كشفت تقارير إسرائيلية عن استعداد روسيا للمشاركة في الجهود المبذولة لوقف إمداد حزب الله بالأسلحة عبر الساحة السورية، من خلال ضمان تنفيذ بشار الأسد لذلك، ضمن خطة تسوية من أجل وقف الحرب الدائرة في المنطقة.
يأتي ذلك عقب توسع الغارات الإسرائيلية في الشمال السوري، حيث ضربت منذ أيام مستودعات أسلحة ومقرات لحزب الله وميليشيات أخرى إيرانية في سراقب بريف إدلب الشرقي، وهي المرة الأولى التي تستهدف فيها تلك المنطقة.
وتشن الطائرات الإسرائيلية غارات شبه يومية على سوريا، فيما تؤكد تل أبيب رفضها القاطع لبقاء البلد ممرا للأسلحة إلى حزب الله، وكان عدة مسؤولين إسرائيلين قد هددوا صراحة باستهداف الأسد وإسقاطه أو احتلال أراض سورية جديدة، ما لم يتم وضع حد لذلك.
ونقلت قناة “الحرة” الأمريكية عن مصادر إعلامية إسرائيلية، أن روسيا ستشارك في اتفاق للتسوية بين إسرائيل ولبنان، لكن دون تدخل فيما يحدث داخل لبنان.
وقال المحلل السياسي الروسي ديمتري بريجع، لموقع حلب اليوم، إن موسكو لا ترغب في التصعيد بسوريا، وتريد تحقيق الاستقرار بحيث تحفظ مصالحها، وهو ما يتطلب تفاهما مع كل من إسرائيل وإيران.
هل تتضرر العلاقات الروسية – الإيرانية؟
زار وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي، رون درمر، روسيا، الأسبوع الماضي، بغية التنسيق لوقف إطلاق النار، ومن المرتقب أن يجري اجتماعات في الولايات المتحدة، خلال زيارته الحالية، مع عدد من المسؤولين الأميركيين، بينهم الرئيس المنتخب، دونالد ترامب.
وقالت المصادر إن مهمة موسكو ستنصب بالدرجة الأولى على بشار الأسد لمنع تهريب الأسلحة الإيرانية إلى حزب الله المدرج على قوائم الإرهاب الأميركية.
وبحسب ما ذكره المحلل الإستراتيجي والعسكري العقيد إسماعيل أيوب، لحلب اليوم، فإن “حزب الله أنشأ خلال الفترة الماضية مستودعات أسلحة كبيرة، حيث كانت تصل من العراق إلى سوريا، وتوضع الأسلحة في هذه المستودعات لفترات زمنية طويلة أو قصيرة قبل أن يتم نقلها إلى جنوب لبنان في الأوقات التي تناسب النقل”.
وحول ما إذا كان الاتفاق بين الروس والإسرائيليين سيلحق الضرر بالعلاقات بين موسكو وطهران، قال بريجع إن “العلاقات الروسية – الإيرانية في أفضل حالاتها، والآن تم تفعيل نظام الدفع الإيراني داخل روسيا، وهذا يفتح المجال لكثير من التعاون بين البلدين، الذين سيوقعان الاتفاقية الاستراتيجية فيما بينهما خلال العام القادم وهو ما يزيد من التقارب بينهما”.
ومع ذلك – يضيف المحلل الروسي – “كانت هناك تفاهمات في عام 2018 وُقِّعَت بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو متعلقة بسوريا، من أجل عدم حدوث صدام مباشر، حيث إن القواعد الروسية تسمح للطيران الإسرائيلي باستهداف مناطق معينة في سوريا إذا ما هدّدت أمن إسرائيل، فالقواعد العسكرية الروسية تكون وفق هذه الخطة جزءا لا يتجزأ من “أمن المنطقة” “.
وكان المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر قد اجتمع الليلة الماضية، على خلفية التقدم في المفاوضات لتحقيق ترتيبات، حيث أفادت مصادر لهيئة البث الإسرائيلية، بأن تل أبيب وافقت على الخطة المطروحة قبل عشرة أيام.
وتزيد قوات الاحتلال من ضغوطها العسكرية على حزب الله، حيث وافق رئيس الأركان الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، على توسيع المناورات البرية في جنوب لبنان، ومن المنتظر أن يشارك في هذه المناورات آلاف الجنود من الجيش النظامي والاحتياط.
وأوضح بريجع أن روسيا “تساعد إسرائيل في بعض الملفات المتعلقة بأمنها”، معربا عن عدم قناعته بأنها تقف ضد إيران في المنطقة، ولكن “لديها مصالح تختلف عن مصالحها، فطهران تحرك الملف العقائدي أو الديني وروسيا تستعمل أدوات مختلفة هي أدوات عسكرية وتجارية ولديها مصالح هنا منذ زمن الاتحاد السوفياتي”.
