تشهد مناطق سيطرة الأسد موجات متتابعة من ارتفاعات الأسعار، طالت كافة المواد دون استثناء، خلال الأسابيع الأخيرة، وسط تفاقم في أزمة الوقود التي نتجت عنها أزمة نقل مستمرة في كافة المدن والبلدات.
وتبدو هذه الأزمة الحالية مختلفة عن الأزمات السابقة، التي كانت تُحل عادة بعد وصول توريدات من إيران، وشحنات أخرى من قسد، فيما يشكل “التهريب” من لبنان حلا بديلا.
لكن الحدود بين البلدين، باتت مراقبة عسكريا من قبل الطائرات الإسرائيلية التي تستهدفها على نحو واسع، منذ شن الحرب الأخيرة على حزب الله، والذي كان يشرف على طرق “التهريب” تلك بالتعاون مع الفرقة الرابعة والمخابرات الجوية.
يقول الخبير الاقتصادي السوري أدهم قضيماتي، لموقع حلب اليوم، إن سبب أزمة الوقود الرئيسي هو الحرب على حزب الله في جنوب لبنان، والتي من الممكن أن تمتد إلى كل مناطق البلد، لذا فإن الوضع هناك أثر بشكل كبير على أسعار المواد الغذائية وأيضا على تهريب المحروقات إلى سوريا.
وزادت أسعار الغاز المنزلي بشكل كبير، فيما تسميه سلطة الأسد، “السوق السوداء”، وهي السوق الأساسية التي يشتري منها السوريون محروقاتهم وموادهم، بعد تراجع المخصصات وطول زمن وصول الرسائل، وشطب مزيد من الفئات في قوائم “البطاقة الذكية”.
وتتحدث مصادر إعلامية موالية، عن نية السلطة إيقاف العمل بتلك البطاقات بشكل نهائي، والتحول إلى “البطاقة الوطنية”، وهو ما يرى فيه موالون إقرارا تاما بالفشل، مع تصاعد حالة السخط جراء الفقر والأزمات.
وحول ما إذا كان إلغاء الدعم، ناجما عن تغيير في السياسة الاقتصادية، كما يقول “خبراء” مولون للسلطة، قال قضيماتي إن ذلك غير صحيح بالمطلق.
وأكد أنه ناتج عن العجز والإفلاس الذي تعانيه سلطة الأسد، وليس تغييرا في السياسة الاقتصادية، مضيفا: “لولا الدعم الذي يصل من المهاجرين والمغتربين خارج سوريا إلى أهاليهم بالداخل لكانت زادت حالة العجز والفقر بشكل كبير، أما وجود الدعم أو إلغاؤه فلا يصنع فارقا ملحوظا في الوضع السيء الذي يعانيه المواطن السوري”.
وكانت السلطة تتجه نحو إلغاء الدعم خلال السنوات الأخيرة، وخاصة خلال آخر سنتين حيث عملت على إنهاء الدعم بشكل كامل عن المواد الأساسية نتيجة الضغط الاقتصادي الذي تعانيه فضلا عن التجاوزات والسرقة والمحسوبيات الحاصلة في التوزيع، وفقا لقضيماتي.
انهيار جديد
بالرغم من تراجع القدرة الشرائية لليرة السورية بشكل مستمر، إلا أنها لا تزال تحافظ على سعر صرف ثابت أمام الدولار الأمريكي، في ظاهرة قد تبدو غريبة على أنظمة الاقتصاد حول العالم.
ويرى مراقبون أن سعر الصرف مفروض أمنيا بمعزل عن القوة الاقتصادية الحقيقية التي تعطي القيمة والقدرة الشرائية للعملة الوطنية، حيث تُفرض على التجار والمتعاملين بالليرة قيم معينة.
وتشهد الأسواق حاليا ارتفاعات كبيرة بأسعار الخضار والفواكه في عموم مناطق سيطرة السلطة، خاصة في العاصمة دمشق، مع توقعات برفع أسعار المنتجات الدوائية وحليب الأطفال.
وقال “الخبير الاقتصادي” الموالي لسلطة الأسد، عمار يوسف، إن أسعار المواد الغذائية تشكل هو أهم مؤشر اقتصادي حقيقي، مؤكدا أنها زادت بأكثر من 3 أضعاف خلال عام واحد، وأن هذا عمليا ليس ارتفاعا في السعر وإنما انخفاض في قيمة الليرة.
وأوضح أن هذا الأمر “يؤكد أن السياسة النقدية المتبعة لا يمكن أن يُبني عليها، وأنّ سعر الصرف غير ثابت”.
وأضاف قضيماني في إفادته لحلب اليوم، أن “ثبات سعر الصرف أمر غير حقيقي، ومن الممكن أن نشهد انهياراً لسعر الصرف قريبا نتيجة الوضع في لبنان”، موضحا أنه الشريان أو المتنفس الأساسي لسوريا في مناطق سيطرة الأسد، بالنسبة لأغلب السلع الأساسية.
وأضاف أن الحرب الحالية الدائرة هناك دفعت رؤوس الأموال للخروج، خاصة أن البلد كان يعاني بالأصل أزمة اقتصادية، حيث فُرض حد معين للسحب اليومي بالنسبة للبنوك والأشخاص، لذا “سنرى انهيارا في سعر صرف الليرة السورية في القريب”.
كما أن التجار يعلمون أن الحرب في لبنان ستؤدي الى انهيار سعر الصرف مع صعوبة الوضع أصلا في توصيل المواد إلى سوريا، بعد استهداف الطيران الإسرائيلي على نحو متكرر لكثير من المعابر الموجودة على الحدود السورية – اللبنانية، وفقا لقضيماتي.
هل هناك أفق لحل أزمة الوقود؟
يزيد شح الوقود من معاناة السوريين في مناطق سيطرة الأسد، جراء تأثيره السلبي على مختلف القطاعات، وارتفاع أجور النقل، وتكاليف الزراعة والصناعة وتربية الدواجن.
ومع حلول فصل الشتاء واعتماد السكان على الديزل في التدفئة بالمدن، باتت معاناة السكان مضاعفة، حيث من المستحيل بالنسبة لذوي الدخل المحدود تأمين متطلباتهم من “السوق السوداء”، وبات الأمر حكرا على الأغنياء منهم.
ويلفت قضيماتي إلى أن أغلب الحقول النفطية الأساسية موجودة في شمال شرق سوريا أي خارجة عن سيطرة الأسد، لذا فقد كان الوقود يدخل عبر طرق التهريب من لبنان وهذا ما سينخفض بدرجة كبيرة نتيجة الحرب مع الوضع الضعيف أصلا في لبنان.
ورأى أن أزمة الوقود ذاهبة أيضا لمنحىً سيئ جدا، والشح سيكون أكبر في الفترة المقبلة، ما لم تكن هناك تسوية معينة لسلطة الأسد مع الروس والدول الأخرى للوصول لتغيير سياسي أو حل للقضية السورية.
يشار إلى أن الملف السوري يشهد حالة غير مسبوقة من التعقيد على كافة الأصعدة الداخلية والخارجية، وسط صمت رسمي من قبل سلطة حول الحرب الإسرائيلية، والعلاقات مع ميليشيات إيران، وملف التطبيع مع تركيا، وغيره من تطورات المنطقة.