بدأت نتائج التغيير في الإدارة الأمريكية بالظهور سريعا على المستوى العالمي، متمثلة في تغيرات طالت أسعار الذهب وللدولار وعملات التداول الرقمي، فور إعلان فوز دونالد ترامب، فيما يتابع المراقبون التأثيرات السياسية والعسكرية المحتملة في الشرق الأوسط على وجه الخصوص.
وسجلت عملة بيتكوين قفزة تاريخية متجاوزة حاجز 75 ألف دولار للوحدة، وهو أعلى مستوى لها على الإطلاق، كما ارتفع الدولار بأكبر زيادة يومية منذ آذار 2020 في حين انخفض سعر أونصة الذهب إلى 2726 دولارًا؛ بعد أن كانت 2790 دولارًا.
وقال الرئيس الجمهوري السابع والأربعين، في كلمة من مقر حملته الانتخابية بولاية فلوريدا: “الرب أنقذني لينقذ البلاد.. نريد جيشا قويا، لن أبدأ الحروب بل سأنهيها، سأوفر فرص العمل، سنخفض الضرائب ونغلق الحدود أمام المجرمين”.
وأظهرت النتائج الجزئية للانتخابات تقدم ترامب بحصوله على 267 صوتا في المجمع الانتخابي مقابل 224 صوتا لمنافسته الديمقراطية كامالا هاريس.
وحول تأثير ذلك على ملف سوريا والمنطقة، قال المحلل السياسي الروسي ديمتري بريجع، لموقع حلب اليوم، إنه يعتقد أن السياسة الأمريكية القادمة سوف تحمل تغيرات كبيرة تشمل الساحة السورية وما يرتبط بها من ملفات.
ورجح أن تكون السياسة الأمريكية حادة اتجاه إيران من جهة، وأن تعمل ضمن سياسة الشرق الأوسط الجديد من جهة أخرى، حيث “ستبدأ التغييرات من لبنان وسوريا والعراق واليمن لتغيير جغرافيا السيطرة العسكرية ولتأمين إسرائيل.. هذا أهم ما يمكن قوله عن السياسة القادمة لإدارة دونالد ترامب”.
ولفت إلى أن جاريد كوشنر المعروف بتوجهاته كان كبير مستشاريه، وهو من عمل على إنجاز الاتفاقيات الإبراهيمية مع الدول العربية، لذا يرجح بريجع أن تبدأ الإدارة الجديدة بتغيير الشرق الأوسط عبر قطع إمداد حزب الله وما يسمى محور المقاومة والممانعة عبر الأراضي السورية.
وأشار إلى أن المتوقع هو العمل على إضعاف قدرات حزب الله السوري والمجموعات الإيرانية في سوريا؛ إن كان في منطقة القصير بريف حمص أو حماة أو جنوب سوريا.. “كلها سوف تكون أهدافا”.
ويتواصل التصعيد بين طهران من جهة، وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى، وقال نائب قائد الحرس الثوري الإيراني، اليوم الأربعاء إنهم لا يستبعدون توجيه أميركا وإسرائيل “ضربة استباقية لمنع الرد الإيراني على إسرائيل”.
وفيما تتوعد الأخيرة بضربة أكبر من سابقتها لإيران، أكد وزير الدفاع السابق، يوآف غالانت، قبل إقالته من أيام، أن تل أبيب لن تقبل بقاء سوريا ممرا للميليشيات الإيرانية.
ويرى المحلل السياسي الروسي أن تل أبيب لا تهدف فقط لتغيير الوضع على الأرض السورية، بل تسعى أيضا لإضعاف قدرات الميليشيات الإيرانية في العراق.
وأضاف: “إذا تحدثنا عن الاستراتيجية العامة فهي بنظرة أوسع ترتكز على ثلاث نقاط أساسية: شرق أوسط جديد.. الضغط على إيران وإضعاف مشروعها الخارجي، (قد تقدم الولايات المتحدة الأمريكية تنازلات في بعض العقوبات مقابل وقف طهران دعمها لمشروع “المقاومة والممانعة”).. ثم استكمال عمل الاتفاقيات الإبراهيمية مع الدول العربية الأخرى”.. نتحدث هنا عن المملكة العربية السعودية وعن دول الخليج، وعن منطقة الشرق الأوسط كلها ومن ضمنها أيضا تركيا وغيرها من الدول، و”لكن هذا سوف يكون السيناريو الثالث ضمن سياسات إدارة ترامب”.
