يعتبر موسم قطاف الزيتون في إدلب والشمال السوري ذا قيمة تراثية واقتصادية كبيرة اعتادها سكان المنطقة منذ زمن بعيد، ولا تزال تشكل مصدر دخل أساسي، ولكن رغم التحديات التي واجهها السكان على مدى سنوات؛ شهد هذا الموسم أوضاعا استثنائية أربكت حسابات الفلاحين وتسببت ببعض الخسائر.
ينتظر المزارعون في كل سنة هطول الأمطار التشرينية قبل القطاف، حيث ينتعش الزيتون مع تعرضه للمطر، لمتلئ الحبوب بالزيت، وتصبح ذات جودة وطعم أفضل، لكن هذا ما لم يحدث خلال الموسم الحالي بالنسبة للكثيرين.
يقول مراسل حلب اليوم، إن الغالبية الساحقة من المزارعين في الأراضي القريبة من خطوط التماس بريفي حلب وإدلب، اضطروا لجني محصولهم قبل تعرضه للمطر خوفا من اندلاع المعارك أو المواجهات على نحو مفاجئ.
ومع تعرض المنطقة لموجات التصعيد على نحو متكرر، تعاظمت مخاوف الأهالي من إمكانية حدوث مواجهة ما، بعد تداول الشائعات حول “معركة حلب” على نطاق واسع، والتي نشرتها صفحات وحسابات مرتبطة بهيئة تحرير الشام وفصائل أخرى.
يقول الحاج منير أبو زهير، إنه انتظر “على أعصابه” هطول المطر طيلة الأسابيع الثلاثة التي خلت، لكن الشائعات جعلته يخشى فوات موسمه بالكامل، مما دفعه لقطافه أخيرا.
وفي الثالث من الشهر الحالي، شهدت المنطقة هطولا غزيرا وصل إلى نحو (50 مل)، بعد تأخر المطر لأسابيع، مما نشّط عمليات القطاف في المناطق البعيدة ان خط المواجهة.
وأوضح أبو زهير أن الزيت الذي حصل عليه بعد عصر محصوله كان أقل من المعتاد، كما أن الزيتون الذي يُعد للمونة في هذه الحالة سيكون أقل جودة، حيث يحافظ على الطعم المر، فضلا عن كون الحبة ذات حجم أصغر ووزن أقل.
ويعتبر موسم القطاف من معالم التراث السوري، خصوصًا في الريف الشمالي من سوريا، ويحظى بأهمية كبيرة على مستوى الحياة الاجتماعية والاقتصادية، حيث يعتمد الكثير من سكان المنطقة على الزيتون كأحد مصادر الدخل الأساسية، خصوصا بعد حالة الركود الكبيرة.
ويُعتبر الزيتون من الأشجار المعمّرة التي تنتشر في أراضي إدلب، حيث إن المنطقة تؤمن بيئة مثالية لزراعة هذا النوع من الأشجار نظرًا لتوفر المناخ المناسب وخصوبة الأرض، وتبرز أهميته ليس فقط من حيث إنتاجه للزيت والزيتون فحسب، بل لتأمين المواد الأولية لصناعة البيرين والصابون.
ويبدأ موسم القطاف عادةً في إدلب مع بدايات شهر تشرين الأول/ أكتوبر ويمتد حتى أواخر شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، ويعتمد المزارعون في توقيت بدء القطاف على نضج الثمار وتحولها إلى اللون الأسود أو الأرجواني، حيث يُعدُّ هذا التوقيت الأنسب للحصول على محصولٍ عالي الجودة من حيث الطعم ومحتوى الزيت.
ويمثل الموسم مصدر رزقٍ رئيسيٍّ للعديد من العائلات، ويتم إنتاج الزيتون وتحويله إلى زيت عبر المعاصر التقليدية والحديثة، ويتم بيعه محليًا أو تصديره إلى مناطق أخرى، وقد شكل ارتفاع سعره مؤخرا فرصة ذهبية للفلاحين.
