أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده ستستأنف عملياتها العسكرية في شمال سوريا والعراق، خلال “المرحلة القادمة”، دون تحديد زمن معين أو تفاصيل، فيما عاد الحديث مجددا عن انسحاب أمريكي محتمل من سوريا.
تصريحات أردوغان جاءت عقب فوز دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية، حيث كان الرئيسان قد استطاعا عقد تفاهمات هامة بينهما، في ولايته السابقة، شملت عدة ملفات، ومكّنت أنقرة من شن عمليات ضد قوات قسد قرب حدودها الجنوبية.
من جانبه حذّر المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا “جيمس جيفري” من سحب الولايات المتحدة جنودها من الأراضي السورية، معتبرًا أن تلك الخطوة قد تكون لها “عواقب وخيمة”، وذلك فيما بدا تعليقا على وعود ترامب بسحب قوات بلاده من البلدان الأجنبية.
وقال المحلل السياسي الروسي ديمتري بريجع، لموقع حلب اليوم ” إن أولويات الرئيس الجديد التي يتحدث عنها هي عدم وجود تمثيل عسكري للولايات المتحدة الأمريكية والعمل على حل المشاكل الداخلية، و”لكن هذا لا يعني أن أمريكا سوف تترك كل شيء في الخارج”.
وتتخوف قوات قسد من انسحاب أمريكي مفاجئ على غرار ما جرى في أفغانستان، وهو ما دفعها في السابق لمطالبة واشنطن بتطمينات واضحة، وتزايدت المخاوف تلك مع فوز ترامب، لكن بريجع يرى أن الولايات المتحدة ربما لا تُنهي تدخلاتها الخارجية بشكل كامل، إنما “قد تستعمل أدوات مختلفة عما يستعمله الديمقراطيون والإدارات السابقة”.
وفيما بدا مؤشرا على جدية الموقف، قال “جيفري” إن “هذا (الانسحاب) سيكون خطأ فادحًا لأنه من شأنه أن يعزز نفوذ إيران والأسد ما يخلق فراغًا سيضر بشركائنا المختلفين بما في ذلك تركيا”.
لكن أردوغان الذي أعرب عن تفاؤله بوصول ترامب للبيت الأبيض، قال إن بلاده “ستكمل في المرحلة المقبلة الحلقات الناقصة للحزام الأمني على حدودها الجنوبية”، في كلمة ألقاها، مساء أمس الأحد، بعيد ترؤسه اجتماعا للحكومة التركية في العاصمة أنقرة.
وأضاف: “من خلال العمليات التي نفذناها والمناطق الآمنة التي أنشأناها، أحبطنا بقدر كبير محاولة تطويق تركيا، وسنقطع أي اتصال بين التنظيمات الإرهابية والحدود التركية، بالتالي سنعطل إلى الأبد اللعبة المستمرة منذ 40 عاما التي يمارسها الإمبرياليون وعملاؤهم في منطقتنا، ممن يوجهون خارطة الطريق السياسية والاقتصادية لبلادنا كما يحلو لهم من خلال التنظيمات الإرهابية”.
وكان ترامب قد أعلن أثناء ولايته السابقة عام 2019، أنه “حان الوقت لخروج القوات الأمريكية من سوريا”، إلا أنها لم تخرج بشكل فعلي، بل تم تقليل تعدادها، وتنفيذ عملية إعادة انتشار حول حقول النفط، لتطلق تركيا على الفور عملية نبع السلام في منطقتي تل أبيض ورأس العين ضد قسد.
ورغم توقعه لإمكانية سحب القوات الأمريكية من عدة أماكن حول العالم أو تقليلها، يرى المحلل الروسي، أن الإدارة الجديدة قد تعتمد “أدوات دبلوماسية وقنوات اتصال جديدة، لتغيير السياسات والتحالفات في المنطقة”.
من جانبه قال المحلل العسكري العقيد إسماعيل أيوب، لموقع حلب اليوم، إن “الأتراك يشيرون إلى أن أمريكا تدعم حزب العمال، وهذا صحيح.. حتى الروس متفقون مع الأمريكيين على هذا الموضوع، ومن ثم يبقى حزب العمال كالعصى التي تهدد تركيا بين الفينة والأخرى من أجل أجندات سياسية، ما يعني أن أمريكا لن ترفع يدها عن حزب العمال طالما أنه ينفذ أجندتها”.
وحول حديث أردوغان عن “استئصال حزب العمال وأذرعه” يرى العقيد أيوب أن “هذا أمر صعب، فمركزهم في جبال قنديل، وهذه جبال صعبة للغاية.. تركيا تكافحهم منذ 40 عاما، ولم يستطيعوا إنهاءهم، وحتى جبال قنديل قد تشهد حربا إقليمية بين العراق وتركيا لذا فإنهم ربما سيكتفون بالضربات حتى يصل صوتهم أيضا إلى الولايات المتحدة الأمريكية”.
