تتحدث وسائل الإعلام الأمريكية عن عزم إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، العودة إلى رفع الضغوط المفروضة على إيران، بهدف تسوية الملفات الأساسية العالقة بينها وبين الغرب، بعد سنوات من تمددها في المنطقة.
وقالت صحيفة “فاينانشيال تايمز”، في تقرير نشرته مؤخرا إن ترمب سيستخدم سياسة “الضغوط القصوى” لكبح قدرة إيران على تمويل ميليشياتها في كل من سوريا والعراق واليمن ولبنان، إلى جانب حل ملفها النووي.
يأتي ذلك بينما تسعى الإدارة الأمريكية الحالية لفرض تسوية جديدة في لبنان، تشمل الساحة السورية، وربما العراقية، عبر نزع سلاح حزب الله، وقطع طرق إمداده بالأسلحة.
وفي تعليقه على ذلك، قال مصطفى النعيمي المحلل السياسي المختص بالملف الإيراني، لموقع حلب اليوم، إن سياسة الضغوط القصوى تلك، كانت معلقة ربما لأسباب سياسية بالدرجة الأولى، إضافة إلى أسباب تتعلق بالمناخ الدولي بشكل عام.
وكان ترمب قد ألغى الاتفاق النووي الذي تم توقيعه مع طهران في عهد سلفه باراك أوباما، وشدد العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، ودفع باتجاه تصفية قاسم سليماني قائد فيلق القدس بالحرس الثوري في العراق، وتبنى خطابا تصعيديا حادّا.
ويقول سياسيون أمريكيون إنه يسعى اليوم لمنعها نهائيا من تطوير الأسلحة النووية، وإجبارها على توقيع اتفاق نووي جديد وتغيير سياساتها الإقليمية.
وحول الأدوات لتحقيق ذلك، قالت الصحيفة إن ترمب سوف يسعى إلى تشديد العقوبات على طهران، منها عقوبات متعلقة بصادرات النفط، فضلا عن صياغة أوامر تنفيذية ضد طهران قد تصدر في يومه الأول في البيت الأبيض، ونقلت عن خبير بالأمن القومي قوله: “إنه (ترمب) عازم على إعادة استخدام سياسة الضغوط القصوى لتقليص قدرة إيران المالية في أسرع وقت ممكن”.
ويرى النعيمي أن “المرحلة القادمة ستكون أشد وطأة على إيران لأنها تماطل في العديد من الملفات، ومنها الملفات التفاوضية عبر استثمار جهود الميليشيات الموالية لها في اشتباكها الدولي في المناطق المختلفة كاليمن وسوريا ولبنان والعراق”.
وبناء على ذلك فإن “المرحلة القادمة ستشهد توجيه ضربات أشد من تلك التي وجهت عبر تشكيل جوي لمائة طائرة ما بين مقاتلة قاذفة ومقاتلة هجومية وطائرات تزود بالوقود وطائرات مسيرة، إلى أهداف داخل العمق الإيراني”، وذلك خلال الهجوم الإسرائيلي الانتقامي.
وكانت الغارات الإسرائيلية قد استهدفت إحدى المنشآت النووية التي تستخدمها إيران لتطوير برنامجها النووي، وأدت تلك الضربات إلى إخراج المفاعل النووي عن الخدمة، و”بالرغم من إعلان طهران أنها لم تتأثر بتلك الضربة إلا أنها كانت قاسية، بحسب تصريح المرشد في حينها”، وفقا للنعيمي.
ورجّح المحلل السياسي السوري أن تنتقل الضربات الإسرائيلية إلى مستويات متقدمة، تتجاوز البرنامج الصاروخي، كما حصل في السابق من استهداف البرنامج الفرط صوتي وصولا لاستهداف المسيرات، ومنه إلى المنشآت الحيوية ثم المفاعلات النووية.
أما بخصوص الضربات على المفاعلات فيرجح أنها سوف تكون على مستويين؛ “المستوى الأول يعتمد على الحرب السيبرانية، التي لم تنقطع منذ إعلان اغتيال محسن فخري زادة الخبير النووي الإيراني، وليس انتهاء بتوجيه الضربات عبر المسيرات للكثير من الأهداف في محيط المنشآت والمفاعلات النووية المنتشرة على كامل الجغرافيا الإيرانية، وهذا يتطلب جهودا دولية”.
