تتوالى التقارير والتحليلات السياسية حول وضع بشار الأسد في مشروع التسوية الذي تسعى الولايات المتحدة وإسرائيل لفرضه على إيران وميليشياتها، وفي مقدمتهم حزب الله، حيث يتم التركيز حاليا على قطع طرق الإمداد عبر سوريا.
ومع تأكيد أكثر من مسؤول إسرائيلي على عدم قبول تل أبيب ببقاء سوريا معبرا لأسلحة حزب الله، تتحدث تقارير عن ضغوط يتعرض لها الأسد بين كل من إيران وإسرائيل، حيث لكل طرف شروطه وإملاءاته عليه لقاء استمراره في السلطة.
ونقلت صحيفة “الجمهورية” اللبنانية عن مصادرها أن هناك اقتراحا إسرائيليا برفع العقوبات عن سلطة الأسد، إن ساهم في إقفال الحدود اللبنانية ـ السورية نهائياً أمام قوافل الأسلحة العائدة لحزب الله من مختلف مصادرها، وذلك عقب تهديد مسؤولين إسرائيليين له بالاجتياح العسكري بسبب ارتباطه بالميليشيات.
يأتي ذلك، بعد زيارتين متتاليتين لمسؤولين إيرانيين رفيعي المستوى لدمشق، أكدا خلالها تمسك إيران ببقاء سوريا ضمن ما يسمى “محور المقاومة”، حيث تلقت السلطة “رسالة” غير معروفة المحتوى من المرشد الأعلى في طهران.
وحول ما إذا كان الأسد قادرا على الانفكاك من المحور الإيراني، أو قطع الطريق على حزب الله، قال حسام نجار الصحفي والمحلل السياسي السوري المختص بالشأن الدولي، لحلب اليوم، إنه في حالة “عجز واضح” أمام طهران، مرجحا أن علي لاريجاني كبير مستشاري المرشد الأعلى خامنئي، حمل تهديدات أبلغها للأسد أثناء زيارته إلى سوريا ولبنان، منذ أيام، وأن الأخير “أخذ كلام لاريجاني على محمل الجد، الأمر الذي دعاه للحيطة والحذر”.
وسلّمت سفيرة الولايات المتحدة في بيروت ليزا جونسون، ورقة تتضمن الحل والتسوية في لبنان إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري الخميس الماضي، فيما ذكرت تقارير عبرية أن هناك مسعىً إسرائيليا لإشراك موسكو إلى جانب القوى الدولية الأخرى، من أجل فرض الحل في لبنان، عبر الضغط باتجاه وقف إمدادات حزب الله.
وفي موازاة ذلك، قال لاريجاني إنه سلّم بري أيضا رسالة من خامنئي، في زيارته الخاطفة، التي تعرض فيها لمحاولة تصفية عبر غارات إسرائيلية قرب دمشق، وتلتها زيارة أخرى لوزير دفاع إيران.
من جانبه يرى مصطفى النعيمي المحلل السياسي المختص بالملف الإيراني، في إفادته لموقع حلب اليوم، أن سلطة الأسد “أعجز من أن تستطيع منع وصول القادة السياسيين أو العسكريين الإيرانيين وباقي المحور إلى سوريا، فبالتالي زيارات مسؤولي طهران ومكوناتها الولائية تأتي بصيغة الأمر وليس بصيغة التفاهم”.
يتلقى الأسد في المقابل “أوامر إسرائيلية” على ما يبدو، حيث تحدثت مصادر الجمهورية، عنّ أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، عرض طرحاً جديداً على موسكو ينطلق من دورها الفاعل في سوريا، عبر العمل مع الأسد لضبط الحدود اللبنانية ـ السورية ومنع انتقال الأسلحة المخزّنة فيها إلى لبنان.
وتسعى تل أبيب، وفقا لتلك المصادر، لإقفال “الأوتوستراد الإيراني” المفتوح بين طهران والضاحية الجنوبية عبر بغداد ودمشق، مقابل السعي لدى الإدارة الأميركية الجديدة لتجميد العقوبات المفروضة على السلطة في مهلة تتساوى مع قدرتها على ترجمة ما هو مطروح عليها من خطوات يمكن أن تتخذها.
