أعلنت الأمم المتحدة بدءها في تنفيذ “استراتيجية التعافي المبكر في سوريا”، انطلاقا من مناطق سيطرة سلطة الأسد، وذلك بعد تأكيد الدول الغربية لسنوات، رفضها تحقيق تلك الخطوة دون إنهاء الحرب وتحقيق انتقال سلمي للسلطة.
وقال منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سوريا، آدم عبد المولى، في مؤتمر صحفي عقده في دمشق، إن البرنامج سيكون في كل الأراضي السورية ويستمر لمدة 5 سنوات، وهو “لكل سوري بغض النظر عن مكان إقامته”.
وبحسب ما نقلته صحيفة الوطن الموالية للسلطة، فقد حدّد عبد المولى مجالات يشملها المشروع؛ هي الصحة والتغذية والتعليم، والمياه والصرف الصحي والنظافة العامة، وفرص سبل العيش المستدام، لافتا إلى أن “الوصول الموثوق إلى الكهرباء يشكل أساس كل هذه الجهود إذ يتيح التعافي الفاعل والمستدام”.
هل تراجع الغرب عن موقفه؟
يأتي ذلك المشروع بعد أن أعلنت اوروبا والولايات المتحدة، منذ سنوات خلت، رفضهم لمشاريع التعافي المبكر قبل تحقيق الحل السياسي الذي يضمن إنهاء الحرب في سوريا.
وتقول يمن حلاق الباحثة في الشبكة السورية لحقوق الإنسان، لحلب اليوم، إن ربط التعافي المبكر بالوصول لحل سياسي “ليس أفضل ما يمكن طرحه لسبب بسيط هو أن الحل لا يبدو متاحا حاليا إطلاقا”.
ونوّهت بأن “البلد تحتاج لتجاوز مرحلة الاستجابة الإنسانية من أجل أن تدخل في مرحلة إنجاز مشاريع أكثر استدامة مثل مشاريع التعافي المبكر”، ولكن ذلك صحيح من حيث المبدأ فقط، وأمامه معوقات كثيرة سببها وجود سلطة الأسد.
وأضافت حلاق أن “أكثر من 90 في المائة من السكان هم تحت خط الفقر، وهناك نسبة كبيرة من السوريين سواء في مناطق سيطرة الأسد أو المعارضة يعتمدون بشكل أساسي على المساعدات الإنسانية”.
كما أن “البنى التحتية لا تزال منهارة والوصول للخدمات الأساسية والتعليم والكهرباء وغيرها صعب، فمن الضروري أن نبدأ بخطوات مثل مشاريع التعافي المبكر التي من المفترض أنها تهدف لتمكين المجتمعات وزيادة قدرتها على الاعتماد الذاتي”.
وتحدث عبد المولى عن دعم “الفئات الأكثر ضعفاً وتهميشاً، كالسكان النازحين”، حيث توجد “احتياجات إنسانية طويلة الأمد ومتعددة الأوجه”، بينما تراجعت مؤشرات التنمية، حيث لا يزال أكثر من مليون و700 ألف شخص في العام 2024 بحاجة إلى مساعدات منقذة للأرواح ومستدامة.
وقال: “يظل تقديم المساعدات الإنسانية ضرورياً في هذا السياق، ولكنه غير كاف لبناء المرونة ودفع التعافي المستدام والشامل، كما تثير هذه الطريقة من المساعدات مخاوف متعلقة باستدامتها فاعليتها في سياق عالمي تنخفض فيه المساعدات الإنسانية”.
وترى حلاق أنه يفترض التركيز على إيجاد حالة من الاستقرار عن طريق إعادة تأهيل البنى التحتية وتفعيل الخدمات العامة، إلى جانب إنعاش الاقتصاد المحلي، بدلا من الاعتماد على الإغاثة.
وكان رئيس قسم الشرق الأوسط في هيئة العمل الخارجية الأوروبية أليسيو كابيلالني قد أكد منذ أسابيع عدم وجود شروط آمنة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، مشيراً إلى وجود “خطوط حمراء فيما يتعلّق بمشاريع التعافي المبكر في سوريا”.