كما يرجّح أن تحاول إسرائيل “بناء تلك الجهود من خلال استثمار التموضع البحري الأمريكي والغربي في مياه البحر الأبيض المتوسط، وكذلك البحر الأحمر، وصولا إلى بحر العرب، ومنه باتجاه الخليج العربي، بحيث تصبح إيران محاصرة بالأساطيل الغربية، ولا يعود في مقدرتها مواجهة هكذا تحالفات بحرية بمستويات عليا”.
ويلفت الخبير بالشأن الإيراني إلى أن تحالف القوى الذي يشير إليه، يضم طائرات مقاتلة بمستويات تصل إلى الجيل الخامس كطائرة إف 22 وإف 35 وصولا إلى القاذفات الإستراتيجية الإثني عشر التي وصلت إلى منطقة الشرق الأوسط، لدعم الأساطيل الأمريكية فيما لو كان هنالك ضرورة، لذا فإن “المسرح العملياتي الدولي يستعد لتوجيه ضربات وهو على أعلى مستوى من الجهوزية”.
كما يشير إلى “رسائل الردع المباشرة إلى إيران عبر استخدام قاذفات إستراتيجية من طراز بي 52 إتش وذلك من خلال تنفيذها لدوريات جوية مذخرة في محيط المياه الإقليمية الإيرانية كرسالة مفادها أننا حاضرون ونستطيع تغيير المشهد بشكل كامل فيما لو أقدمت طهران على تجاوز الخطوط الحمراء الوظيفية لها في المنطقة بشكل عام”.
ويتوقع سياسيون أمريكيون أن تكون الضغوط على إيران “حافزاً كي يوافقوا على إجراء مفاوضات قد تؤدي إلى استقرار العلاقات وحتى تطبيعها”، لكن “فاينانشال تايمز” تنقل عن خبير بالأمن القومي قوله: “أعتقد أن شروط ترمب قد تكون أصعب من أن تقبلها إيران”.
وبدت طهران متمسكة ببقاء ميليشياتها في سوريا، حيث أكدت عقب زيارات مسؤولين رفيعين إلى دمشق، أنها أبلغت الأسد بأن سوريا مهمة بالنسبة لطهران كجزء مما تسميه “محور المقاومة”، في ردّها على اقتراحات أمريكية وإسرائيلية للتسوية.
لكن الحديث اليوم يدور حول حلحلة ملفات شاملة، مع الإدارة الأمريكية الجديدة، والتي تقول إنها ستغير معظم سياسات الإدارة السابقة، بما في ذلك الملف النووي.
يقول النعيمي إن زيادة الضغط على إيران ستكون ردا على رفضها دخول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتدمير كاميرات المراقبة وأجهزة التسجيل المصوّر للمفاعلات النووية، كذلك ظهور بعض الإشعاعات النووية داخل بعض المفاعلات، ما قد يشير إلى نسب تخصيب يورانيوم تصل إلى أكثر من 60% حسب التصريحات الرسمية للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وتطلب ذلك اتخاذ إجراءات حاسمة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكن إيران رفضت دخول مفتشي الوكالة، وبناء عليه انسحبت الولايات المتحدة من تلك التفاهمات ودخلت دول الاتحاد الأوروبي في المسار التفاوضي للملف النووي، لكنها لم تحقق أي شيء حتى هذه اللحظة، وفقا للنعيمي.
ومؤخرا عاد رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية لزيارة طهران، “بناء على زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى نيويورك والتصريحات التي كانت في حينها إيجابية بالنسبة للمنظومة الدولية”، لذا فإن الخبير بالشأن الإيراني يرجح أن الزيارة “تأتي استكمالا للمقترحات المقدمة من قبل الوفد الإيراني إلى نيويورك.. لكن السؤال: هل ستلتزم إيران بتلك المعايير في ظل وجود إرادة للوصول إلى تخصيب يورانيوم بمستويات أكثر من البرامج المستخدمة في الشؤون المدنية؟”.
ونوّه بأن طهران “تطمح لأن يكون لديها مشروع نووي رادع، وأن تفرض نفسها على أنها قوة دولية لا يمكن تجاوزها”، وهو ما ترفض الولايات المتحدة وإسرائيل حدوثه.
يذكر أن ترمب يتحدث عن نيته سحب المزيد من القوات الأمريكية من سوريا، وهو ما ترحب به تركيا التي أعلنت استعدادها لملء الفراغ المحتمل، فيما تقف إيران موقف المراقب.