أسلوب حياتهم المريح في المنفى.
ويؤكد قضيماتي أن الأمر يتعلق بشكل أساسي بالدول التي توجد فيها تلك الأموال؛ إن كانت داعمة للرئيس المخلوع وعائلته فلربما تحول دون استعادتها، إذ إن بقاءه في روسيا أو إيران أو حتى الصين قد يمكنه من التهرب من ذلك بطريقة أو بأخرى، ويتيح له التهرب من تسليم هذه الأموال إلى الشعب السوري والحكومة التي من الممكن أن تتشكل مستقبلا.
وأوضح أن روسيا التي منحته “اللجوء الإنساني”، من الممكن أن تجد له مخارج بطريقة ما، بحجة أنه تحت الحماية “الإنسانية”.
وبحسب الخبير السوري فمن المهم أيضا معرفة أين تكمن هذه الأموال والأصول والعقارات، هل هي موجودة بدول خاضعة للعقوبات الدولية أو خاضعة للعقوبات الأمريكية بالتحديد؟ فهذا يلعب دورا أساسيا في القضية، فروسيا مثلا خاضعة للعقوبات الأمريكية بشكل كبير، ومن المؤكد أنها لن تسلم تلك الأموال لأنها خاضعة أصلا للعقوبات.
وتقول ديلي ميل إن عائلة الأسد اشترت ما لا يقل عن 20 شقة في موسكو بقيمة تزيد عن 30 مليون جنيه إسترليني في السنوات الأخيرة، ما يوضح مكانة روسيا كملاذ آمن للعائلة.
من جانبها نقلت وول ستريت جورنال عن مسؤول في الخارجية الأمريكية تقديره أن الرئيس المخلوع وعائلته، كانوا يعدون أنفسهم للعيش في المنفى منذ عقود.
ماذا عن أموال رفعت الأسد؟
نهب رفعت أموال الخزينة السورية وغيرها، منذ عقود، قبل أن يتسلم الرئيس المخلوع بشار السلطة، وكوّن ثروة هائلة في المنفى الذي أرسله إليه حافظ، على الأغلب بشكل مستقل عن بشار وزمرته.
ومع إحالته إلى المحاكمة بتهم أبرزها غسيل الأموال، عاد رفعت إلى سوريا هربا من الملاحقة القضائية، ضمن صفقة غير معروفة مع ابن أخيه بشار الذي سمح له بالعودة وإنهاء العداوة بينهما.
ويؤكد قضيماتي أن الوضع بالنسبة للأموال التي نهبها رفعت الأسد مختلف؛ لأنه عاد إلى البلد وحاول أن يلتف على العقوبات التي كانت من الممكن أن تفرضها عليه الدول الأوروبية، وتم استقباله من قبل أقاربه في دمشق منذ نحو سنتين”.
وأشار إلى أن عملية طي ملفه كانت تجري بطريقة أو بأخرى بشكل كامل، بينما عملت دول العالم مؤخرا على إعادة تدوير النظام والتطبيع معه.
ورغم وجود حكم قضائي فرنسي بمنعه من السفر، استطاع رفعت الوصول إلى سوريا، بطريقة أثارت الاستغراب، لكن الصحافة كشفت عن دور للمخابرات الفرنسية في ذلك، لأنه متعاون معها وقدم لها خدمات غير معلنة.
وكانت إحدى وثائق موقع “ويكيليكس” قد كشفت – على سبيل المثال – عن مراسلات خاصة لأسماء الأسد أظهرت أنها أنفقت 350 ألف دولار على أثاث القصر و7 آلاف دولار على الأحذية المرصعة بالكريستال.
ومنذ ذلك الحين اشترت العائلة ما لا يقل عن 18 شقة فاخرة في مجمع سيتي أوف كابيتالز، الواقع في منطقة ناطحة السحاب المتلألئة في موسكو، وفقًا لصحيفة فايننشال تايمز.
وتعد ناطحة السحاب تلك موطنا لبعض أغنى رجال الأعمال في روسيا، والوزارات الحكومية، والفنادق الفاخرة، والشركات متعددة الجنسيات، ويمكن الآن أن يصبح موطناً لعائلة الأسد عندما يبدؤون حياة جديدة في المنفى، وفقا لصحيفة “ديلي ميل”.
وكان وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن قد أكد أمس أن العقوبات قد تُخفف إذا حققت سوريا أهداف المرحلة الانتقالية بعد الأسد، وأن الولايات المتحدة مستعدة للاعتراف بهيئة تحرير الشام كحكومة شرعية لسوريا إذا التزمت بالمبادئ وشكلت حكومة شاملة.