ومضى بالقول: “لا نعرف ماذا يجري في الاجتماعات السياسية بين المسؤولين الأتراك والأمريكيين.. لست مع نظرية المؤامرة، ولكن لا تعرف كم عدد الميليشيات الموجودة التي تدعمها واشنطن، والتي كانت تتقاضى الأموال منها، وفي سوريا أيضا دعمت قسد، وفصلت شمال شرق سوريا وهناك منطقة الخمسة وخمسون كيلو قرب التنف”.
وقال موقع “ميدل إيست آي” الأمريكي، إن أردوغان يريد إصلاح العلاقات مع الولايات المتحدة في عهد ترامب، حيث بدا مسؤولون وخبراء متفائلون بأن أنقرة ستحقق تقدما بشأن سوريا وصواريخ إس-400 وطائرات إف-35 خلال فترة ولاية ثانية للحزب الجمهوري.
وبدت العلاقات بين ترامب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أفضل منها في ولاية أي رئيس أمريكي آخر، وأبدى البيت الأبيض مرونة تجاه مخاوف أنقرة في سوريا، واستجابة لمطالبها بشأن ملف الطائرات، وأخذت العلاقات بين الجانبين منحى تصاعديا، مما أتاح إطلاق عمل عسكري تركي ضد قسد، وهو ما يتوقع البعض تكراره في الفترة المقبلة.
وقال الرئيس التركي إنه سيسعى إلى مناقشة قضايا رئيسية مع ترامب، بما في ذلك شراء طائرات مقاتلة من طراز إف-35، وحل خلافاتهما بشأن شراء أنقرة لأنظمة الدفاع الجوي الروسية إس-400، مضيفا بالقول: “رغم وجود اختلافات عرضية في الرأي فإن الشراكة النموذجية بين تركيا والولايات المتحدة لا تقبل الجدل”.
وأشار إلى أنه عمل في السابق بشكل وثيق مع ترامب ودعاه لزيارة رسمية العام المقبل.
وذكر الموقع الأمريكي أن الرئيس ترامب، في آخر مرة كان فيها في السلطة، أعطى أردوغان رقم هاتفه الشخصي، حيث تمكن الأخير من “إقامة اتصال خلال 24 ساعة” مع واشنطن، وقال أردوغان: “حاولنا تحقيق نتائج من خلال الدبلوماسية الهاتفية.. تبعا لذلك، لا أتوقع أي مشاكل في هذا الصدد خلال هذه الفترة”.
وحث الرئيس التركي نظيره الأمريكي، في تصريح له يوم الجمعة الفائت، على الوفاء بتعهداته التي أطلقها خلال حملته الانتخابية واتخاذ خطوات لإنهاء الهجوم الإسرائيلي على غزة ولبنان، داعيا إلى وقف فوري لشحنات الأسلحة إلى إسرائيل كخطوة أولى.
وقال مسؤول تركي لموقع “ميدل إيست آي”: “لم يكن هناك أجواء احتفالية في أنقرة، لكننا نعتقد أن هناك مجالا كبيرا لحوار أفضل مع ترامب.. لم نتفاجأ بنتائج الانتخابات ولا نتوقع علاقة مثالية، ولكنها قد تعمل بشكل جيد للغاية في ظل الظروف المناسبة”.
وفي حين أن شخصيات مثل غرينيل في الإدارة الجديدة قد تعمل على تحسين العلاقات مع تركيا، فإن آخرين مثل وزير الخارجية السابق مايك بومبيو – الذي كان ينتقد أردوغان علناً – قد يعملون على تعقيد العلاقة، وفقا للموقع.
وتشير التقارير إلى أن بومبيو، المعروف بموقفه المتشدد تجاه إيران، مرشح لتولي منصب وزير الدفاع، بينما تعارض أنقرة الجهود الأميركية الأحادية الجانب لعزل إيران، خوفا من أن تؤدي مثل هذه الإجراءات إلى زيادة الهجرة غير الشرعية إلى تركيا وتقويض التجارة.
بدوره أعرب جيمس جيفري، عن تفاؤله العام بشأن مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا، قائلا إن “العلاقات جيدة حاليًا، ومن المرجح أن يضفي ترامب لمسة أكثر شخصية على العلاقة، نظرًا للعلاقة الوثيقة بين الرئيسين خلال ولايته الأولى”.
أما روبرت كينيدي جونيور، أحد المقربين من ترامب، تاكر كارلسون، فقد أكد أن “ترامب يرغب في سحب 500 جندي أمريكي من شمال سوريا، حيث تشارك تركيا بنشاط في أعمال عدائية ضد قوات قسد السورية المدعومة من واشنطن”، وهو ما وصفه جيفري بالخطأ الفادح فيما لو حدث.