ولفت إلى أن المصالح التجارية الروسية بالمنطقة زادت في السنوات القليلة الماضية، حيث كانت شركة فاغنر في السابق تعمل في القارة الأفريقية وفي سوريا لكنها اليوم تعمل على الملف التجاري وأيضا تدريب النخب العسكرية وتدريب القوات العسكرية في المنطقة وتبادل الخبرات العسكرية وتأمين مناجم الذهب وحقول النفط، ولكن “إذا هددت إيران وحزب الله الأمن الإسرائيلي فسوف تضغط روسيا على سلطة الأسد لكي لا يحدث هناك أي تصعيد روسيا لا تريده”.
كما أكد أن موسكو “لا ترغب في أن تكون سوريا جزءا من مساحة الاصطدام بين المصالح الإيرانية والمصالح الإسرائيلية، وتريد استقرار المنطقة والاحتفاظ بقواعدها حتى لا يلحق الضرر بخططها وخطط سلطة الأسد أيضا في حل المشاكل الاقتصادية”.
هل تتوقف الحرب؟
نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مسؤولين في وزارة الدفاع أن “الخطط الجديدة تهدف إلى تمكين الجيش الإسرائيلي من تعميق الإنجازات المحققة حتى الآن، والوصول إلى مناطق إضافية حيث ينشط حزب الله”.
لكن وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد يسرائيل كاتس، أعلن صباح اليوم الثلاثاء، عدم وجود خطة لوقف إطلاق النار، وقال في منشور على منصة X: “في لبنان لن يكون هناك وقف لإطلاق النار، سنواصل ضرب حزب الله بكل قوتنا”.
وقال في رده على التقارير التي تتحدث عن خطط لوقف الحرب إنه أكد مجدداً خلال اجتماع مع قادة الجيش، أن إسرائيل ستواصل هجماتها.
وكان رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو قد أقال الوزير السابق يوآف غالانت، مطلع الشهر الحالي، بسبب تحفظاته على الحرب الجارية، وعيّن كاتس بدلا منه، بسبب تأييده لاستمرار الحرب ورفضه الأصوات المطالبة بوقفها.
وأشار العقيد أيوب إلى أن نتنياهو قال في وقت سابق، إن تل أبيب أينما وجدت أهدافا لحزب الله فسوف تضربها، وهي تملك بالفعل الأدوات لذلك من أسلحة متطورة بعيدة المدى، وطيران متفوق على كافة جيوش المنطقة، وأنظمة استطلاع وتجسس وشبكة عملاء، وغير ذلك، مع دعم أمريكي غير محدود.
وبدأت إسرائيل تنفيذ مشروع بناء على طول الخط “ألفا” الذي يفصل مرتفعات الجولان المحتلة عن سوريا، بعد عدة تحركات قامت بها منذ أسابيع، رغم رفض الأمم المتحدة التي أكدت مرات عديدة أن القوات الإسرائيلية دخلت المنطقة منزوعة السلاح خلال أعمال البناء، مما يشكل انتهاكًا لقواعد وقف إطلاق النار المعمول بها في المنطقة.
ويهدف المشروع إلى تعبيد طريق على طول الحدود، ويأتي بعد استكمال الجيش الإسرائيلي مؤخرًا بناء طرق جديدة إضافة إلى منطقة عازلة على طول الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل، بحسب وكالة “أسوشيتد برس”.
ما الذي تريده روسيا في سوريا؟
أصرت موسكو منذ عام 2011 على تمسكها المطلق ببقاء الأسد في السلطة، حيث حرص الأخير على تحقيق مصالحها مقابل ضمان دعمه، الأمر الذي يفعله أيضا مع كافة الأطراف الفاعلة؛ إيران وإسرائيل والولايات المتحدة.
وبحسب المحلل الروسي فإن موسكو “تعمل في الأساس على عودة سلطة الأسد للجامعة العربية وتطبيع العلاقات بينه وبين تركيا وتقول إنها ترغب في العودة الطوعية للاجئين السوريين والعمل على تحقيق إصلاحات سياسية في سوريا وتطبيق القرارات الدولية”.
وأضاف أن الروس لا يرغبون في أن تكون سوريا منطقة توجَد فيها مجموعات مختلفة لا يمكن التحكم بها، حيث يفضلون الاستقرار.
كما أن “المشكلة الأخرى التي تواجه السياسة الروسية في سوريا هي منطقة الشمال السوري، مثل إدلب وغيرها من المناطق التي تهدد سلطة الأسد من جهة وتهدد القواعد العسكرية الروسية من جهة أخرى”، وهناك الميليشيات الإيرانية التي تمسك بالأرض إلى جانب قوات الأسد وتمنع تقدم الفصائل، بينما “تشترط إسرائيل أن لا تكون مناطق سيطرة الأسد منطلقا لعمليات تلك الميليشيات ضدها، مقابل عدم استهدافها، وهذا ما نراه الآن”.
الجدير بالذكر أن القيادة المركزية الأمريكية (سينتكوم)، أعلنت أمس الاثنين، أن طائراتها ضربت تسعة أهداف في موقعين للميليشيات الإيرانية في سوريا ردًا على عدة هجمات.