سجل سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي والعملات الأجنبية تحسنا ملحوظا، خلال الأيام القليلة الماضية، بعد انهياره السريع، على وقع المعارك التي انتهت بسقوط الأسد.
وتبرز التحديات الاقتصادية من بين أهم الملفات الملقاة على عاتق الحكومة الانتقالية، حيث كلفت الإدارة العسكرية المهندس محمد البشير رئيس حكومة الإنقاذ السورية، التي كانت تدير إدلب منذ سنوات، بتشكيل حكومة سورية جديدة لإدارة هذه المرحلة.
وقالت الإدارة السياسية في دمشق، إن تحرير سوريا يمثل بداية مرحلة جديدة من الإصلاح الاقتصادي، متعهدة بأن تكون أولوياتها تطوير القطاعات الحيوية مع خلق فرص عمل وتشجيع الاستثمارات الوطنية والدولية.
وحول مدى إمكانية النهوض بالاقتصاد المحلي في وقت قريب، قال الخبير الاقتصادي السوري أدهم قضيماتي، لحلب اليوم، إن ذلك “يستغرق وقتا، فالإدارة الجديدة بدأت تتخذ خطوات وشرعت بإجراء الدراسات والمخططات المتعلقة بالتعافي المبكر، وهذا هو الأهم بالنسبة لنا خلال المرحلة القادمة ولكن هذا الأمر يحتاج لوقت إلا أنه ليس بالبعيد”.
وأوضح أن “حكومة الإنقاذ كانت قائمة وليست جديدة، فهي تملك الخبرة لإدارة البلاد، فقد كانت تدير مدينة وهي اليوم تنقل خبرتها لبقية المحافظات”.
ماذا يعني تحسن سعر الصرف؟
ارتفعت قيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية خلال الساعات الثمانية والأربعين الماضية، حيث زاد سعر الصرف أمام الدولار الأميركي ليصل إلى 15500 ليرة، صباح اليوم الأربعاء لكل دولار، بعد أن كانت الليرة السورية قد وصلت إلى مستويات 22000 ليرة لكل دولار، يوم الأحد الفائت في دمشق.
وأمس كانت قد سجلت الليرة سعر 16000 للدولار الأميركي الواحد، وهو ما كانت عليه قبل سقوط الأسد.
ويرى قضيماتي أنه من الطبيعي أن يبقى سعر الصرف في حالة عدم استقرار وتذبذب، “ففي أي بلد تتعرض لنصف ما تعرضت له سوريا.. يمكن أن نشهد فيه انهيارات أكبر لعملته المحلية”.
واستبعد حصول تحسن ملحوظ أو فرق كبير خلال الأيام القليلة القادمة، مرجحا بقاء الوضع على ماهو عليه ضمن فترة تمتد من 3 حتى 6 شهور، لأن “الأهم هو إعادة ترتيب البيت الداخلي المتعلق بالأمن وأن لا ينتشر السلاح في المجتمع، فقد شهدنا بعض الحلات المقلقة ولكن تبقى ضمن الوضع الطبيعي، وفي النهاية كل التجاوزات الفردية نابعة من المجتمع ذاته وهذه النقطة مهمة جدا لأنه لا مشاركة للأجانب لا في النصر ولا في التجاوزات التي حصلت”.
أما عن النهوض بالوضع الاقتصادي؛ قال الخبير السوري: “نستطيع القول إنهم – على الصعيد المدني – بدأوا بالتنفيذ وليس بالتخطيط فقط، فبعد التواصل مع بعض الجهات التي كانت أصلا موجودة في حلب والدوائر الحكومية والموظفين تم إعطاؤهم بعض المهام مثل تشغيل الأفران على سبيل المثال، وتزويدها بالوقود”.
واعتبر أن هذه الخطوات العملية لا تقف عند التخطيط، و”لكن هذا كله يمثل حلقات صغيرة هي الأساس لبناء الحلقة الكبيرة التي تضم عجلة الإنتاج القوي، وكل القطاعات الاقتصادية”.
وكانت إدلب قد شهدت نوعا من الازدهار خلال فترة إدارة حكومة الإنقاذ، لكن ذلك كان محصورا بفئات معينة قليلة، حيث يؤكد مراسلنا وجود حالة غير مسبوقة من التفاوت الطبقي.
ويضيف المراسل أنه رغم انتشار المولات والمطاعم والأبنية الحديثة، لكن فرص العمل بقيت نادرة، والأجور زهيدة، في مقابل ارتفاع كبير في تكاليف المعيشة، جعلت أكثر من 90 في المائة من السكان تحت خط الفقر.
تركيا تتعهد بالمساعدة
فور سقوط الأسد، وإعلان الإدارة العسكرية عزمها تحقيق انتقال للسلطة وتغيير الحكومة بشكل سلس، أعلنت تركيا استعدادها لدعم الحكومة الجديدة اقتصاديا، كما أرسلت عدة دول رسائل إيجابية بشأن التغير الحاصل.
وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدا، إن بلاده تنتظر من اللاعبين الدوليين والأمم المتحدة دعم الشعب السوري في تشكيل إدارة شاملة، وإن “السلام الدائم في سوريا يتحقق عبر تسوية وطنية بين الأطراف السورية”.
كما أعرب عن أمله في أن “تكون سوريا بلدا تحكمه إدارة تشمل كل الأطراف والأعراق ولها علاقة جيدة مع جيرانها”، متعهدا بالعمل على “توفير ظروف العودة الآمنة للاجئين السوريين من تركيا إلى بلدهم”.
كما أكد وزير الخارجية التركي، أن أنقرة “ستواصل عملها المتعلق بإعادة إعمار سوريا من جديد”، فيما قال الرئيس رجب طيب أردوغان، إنها “ستقف إلى جانب سوريا حتى تصبح على أرضية صلبة”، و”سنبذل كل ما يمكنها من أجل إعادة إعمارها”.
وحول تلك التصريحات؛ قال قضيماتي: “نحن متفائلون بذلك، وكل أطياف الشعب السوري أيضا، خاصة مع وجود قرار قطعي بعدم التعرض لأي شخص والابتعاد عن الطائفية، حيث كان الضغط التركي كبيرا لتحقيق هذا الموضوع وهو ما يُحسب لتركيا، وبالتالي فإن الأقليات بشكل عام وكل الأطياف في سوريا تتقبل هذه المساعدة بدون أي إملاءات ودون ترجيح طرف على حساب طرف آخر”.
أما “بالنسبة لباقي الدول فيجب أن يكون التركيز من قبل الأشخاص الفاعلين على الأرض باتجاه قبول المساعدة على التعافي، والقيام بالاستثمارات دون أن تكون هناك في المقابل إملاءات سياسية أو أن تكون على حساب أطراف معينة”، وفقا للخبير الاقتصادي السوري.
وكانت سوريا قد حلت في المرتبة الأخيرة عربياً في قائمة البلدان العربية ضمن مؤشر “جودة البنية التحتية من أجل التنمية المستدامة”، الصادر منذ نحو أسبوعين عن منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية “اليونيدو”، حيث حصلت على 6.8 نقاط من أصل 100 نقطة، لتحتل المرتبة 153 في قائمة ضمت 155 دولة حول العالم.