وقال كابيلالني إنّ “المطلوب من سلطة الأسد العمل على تحقيق الشروط الآمنة لعودة اللاجئين، ومراقبة أوضاع اللاجئين والتأكد من عدم تعرّضهم لأي انتهاكات بعد عودتهم من دول اللجوء”.
ما الضمانات لعدم سرقة الأموال مجدداً؟
أكد تحقيق أممي سابق أن الميليشيات وقوات الأسد يستولون على معظم المساعدات الإغاثية، بنسبة تتجاوز 85 في المائة، حيث تُباع بعد مصادرتها، لتشكل مصدر تمويل لآلة القتل المستمرة منذ سنوات.
وكشف تحقيق آخر أجري منذ عامين، وجود فساد بملايين الدولارات لمكتب منظمة الصحة العالمية في دمشق، وانتشار المحسوبيات والرشاوى وانتهاكات أخرى جسيمة.
وتكرر الأمر مع المساعدات الإغاثية التي تم إرسالها بكثافة في أعقاب زلزال 6 شباط، حيث أكدت تقارير متقاطعة استيلاء الميليشيات على معظمها.
أمام هذا الواقع يبرز السؤال حول ما إذا كانت الأمم المتحدة مستعدة لتكرار نفس الخطوات، والوقوع في الخطأ ذاته من جديد، وبشأن ذلك تقول حلاق، إن “هناك احتمالا لأن تُسرق المساعدات، ولا يستفيد السكان بالطريقة المرجوة بسبب موضوع الفساد”.
وأشارت إلى أن “الإشكالية هناك ليس بموضوع التعافي، فهو كنهج أمر جيد من الواجب تنفيذه، ولكن الإشكالية في طرق تنفيذه، والأبعاد السياسية التي من الممكن أن يحملها هذا المشروع”.
ودعت لتنفيذ المشروع بطريقة مختلفة تعتمد إقامة مشاريع الاستجابة الإنسانية، وأن يكون هناك “شفافية أكبر ومساءلة ومحاسبة أكبر”.
واستدركت قائلة: “هل سيُطبق ذلك على أرض الواقع؟ لا نعلم؛ لكننا نحذر منذ 13 سنة من سرقة المساعدات فيما لا يزال النهب مستمرا، ولم نلمس خطوات جدية للحد من هذه الظواهر”.
وأضافت: “بالنظر لذلك هناك إشكالية كبيرة جدا حول التعافي لهذا السبب، رغم أنه كمفهوم ونهج مهم جدا جدا من الناحية الإنسانية للسوريين، لكن المشكلة في طريقة التنفيذ التي من الممكن أن تجعله يحيد عن الأهداف التي يفترض أنه صمم لأجلها”.
وأكد عبد المولى أن استراتيجية التعافي للأعوام 2024-2028 تغطي كامل سوريا من خلال نهج قائم على المناطق، وتنطوي على إطار متوسط الأجل ومتعدد السنوات للتخطيط وإعداد البرامج يهدف إلى تعزيز التغيير النوعي والقابل للقياس والموائم لمختلف السياقات التشغيلية في كل المناطق السورية.
وتستند الاستراتيجية وفق عبد المولى إلى تدخلات التعافي المبكر التي بدأت ضمن خطة الاستجابة الإنسانية وخارجها مع تعزيز القدرات المحلية بشكل أكبر، وبالتالي المساهمة في التخفيف من تواتر الاحتياجات الإنسانية العاجلة وخفض تكلفة المساعدات الإنسانية على مدى أطول.
وسيكون “إعطاء الأولوية للصحة والتغذية أمراً لابد منه لإنقاذ الأرواح وتعزيز رفاه الأشخاص”، مع “ضمان الوصول إلى التعليم عالي الجودة بما يسهم في بناء رأسمال البشري وتعزيز التماسك الاجتماعي”، وفقا للمنسق الأممي الذي أشار إلى “تحسين خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة العامة، ودعم فرص سبل العيش المستدام والموائمة للسياق أن يساعد في إعادة بناء الاقتصاد وتعزيز مرونة المجتمع”.