يعاني مزارعو إدلب من تحديات عديدة تؤثر في إنتاجية وجودة المحصول، منها الظروف المناخية الصعبة، ونقص المياه، والتحديات الاقتصادية المرتبطة بارتفاع تكاليف الزراعة والنقل، كما أن الوضع الأمني في بعض مناطق إدلب قد يحول دون تمكن بعض المزارعين من الوصول إلى أراضيهم، ما يزيد صعوبة العملية ويؤثر في العائد الاقتصادي للزيتون.
ويعتمد معظم المزارعين في الشمال السوري على الزراعة البعلية التي تقوم على مياه الأمطار، بسبب غلاء التكاليف، وهو ما دفع مديرية الأوقاف والشؤون الدينية في مدينة الباب شرقي حلب، إلى طلب أداء “صلاة الاستسقاء”، منذ نحو أسبوعين، لأن تأخر سقوط المطر أدى إلى تضرر المزارعين هناك أيضا.
كما أن تأخر سقوط المطر تسبب بتكاثر أطوار جديدة من الآفات والحشرات والفيروسات والأمراض النباتية، والأملاح، في عموم المنطقة، وهو ما أضر بالعديد من المحاصيل.
وتشهد أرياف إدلب بالإضافة لريف حلب الغربي حالة من التصعيد الواسع، منذ أسابيع، حيث تستهدف القذائف والصواريخ أي أهداف متحركة بالقرب من الجبهات، وترسل طائرات الاستطلاع الإحداثيات لمدفعية قوات الأسد من أجل ضرب أي تجمعات أو تحركات، سواء كانت مدنية أو عسكرية دون تمييز.
كما لا تزال حركة الطائرات الانتحارية نشطة، إذ تستعملها الميليشيات الإيرانية بكثافة في القرى الواقعة قرب خط التماس.
يقول أبو محمد من جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، إنه يعاني كل عام من مسألة القطاف، بسبب حركة طيران الاستطلاع الذي يستهدف العمال في أثناء جني المحصول، وإنه يشعر بقلق خاص هذا العام مع حالة التصعيد.
وبحسب مراسلنا فقد استهدفت قوات الأسد، عددا كبيرا من الأهداف، خلال الأشهر الماضية، حيث أغارت طائرة انتحارية على عدة قرى في جبل الزاوية وريف إدلب الشرقي وحلب الغربي.
كما تستهدفت قوات الأسد بقذائف المدفعية ريف اللاذقية الشمالي، وسهل الغاب بريف حماة الغربي وهي مناطق تضم أيضا كروم زيتون واسعة.
ويعرب أبو محمد عن مخاوفه بشأن الوضع؛ بسبب حالة القلق في المنطقة، وذلك دون أن تحدث أية تحركات على الأرض، فيما تتجدد الشائعات كل فترة، مع حشد قوات الأسد لعناصرها وآلياتها.
وقالت إدارة الدفاع المدني السوري، لحلب اليوم، إن استمرار القصف من قوات الأسد وحلفائه على المدن والبلدات في شمال غربي سوريا وخاصةً القريبة من مناطق سيطرة تلك القوات والميليشيات، تسبب بحالة ذعر وخوف كبيرين بين المدنيين.
كما أشارت إلى استمرار القصف والاستهدافات المباشرة التي نشطت مؤخرا عبر الطائرات المسيرة الانتحارية منها والمذخّرة، وهذا ما يعيق حركة المدنيين بشكل كبير وخاصةً المزارعين حيث تُرْصَد تحركاتهم واستهدافهم إما بالصواريخ الموجهة أو بالطائرات المسيرة.
وتؤدي كل هذه الأسباب لمنع الاستقرار في المنطقة ما يدفع المدنيين لترك منازلهم والنزوح باتجاه مناطق أبعد خوفاً على حياتهم خاصةً مع التصعيد الأخير الذي يزيد المخاوف.