بعد عودة نسبة كبيرة من المهجرين في إدلب شمال غربي سوريا إلى منازلهم، في مختلف أنحاء البلاد؛ شهدت المدينة حالة من الركود الاقتصادي بالتزامن مع تراجع عدد السكان.
وافاد مراسل حلب اليوم بأن قسما كبيرا من المحال التجارية لا يزال مغلقا، رغم دخول عموم البلاد في حالة من الاستقرار وتوقف القصف على المدنيين.
وانعكس هذا الوضع على مختلف القطاعات الصناعية والتجارية في المدينة وبشكل خاص قطاع العقارات؛ حيث يعيش حالة من الركود وعدم اليقين، في انتظار ما سيكون عليه الوضع في قابل الأيام.
يأتي ذلك بعد تصاعد كبير في أسعار العقارات والإيجارات بالنسبة للمحال التجارية والمنازل، مما أثقل الكاهل النازحين دون اتخاذ أية حلول من قبل الجهات المعنية خلال السنوات الماضية.
ومع فراغ المدينة من نسبة كبيرة من سكانها دخلت الأسواق في حالة لم تشهدها منذ سنوات، حيث قلت عمليات البيع والشراء مع تراجع الازدحام السكاني؛ حتى إن شرطة المرور في المدينة أوقفت عمل إشارات المرور بسبب تراجع ازدحام السير.
شارك النازحون على مدى السنوات الماضية في نسبة كبيرة جدا من الأنشطة التجارية والصناعية والخدمية في المدينة، حيث افتتحوا المطاعم والمحال التجارية بمختلف قطاعاتها، رغم ارتفاع أسعار الايجارات والعقارات فضلا عن ارتفاع التكاليف وغلاء المعيشة.
يقول أبو أحمد وهو صاحب مكتب عقاري في مدينة إدلب إن سوق العقارات اليوم يشهد حالة من عدم اليقين، حيث لا تزال الأوضاع غير مستقرة، إلا أنه يتجه نحو الانخفاض بشكل واضح، في الأسعار والإيجارات على حد سواء.
ومع ازدياد الطلب على المنازل والمحال التجارية خلال الفترات الماضية، بالتزامن مع حالة الاستقرار والازدهار الذي شهدتها إدلب، ارتفعت الأسعار بشكل كبير، مما أثقل كاهل السكان المحليين والنازحين.
يقول أبو أحمد إن هذا الوضع الجديد ربما ينعكس سلبا على أصحاب العقارات، لكنه في المقابل ينعكس بشكل إيجابي على نسبة كبيرة من السكان المحليين من أهالي المدينة، ممن لا يملكون العقارات، فهم مضطرون للاستئجار حالهم حال النازحين، والأمر ينسحب أيضا على الريف وكافة مناطق الشمال الغربي.
وقال “محمد. ع” وهو من أهالي المدينة، إن البعض يظن أن الجميع استفاد إيجابا من ارتفاع الايجارات وزيادة الطلب على العقار في المدينة، لكن هذا غير صحيح، حيث يؤكد أنه بسبب عدم امتلاكه لمنزل أو محل تجاري فقد تضرر بشكل كبير جراء اضطراره لدفع مبالغ شهرية أرهقته ماديا، حيث يقول إن النزوح الكثيف إلى المدينة أثر عليه سلبا بعكس ما يتوقعه كثيرون.
لكنه اليوم يعرب عن أمله في أن يجد منزلا ومحلا مناسبا بسعر مناسب مع عودة الحياة تدريجيا إلى طبيعتها وعودة الكثافة السكانية إلى ما كانت عليه قبل النزوح، كما يعرب عن أمله في دخول البلاد عموما في حالة من التحسن الاقتصادي مع الأشهر والسنوات المقبلة.
وبغض النظر عن الحالات الفردية يقول الرجل الخمسيني إن عموم أهل المدينة؛ بل عموم البلاد من المتوقع أن تشهد تحسنا في الأوضاع الاقتصادية حيث إن انفتاحها على باقي المحافظات السورية سيتيح العودة الطبيعية للعمل كما أن عودة الأراضي الزراعية التي كانت محتلة في ريف إدلب الشرقي وكثير من أنحاء البلاد سيدعم توفر المواد الغذائية والخضروات والحبوب والفواكه وهو ما سيؤدي إلى تغير إيجابي في العموم.
وشكل تحرير مدينة حلب أيضا عاملا إضافيا مهما، حيث تُعرف بمدينتها الصناعية الكبيرة وتجارها البارزين ومعاملها ومصانعها، فهي الوجهة الأساسية التي اعتاد سكان المنطقة في الشمال الغربي التوجه إليها.
وكان عشرات آلاف النازحين المقيمين في المخيمات المحيطة بالمدينة يشكلون رافدا مهما جدا لاقتصادها، حيث كانوا يتوافدون إليها يوميا سواء إن كان للعمل أو لشراء موادهم واحتياجاتهم، وهو ما أنعش حركة سوقها ومدينتها الصناعية، ومختلف القطاعات فيها.
لا تزال تلك المخيمات قائمة حتى اليوم وتجري عمليات تفريغها بشكل تدريجي وفردي، حيث يقوم النازحون بالعودة إلى منازلهم وفق والمستطاع.
كما أن قسما كبيرا من المدن والقرى في ريف إدلب الشرقي وريف حلب وريف حماة الشمالي مدمرة بشكل كامل، ولا يستطيع سكانها العودة إليها وبالتالي فهم مضطرون للبقاء في الاماكن التي نزحوا إليها خلال السنوات الماضية.
ومن المتوقع أن تستغرق عملية العودة الكاملة عدة أشهر، حيث يشكل ذلك تحديا كبيرا أمام هؤلاء النازحين، فمع بقائهم خارج أراضيهم وأملاكهم لسنوات؛ استُنزفت معظم مواردهم المادية، وعليهم الآن إعادة إعمار منازلهم التي هدمت بشكل كامل في معظمها، وهذا ما يحتاج مبالغ كبيرة، معظم السكان غير قادرين على تأمينها.