تنتشر ظاهرة الوفيات المبكرة بشكل لافت في أوساط السكان بمناطق سيطرة الأسد، حيث يعاني عدد متزايد من الشباب أمراضا كانت تعتبر مرتبطة بالتقدم بالسن، أبرزها الجلطات.
ونتيجة ارتفاع معدلات الفقر، والبطالة، وارتفاع الأسعار، زاد الإقبال على العيادات النفسية، كما زاد الطلب على الأدوية المهدئة بسبب انتشار القلق والاكتئاب، وفقا لما تؤكده مصادر محلية متقاطعة.
ومن النتائج السلبية لذلك، ارتفاع نسب الإصابة بالأمراض البدنية، وذلك بحسب ما يؤكده العديد من الأطباء السوريين، حيث تزيد أمراض القلب والشرايين، وداء السكري، والقولون العصبي، وغير ذلك.
وقال الطبيب “عز الدين. ع” من محافظة حماة، لموقع حلب اليوم، إن انتشار حالات الوفيات المبكرة بات لافتا في منطقته، مؤكدا أن كافة مناطق سيطرة سلطة الأسد تعاني نفس الحالة، والتي تتفاقم منذ سنوات عديدة.
وأضاف أنه يرجح أن كل أجزاء البلاد الخارجة عن سيطرة السلطة، تعاني أيضا أوضاعا مشابهة، ولكن ليس لديه اطلاع كاف على التفاصيل.
وأوضح أن الأبحاث والدراسات تؤكد بما لا يدع مجالا للشك؛ وجود ارتباط مباشر بين الأمراض العضوية والضغوط النفسية، كما أن هناك دراسة أكاديمية موثوقة تشير إلى أن 85 بالمائة من الأمراض الجسدية ذات منشأ نفسي، بما في ذلك الأورام والسرطانات، إلا أن الحالات المرتبطة بالقلب والشرايين هي الأكثر انتشارا.
يعاني الشباب السوري على نحو خاص ظروفا قاسية، من بين كافة فئات المجتمع، بسبب حجم المسؤوليات الملقاة على عاتقه، مع قلة ذات اليد، وذلك في دول اللجوء وفي الشمال الشرقي و الغربي من البلاد، لكن الضغوط في مناطق سيطرة الأسد هي الأعلى.
وأضاف الطبيب السوري، أن الإقبال يزداد على العيادات العصبية والنفسية، لكن النظرة الاجتماعية السلبية بالإضافة للتكاليف المرتفعة، تمنعان الكثيرين من المراجعة، ليفضلوا تحمل الضغوط، وهو ما يتحول مع الزمن إلى اضطرابات فيزيولوجية.
من جانبها قالت الباحثة الاجتماعية، وضحة العثمان، لحلب اليوم، إن الحالة الاجتماعية والاقتصادية تؤدي إلى زيادة حالات الاكتئاب والتوتر النفسي، حيث أن “حجم الضغوطات التي نعيش فيها نحن كسوريين غير طبيعية وغير عادية، وتحتاج إلى قدرة نفسية جبارة لمواجهتها”.
وتشير إلى دور سلبي نوعا ما للتربية الأولية التي اعتادت عليها مجتمعاتنا، حيث أن الأسر في المرحلة الأولى من العمر تقوم بحل مشاكل أبنائها، وهو ما ينعكس سلبا عليهم عندما يواجهون معترك الحياة وحدهم ويجدون أنفسهم عاجزين عن تحمل الضغوط.
يقول الطبيب عز الدين، إنه لا يملك سوى أن ينصح المريض بتجنب الضغط النفسي، رغم علمه باستحالة ذلك، متسائلا ماذا يمكن أن يقول للشاب الثلاثيني الذي لا يجد قوت يومه وقوت أسرته ويشعر بالضياع والفشل، فيما تتبخر أحلامه المتعلقة بالمستقبل شيئا فشيئا، ويبدو الزواج أمرا محالا، فضلا عن الخوف المستمر من الاعتقال والتوتر الذي يعيشه كل يوم مع مروره على الحواجز العسكرية والخشية من الاعتقال أو السحب إلى قطعات الجيش.
وبحسب العثمان فإن المجتمع الذي يضم أشخاص غير طبيعيين وغير أصحاء نفسيا يعاني انتشار حالات سيئة مثل الجريمة والعنف، كما يسبب غياب التعافي الاجتماعي مشاكل جمة، فهو أمر مهم جدا لبناء العلاقات بين الأشخاص، وبناء مجتمع سليم.
ويرتبط الأمر – بحسب الباحثة – بحالة الطفل الذي كبر وتربى في بيئة مليئة بالضغوط والتي ربما يكون فيها الاكتئاب عاديا عند الأب والأم، وبالتالي فمن الأكيد أن يكون الشخص غير سوي، فيما يتحول الفرد المصاب بالاكتئاب إلى شخص “غير قادر على مواجهة المجتمع بشكل صحيح، أو على أن يكون مؤثرا فيه، بل هو شخص يحتاج إلى رعاية المجتمع”.
بدوره أشار الطبيب عز الدين إلى سبب آخر لانتشار الأمراض، هو التلوث البيئي، الذي يجري إهماله رغم خطورته، إذ تؤكد تحليلات ودراسات وزارة الزراعة التابعة للسلطة وجود نسب كبيرة من المعادن السامة والثقيلة في المزروعات، جراء الري بمياه ملوثة، ورغم ذلك تباع في السوق دون اتخاذ أية إجراءات.
وأكد أن ارتفاع نسب تلك المعادن مثل الكادميوم والرصاص أمر ملحوظ منذ زمن بعيد في الخضروات على وجه الخصوص، وبنسب أعلى بكثير من الحد الأدنى المسموح به، كما أن بعضها محظور وجوده تماما، وهي تعمل كالسم داخل الجسم، وتضر بمختلف أجهزته وأنسجته.
وهناك أمر آخر مهم جدا يلفت إليه، وهو غياب الرقابة الصحية على المواد المنتجة داخليا، أو تلك التي يتم استيرادها من قبل شخصيات مرتبطة بالسلطة، فضلا عن المواد التي تدخل عبر “التهريب” وهي كثيرة.
وبيّن أن الرقابة مهمة وأساسية لكل المواد، حتى الدخان، حيث من المفترض أن يُمنع المهرب من التداول في السوق لاحتوائه على عدد غير معروف من السموم والمواد مجهولة المصدر، والتي تزيد الأمر سوءا زيادة على القطران والنيكوتين، ومن المفترض أن يتم تحليل عينات من الدخان للتأكد من مكوناته قبل السماح ببيعه، إلا أن أغلب ما يباع في السوق خارج تماما عن الرقابة، ويستهلك الشباب على نحو خاص كثيرا منها.
وأكد الدكتور حسام خضر الاختصاصي بالأمراض القلبية والقثطرة والمدير العام لمركز جراحة القلب في مشفى تشرين الجامعي، في وقت سابق، أن من كانوا يصابون بالجلطات عادة هم من مختلف الأعمار، أما الآن فقد أصبحت تصيب فئة الشباب بعمر الثلاثين عاماً، مؤكدا أن “كل ذلك يرجع إلى أسباب نفسية، كما أن الوراثة أيضاً تلعب دوراً، والتدخين والنرجيلة ونوعية الحياة ونمط المعيشة، والبدانة تلعب دوراً مهماً وعدم الاهتمام بالغذاء”.
ومع ارتفاع أسعار المواد الغذائية، تراجعت قدرة السوريين على اختيار الغذاء الصحي، وهو ما يدفع الكثيرين إلى بدائل غير صحية بسبب الفقر.