ولفت إلى أن “سياسته واضحة، فلديه مجموعة من المستشارين، ونعرف أنه يدعم إسرائيل بشكل مطلق، ومع ذلك قد تكون هناك خلافات مع حكومة بنيامين نتنياهو في بعض الملفات تُستعمل فيها الدبلوماسية قدر الإمكان”، كما رجح أيضا فتح قنوات اتصال مع روسيا لوقف الحرب في أوكرانيا، منوها بأن “هذه ستكون أهدافا أساسية لإدارة دونالد ترامب وهو ما تحدث عنه اليوم في (خطاب النصر)”.
هل يسحب القوات من سوريا؟
أعلن ترامب أثناء ولايته السابقة عام 2019، أنه “حان الوقت لخروج القوات الأمريكية من سوريا”، إلا أنها لم تخرج بشكل فعلي، إنما تم تقليل تعدادها، وتنفيذ عملية إعادة انتشار حول حقول النفط.
من جانبها أطلقت تركيا عملية نبع السلام التي نفذتها مع الجيش الوطني في منطقتي تل أبيض ورأس العين ضد قسد، مستغلة تراجع الحماية الأمريكية لها في شمال شرقي سوريا، قبل أن يعود الرئيس الأمريكي ويؤكد أنه سيُبقي على “عدد محدود” من الجنود الأمريكيين في سوريا بهدف “حماية حقول النفط” التي تم تركيز وجود القوات حولها.
وبدت العلاقات بين ترامب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أفضل منها في ولاية أي رئيس أمريكي آخر، وأبدى البيت الأبيض مرونة تجاه مخاوف أنقرة في سوريا، واستجابة لمطالبها بشأن ملف طائرات إف – 16، وأخذت العلاقات بين الجانبين منحى تصاعديا، مما أتاح إطلاق عمل عسكري تركي ضد قسد، وهو ما يتوقع البعض تكراره في الفترة المقبلة.
ووعد ترامب الناخبين بإنهاء الحرب على غزة خلال الصيف الماضي، رغم ميوله المعروفة وتأييده المطلق لإسرائيل ورؤية بنيامين نتنياهو، وبناء على ذلك يتوقع البعض أنه في حال فوزه وتنفيذه لوعوده؛ فقد يؤثر هذا بشكل غير مباشر على الملف السوري باعتبار سوريا جزءا من المنطقة، خصوصا لناحية الملف الإيراني.
وأوضح بريجع أن أولويات الرئيس الجديد التي يتحدث عنها هي عدم وجود تمثيل عسكري للولايات المتحدة الأمريكية والعمل على حل المشاكل الداخلية، و”لكن هذا لا يعني أن أمريكا سوف تترك كل شيء في الخارج.. فربما تستعمل أدوات مختلفة عما يستعمله الديمقراطيون والإدارات السابقة”.
وأعربت قسد عن تخوفها من انسحاب أمريكي مفاجئ على غرار ما جرى في أفغانستان، مما دفعها لمطالبة واشنطن بتطمينات واضحة، وتزايدت المخاوف تلك مع فوز ترامب.
ورغم توقعه لإمكانية سحب القوات الأمريكية من عدة أماكن حول العالم أو تقليلها، يرى المحلل الروسي، أن الإدارة الجديدة قد تعتمد “أدوات دبلوماسية وقنوات اتصال جديدة، لتغيير السياسات والتحالفات في المنطقة”.
وكان ترامب قد وعد بإنهاء الحرب في الشرق الأوسط وأوكرانيا، ووعد بأن “السلام” سيعمّ المنطقة مرة أخرى، وبأنه “سيوقف المعاناة والدمار في لبنان”، معتبرا أن “الحرب في أوكرانيا لم يكن ينبغي أن تحدث وأنه سيحلها”.