أكدت مصادر إعلامية لبنانية وجود مسؤولين كبار من نظام الأسد المخلوع في جنوبي البلاد بعد فرارهم من سوريا، بمن فيهم رفعت الأسد وعلي مملوك وآخرون من آل مخلوف، فيما يطالب السوريون بتسليمهم لمحاسبتهم.
وتدوالت مواقع التواصل الاجتماعي لقطات مصورة توثق هروب مجاهد إسماعيل قائد كتائب البعث، وميليشيات الدفاع الوطني بدمشق، عند معبر العريضة بطرطوس، متجها إلى لبنان.
وقالت صحيفة “نداء الوطن” اللبنانية إن “رموز النظام المخلوع نزلاء في أهم الفنادق”، فيما لا يزال “مصير مئات اللبنانيين في سجون الأسد مجهولا إلى اليوم”.
وأكدت أن فرار ضباط مخابرات الأسد إلى لبنان كان بتسهيل من “حزب الله”، وبحماية من “أمن الدولة”، رغم أن علي مملوك وهو أبرزهم مطلوب للعدالة اللبنانية بتهمة الإرهاب، لتورّطه بتفجير مسجدَي التقوى والسلام في طرابلس.
وقال محمد صبلوح المحامي اللبناني والمدافع عن حقوق الإنسان، لموقع حلب اليوم، إن “مسؤولي نظام الأسد ليس لديهم مخرج سوى الهروب عبر الدول المجارة، وهناك مع الأسف الكثير من قوى الأمر الواقع في لبنان تأتمر بأوامر مسؤولي نظام الأسد، هناك الكثير من الكلام حول ذلك هنا في لبنان، وهو احتمال وارد جدا وأقرب إلى التصديق من رواية وزير الداخلية اللبناني”.
وأشار إلى “الحديث عن دخول ماهر الأسد عبر أنفاق الجبهة الشعبية، حيث هناك من يقول إنه غادر عبر مطار بيروت، ويُقال الكثير من الكلام على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن نحن أقرب لتصديق فكرة دخول مسؤولي نظام الأسد إلى الأراضي اللبنانية، والوقائع تشير إلى صحة هذا الكلام”.
على المتضررين إقامة دعاوى
أكد صبلوح وهو مدير برنامج الدعم القانوني في مركز سيدار للدراسات القانونية، والذي يتألف من ستة محامين، أن المركز على استعداد لتبني قضية أي سوري أو لبناني تعرض للتهديد أو التعذيب من قبل شخص ما يعلم مكان وجوده ضمن لبنان، حيث سيكون ذلك مجانا بدون تقاضي رسوم عن الدعوى.
وأوضح أن السلطات “لا تستطيع منع أي شخص من دخول الأراضي اللبنانية فربما دخلوا من معابر غير شرعية، أو من معابر شرعية ولكن لا توجد ملاحقات قانونية بحقهم، ولكن هناك عدة إجراءات قانونية الحكومة ملزمة بها في هذا الإطار”.
وأضاف: “بعدما رأيناه في صيدنايا حيث صُدم العالم بحجم الجرائم، فإن لبنان ملزم بالتحرك بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب التي وقع عليها عام 2000، وفي المادة الرابعة تضمن كل دولة طرف أن تمنع جرائم التعذيب بموجب قانونها الجنائي، وهذا ينطبق على أي شخص حاول ممارسة جريمة التعذيب أو المشاركة فيها”.
أما المادة الثامنة – يضيف المحامي اللبناني – فتقول إن لبنان “ملزم بتسليم مرتكبي الجرائم المذكورة في المادة الرابعة لدولتهم مباشرة، فالواجب هنا تسليم أي متهم بالتعذيب ولكن على الضحايا سواء أكانوا لبنانيين أو سوريين الادعاء على الأشخاص المتورطين ليتم اعتقالهم وتسليمهم لسوريا”.
ولفت إلا أن “الاتفاقية واضحة، فجرائم التعذيب لا تسقط بالتقادم، كما تطبق العقوبات والقوانين اللبنانية على كل شخص أجنبي أو عديم الجنسية مقيم في لبنان، إذا أقدم على ارتكاب جناية أو جنحة فاعلا أو متدخلا أو شريكا”.
لا حجة للقضاء اللبناني
يتحجج القضاء اللبناني بأن بيروت موقعة على اتفاقية خاصة مع نظام الأسد تتضمن عدم محاسبة أي شخص متهم بارتكاب جريمة إلا بناء على استناد من النيابة السورية، ولكن صبلوح يبين أن تلك الاتفاقية “كانت موقعة منذ عهد حافظ الأسد ولم يتم الالتزام بها”،مضيفا: “واكبت أشخاصا سوريين تمت محاكمتهم بتهم الانتماء إلى عصابات مسلحة (سواء جيش حر أو جبهة نصرة أو غير ذلك)، ولا يمكن للقضاء القول إنه لا يستطيع محاسبة أشخاص بناء على أعمال ارتكبوها في سوريا، فمنذ بدأت الثورة السورية تم الادعاء على كل من ساند الثورة بتهم تشكيل عصابات مسلحة، في الأراضي اللبنانية وخارجها”.
