ما إن اقتربت قوات الفصائل من مدينة حلب، متقدمةً بشكل سريع في ريفها الغربي، حتى فتحت محورا جديدا قرب مدينة سراقب في ريف إدلب الشرقي، وسط انهيار واضح في صفوف القوات والميليشيات المسيطرة على المنطقة.
ولاحظ متابعون ضعف أو انعدام مشاركة الطيران الروسي، في صد تقدم الفصائل، فيما أخرجت قوات الأسد طائراتها بعد غيابها لسنوات، إلا أن ذلك كان بلا جدوى.
وفيما يتساءل جنود الأسد وموالوه حول أسباب ذلك، ويتهمون “الحليف الروسي” ببيعهم، تتزايد الأسئلة حول أسباب هذه الهشاشة الكبيرة في المقاومة على الأرض.
وصف الدكتور محمود حمزة، المحلل والخبير بالشأن الروسي، في إفادته لحلب اليوم، الأمر بأنه مفاجئ، لكنه لم يستبعد وجود مسعى تركي غير معلن لضمان تحييد الروس عن المشاركة، ربما يكون بضوء أخضر أمريكي.
من جانبه قال حسام سلامة القيادي في حركة أحرار الشام الإسلامية، لحلب اليوم، إن الأمر ملفت للنظر بالفعل، ولكن لا توجد معطيات لتفسيره بشكل دقيق.
أما المحلل السياسي الروسي ديمتري بريجع، فقد رجّح أن تكون “إحدى الدول” قد أمنت الضوء الأخضر لعدم إحباط العملية الجارية ضد قوات الأسد، مضيفا: “هذا ربما سبب ما يحدث الآن، خصوصا لو ربطناه بوقف إطلاق النار في لبنان، حيث يبدو أن المنطقة ذاهبة نحو التغيير”.
وكانت بعض المصادر التابعة لفصائل المعارضة قد تحدثت منذ أشهر عن ضمانة غربية لتحييد الطيران الروسي عن معركة حلب، لكن إدارة العمليات العسكرية أكدت أمس، أن “المعركة قامت بسواعد أبنائها من دون دعم دولي”.
وربط بعض المتابعين الأتراك بين فشل جهود التطبيع وبين المعركة، معتبرين أن أنقرة وجهت صفعة للأسد، عبر دعمها غير المباشر لما يجري بالمنطقة.
وقال الدكتور حمزة إن التزام الصمت من قبل الروس، ربما يدل على “صفقة مع تركيا قد تكون لقطع الطريق على التحرك الإسرائيلي، فليس من مصلحة روسيا أن يحدث أي اهتزاز في وضع قوات الأسد”، وربما تكون هناك “صفقة أخرى لم تعلن متعلقة بقسد عدو تركيا اللدود الذي يهدد أمنها القومي”.
ولم يستبعد أن تكون روسيا قد بادرت لتقاسم النفوذ مع تركيا خشية من تعزيز موقفها في سوريا بعد الانسحاب الأمريكي، حيث يعتزم ترمب سحب القوات الأمريكية، فيما أبدت تركيا حماستها لذلك.
وأضاف أن الروس لا يستطيعون أن يدخلوا في مجابهة مع تركيا، خصوصا إذا تمكنت الأخيرة من ترتيب الملفات مع واشنطن، فموسكو وأنقرة لديهما مصالح كبرى مشتركة، وتعاون واسع في مجالات عديدة.
وأكد أن روسيا تبحث الآن عن معادلات في منطقة الشرق الأوسط حتى يكون لها دور، لأن الأمريكيين أو الإسرائيليين يريدون أن يكون هناك دور لروسيا ولكن ضمن الأجندة التي يحددونها.
أما المحلل الروسي بريجع، فقد اعتبر أن “روسيا لا تريد الانخراط في هذه المعركة، وإنما تريد أن ترى كيف ستستطيع قوات الأسد الدفاع عن هذه المناطق، فهناك دائما اتفاقات بين الدول حول عدة ملفات سياسية، وموسكو لديها مثلا تفاهمات مع إسرائيل حيال سوريا بما يخص استهداف الميليشيات الإيرانية في سوريا، والسياسة الروسية دائما ما تكون بمثابة ردة فعل على السياسة الغربية وهو ما يحدث في الملف السوري”.
واعتبر أن “السياسة الروسية الحالية في سوريا هي الاحتفاظ بالقواعد العسكرية في الساحل السوري، وأن تستمر سيطرتها على الموانئ لأن هناك اتفاقية أبرمت مع موانئ شبه جزيرة القرم وهذا الشيء يساعد في تقوية الدور الروسي”.
ولفت إلى أن “روسيا – عبر قواعدها في سوريا – لها دور مهم واستراتيجي في “تأمين المنطقة” لذلك تريد أن يبقى هذا الدور”، مرجحا أن “تشهد السياسة القادمة في منطقة الشرق الأوسط حالة تغيير شامل في سياسات هذه المنطقة وجغرافيتها، حيث أن الرئيس المنتخب دونالد ترمب يعمل على سياسة الشرق الأوسط الجديد وإنجاز تحالف اقتصادي عسكري شرق أوسطي”.
ووفقا لبريجع فإن “التغيير سوف يبدأ في سوريا لأن الولايات المتحدة الأمريكية وبعض شركاءها يريدون أن تكون المنطقة آمنة بشكل كامل لمنع تكرار أحداث السابع من أكتوبر، وهذا الشيء في صلب السياسات الأمريكية القادمة”.
وكان المحلل الإستراتيجي والعسكري العقيد إسماعيل أيوب، قد أكد لحلب اليوم، أن الطيران الحربي التابع لسلطة الأسد قديم ومتهالك وغير آمن، كما أن عدد الطائرات بات قليلا جدا، لذا فإن قوات الأسد تعتمد بشكل أساسي على القصف البري.
وفيما تواصل الفصائل تقدمها السريع غربي حلب، فقد باتت قواتها – حتى لحظة تحرير الخبر – قريبة من إكمال الطوق حول مدينة سراقب الإستراتيجية، وذلك بعد ساعات قليلة من إطلاق الهجوم.