لكن سلطة الأسد هي أحد الأذرع الولائية التابعة لولاية الفقيه بشكل مباشر، وفقا للنعيمي، وبالتالي فالإيرانيون “يوجهون الشخصيات السياسية والعسكرية بمهام، والسلطة هي أحد الأدوات التنفيذية التي يعتمد عليها المشروع الإيراني التوسعي في المنطقة العربية عموما وفي سوريا بشكل خاص، وهنا تبرز أهمية وجود الأسد في النقطة الجغرافية الواصلة ما بين كل من سوريا والبحر الأبيض المتوسط مرورا بلبنان وأيضا ليس بعيدا عن العراق حيث طبيعة الطرق الدولية الرابطة ما بين كل من العراق وسوريا ولبنان تعتبر أحد أهم الركائز التي تعتمد عليها في تمرير المقاتلين والأسلحة”.
وتتحدث الصحيفة اللبنانية، عن مجموعة من الإجراءات الجديدة التي باشر بها الأسد في مناطق سيطرته، “للحدّ من حركة عناصر حزب الله، ومنع أي حراك شعبي أو سياسي أو حزبي يتناول ردّات الفعل لما انتهى إليه العدوان الإسرائيلي على لبنان وخصوصاً اغتيال حسن نصرالله”.
ومن ضمن ذلك “ضبط حركة النازحين اللبنانيين إلى سوريا، الذين تدفقوا بالآلاف قبل إقفال معبر المصنع الحدودي وبعده عبر المعابر غير الشرعية المتبقية، وتسهيل انتقال عائلات المسؤولين والمقاتلين في حزب الله إلى الأراضي العراقية، بإجراءات غير مسبوقة ألقت العبء على الحكومة العراقية بدلاً من أن تتحمّل سلطة الأسد مسؤولية ملاحقتهم على أراضيها، بعدما تعدّدت الضربات الإسرائيلية التي استهدفت مواقع للحزب في جوار مقام السيدة زينب ومنطقتي كفرسوسة والمزة ومناطق مختلفة من محيط العاصمة، قبل أن تطال أخيراً إلى جانب المستشارين الإيرانيين وفصائل أخرى تدور في فلك الحرس الثوري الإيراني مواقع لمنظمات فلسطينية ترجمتها الغارة على مكاتب حركة “الجهاد الإسلامي” في دمشق”.
بدوره يرى نجار أنه من الممكن حدوث ما يتم طلبه من الأسد، حيث أن “الاتفاق الذي عقد بينه وبين العرب وأمريكا وإسرائيل بتولي الأخيرة القضاء على الوُجود العسكري الإيراني داخل سوريا وتولي الخليج وخاصة السعودية الديون الاقتصادية لإيران على سلطة الأسد شجعه قليلاً ليستكمل إبعاد طهران قدر الإمكان بشرياً وديمغرافياً”، على حد وصفه.
وأضاف المحلل السياسي السوري، أن الأسد قال في القمة العربية، التي جرت خلال العام الماضي، إنه “من الممكن أن ينتقل من حضن لحضن و ها هو ينفذ كلامه”.
وبالعودة للمصادر اللبنانية، فقد طرحت إسرائيل على القيادة الروسية خطة تطالبها بالضغط على سلطة الأسد لإقفال المعابر التي تنقل الأسلحة إلى “حزب الله” من مخازنه في سوريا أو تلك التي كانت في طريقها من طهران عبر الحدود السورية ـ العراقية، واستهدفت بعضاً منها في الأسابيع الأخيرة التي رافقت الهجوم على لبنان منذ 17 أيلول الماضي غداة تفجيرات أجهزة النداء “البايجر” والـ “ووكي توكي”، قبل المضي في برنامج الاغتيالات.
يشار إلى أن الغارات الإسرائيلية ركزت خلال الفترة الأخيرة على الحدود السورية – اللبنانية، وعلى الطرق والجسور في منطقة القصير، وعلى مخازن أسلحة حزب الله في ريف إدلب وحلب وحمص ودمشق.