وختم بالقول: “باختصار فإن القضاء اللبناني لديه صلاحية لملاحقة هؤلاء، ولكن نريد أن يقدم الأشخاص الذين تعرضوا للتعذيب بدعاوى لنستطيع ملاحقة المتورطين، واستنادا لاتفاقية مناهضة التعذيب فإن من واجب لبنان أن يسلم أي شخص على أراضيه متهم بارتكاب جناية، بموجب المادة الثامنة من الاتفاقية”.
وبالعودة لصحيفة “نداء الوطن” فقد نقلت عن “مصدرين أمنيين متقاطعين” أن أقرباء الأسد ورجالات النظام البارزين، اختبأوا تحديداً بين فنادق بيروت والضاحية، حيث توجد والدة رامي مخلوف، زوجة خال بشار الأسد، في أوتيل فينيسيا، كما عُلم أن أولاد خالته في بيروت أيضاً، أما فراس عيسى شاليش (أبن أخ ذو الهمة شاليش، المتورط في مجازر محافظة حماة وجسر الشغور أيام حافظ الأسد)، فيختبئ في فندق موفمبيك، وكذلك خالد قدّور، رجل الأعمال السوري المُقرّب من ماهر الأسد، والمدرج على لائحة العقوبات الأمريكية، “لتوفيره الدعم المالي أو المادي أو الفني عن علم لماهر الأسد، أو لمشاركته في عمليات مهمة معه عن علم” وفق وزارة الخزانة الأمريكية، فموجود أيضاً في موفمبيك.
وأكدت وجود حراسة مشددة من دوريات أمن الدولة (تصل لـ3 دوريات للفندق الواحد) تحيط بالفنادق في بيروت، وقد بدأ لجوؤهم قبل أيام من تحرير دمشق، أي خلال أيام تحرير حلب وحمص.
واضافت الصحيفة اللبنانية أن ضابط الأمن العام عند الحدود اللبنانية أحمد نكد، الذي تربطه صلات بعلي مملوك، تعاون معهم في ذلك، كما تم دفع رشى لعناصر في الأمن العام، (وصلت لآلاف الدولارات)، أما دور عناصر “الحزب”، فكان تسهيل مرورهم عبر تبديل لوحات سياراتهم السورية بلوحات لبنانية.
كما فرّ “عشرات بل ربما مئات العسكريين” من قوات الأسد ولا سيما من “الفرقة الرابعة” التي كان يرأسها ماهر الأسد إلى لبنان عبر معابر غير شرعية في البقاع الشمالي، وقد عمِل “حزب الله” على تأمين المأوى لهم.
من جانبه أكد موقع “صوت العاصمة” السوري، أنّ من بين من لجأوا إلى فنادق بيروت أفراد من عائلة شاليش، ورجل الأعمال محمد حمشو الذي تربطه علاقات وطيدة مع عائلة الأسد وعمل عام 2019 على انتزاع ملكية الأهالي من سكان القابون مستغلاً إعلان محافظة دمشق انطلاق العمل في إعداد مخطط تنظيمي للمنطقة.
وإلى جانب حمشو، رجل الأعمال ووزير الدولة للشؤون الخارجية سابقاً والواجهة التجارية لماهر الأسد، خالد قدور، وأبناء رامي مخلوف غادروا كلهم إلى لبنان على أنّ ينقلوا والدهم وجدتهم.
وقال النائب اللبناني أشرف ريفي: “من حقنا الحتمي لا بل من واجبنا الوطني والإنساني أن نتوجه بالسؤال إلى الحكومة عن رموز النظام المخلوع وأزلام بشار الأسد الذين فرّوا إلى لبنان وباتوا نزلاء في أهم الفنادق بغطاءٍ أمني وحزبي، كما ونسأل عن دور الأجهزة الأمنية في ملاحقتهم لتورطهم في أعمالٍ إرهابية أبرزها تفجير مسجدَي التقوى والسلام في طرابلس، وغيرها من الجرائم الوحشية التي ارتكبها النظام البالي على كافة الأراضي اللبنانية”.
من جانبه لفت الحزب التقدمي الإشتراكي إلى “خطورة تحويل لبنان إلى ملجأ آمن لهؤلاء المسؤولين عن الكثير من الجرائم بحق لبنانيين وسوريين”، داعيا “الدولة بكل مؤسساتها الأمنية والقضائية إلى تدارك هذا الامر ومنع حصوله كي لا يتحمل لبنان تداعيات قانونية وسياسية نتيجة لهذا الأمر”.
وأنكر وزير الداخلية بسام مولوي وجود “أي مسؤول أمني من النظام السابق ومطلوب للقضاء في لبنان”، وقال: “هناك بعض العائلات ولكن لا يوجد عليها منع أو أحكام قضائية أو تدابير عدلية”.
وقد أعلن قائد غرفة العمليات للإدارة العسكرية أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، يوم الثلاثاء الفائت، أنّ السلطات الجديدة ستنشر قريباً “قائمة أولى بأسماء كبار المتورطين بتعذيب الشعب السوري” لملاحقتهم ومحاسبتهم، معلنا وجود “مكافآت إلى من يدلي بمعلومات عن كبار ضباط الجيش والأمن المتورطين في جرائم حرب”.
كما أكد العزم على “ملاحقة مجرمي الحرب وطلبهم من الدول التي فرّوا إليها حتى ينالوا جزاءهم العادل”، وأنّ “دماء وحقوق القتلى والمعتقلين الأبرياء لن تُهدر أو تنسى”.