أعلنت السلطات الألمانية ترحيل مئات السوريين إلى خارج البلاد خلال النصف الأول من العام الجاري 2024، وسط تصاعد دعوات اليمين المتطرف لطرد اللاجئين، وزيادة التحريض عليهم.
ولا يقتصر ذلك على ألمانيا فقط، حيث شهدت عموم أوروبا صعودا لافتا للأحزاب اليمينية، خلال السنوات الأخيرة الماضية، واستغلت تلك الأحزاب ملف المهاجرين لاستعطاف مشاعر الناخبين، والتحريض ضد الحكومات القائمة.
وقالت وسائل إعلام ألمانية، إنه جرى خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي ترحيل 787 لاجئًا سوريًا، لكن عمليات الترحيل لم تتضمن إعادة هؤلاء الأشخاص إلى سوريا بل جرى نقلهم إلى دول أخرى.
ويعود ذلك للعوائق القانونية والسياسية التي تمنع ترحيل السوريين إلى بلدهم الأصلي، حيث لا تزال سوريا بلدا غير آمن، لكنهم يخشون إمكانية تنفيذ المعارضة ما تسعى إليه من إطلاق عمليات الترحيل إلى سوريا وأفغانستان.
وقال عبد الرزاق صبيح، الصحفي السوري المقيم بألمانيا، لموقع حلب اليوم، إن تصاعد شعبية الأحزاب اليمينية المتطرفة في هولندا وفرنسا وألمانيا، زاد مخاوف اللاجئين، وقد حقق الحزب البديل من أجل ألمانيا نجاحا في العديد من انتخابات الولايات الألمانية، كما حقق اليمين المتطرف أيضا تقدما في الانتخابات الأوروبية.
من جانبه قال بسام العيسمي الناشط الحقوقي والمحامي والسياسي السوري المقيم في النمسا، لحلب اليوم، إن هناك حالة من المزاج الحكومي والشعبي العام غير المرحب باللاجئين في السنوات الأخيرة ليس على مستوى النمسا فقط، وإنما على مستوى أوروبا مع صعود اليمين وفوزه بمساحات كبيرة من مطارح القرار والسلطة في هذه البلدان.
ويؤكد موقع msn الألماني أن هجوم شاب أفغاني على ضابط شرطة وإصابة أشخاص آخرين في مانهايم، خلال الصيف الماضي، “أثار جدلاً حول مسألة ما إذا كان ينبغي، بل ويجب، ترحيل المجرمين الخطرين من أفغانستان وسوريا إلى بلدانهم الأصلية”، كما زاد هجوم شاب سوري على حفل موسيقي الأمر سوءا، حيث قتل ثلاثة أشخاص في زولينغن قبل أن يعترف بانتمائه لتنظيم الدولة.
وفي نهاية آب/ أغسطس، أقلعت رحلة إلى كابول وعلى متنها 28 “مجرمًا أفغانيًا”، لكن النقاش استمر حول عدد السوريين والأفغان الذين يعيشون في ألمانيا ويعتبرون “مجرمين خطيرين”.
ويُعتبر طالب اللجوء ملزم قانونًا بمغادرة البلاد إذا تم رفض طلب اللجوء الخاص به وانتهى الموعد النهائي للمغادرة الطوعية، لكن هذا لا يعني أنه يمكن ترحيله فعلياً، وقد تكون هناك عقبات قانونية أو واقعية تحول دون ذلك، مثل عدم وضوح الهوية، وعدم وجود وثائق دخول أو أسباب فردية مثل المرض أو التهديد بالتعذيب في البلد الأصلي.
وفي مثل هذه الحالات، يحصل طالب اللجوء المرفوض على حالة التسامح – أي تعليق الترحيل مؤقتًا – أو تصريح إقامة مؤقت، ويجب دراسة الأسباب على أساس كل حالة على حدة.
وبحسب صبيح فإن هناك حالة من التخوف في صفوف السوريين، لكنهم يعولون على القوانين الأوربية والقانون الألماني حتى يحميهم، وهذا الأمر ينعكس سلباً على حياة اللاجئين في ألمانيا، وعلى عملهم ودراستهم، وهناك أيضا تخوف من تغير القوانين.
ولفت إلى أن الاتحاد الأوروبي وافق بعد عدة جلسات على اتفاقية اللجوء، وأصبحت على رأس جدول أعماله، حيث لوحظ انخفاض عدد الوافدين إلى الدول الأوروبية، كما ناقش الاتحاد تطبيق النموذج الإيطالي، وهي استعانة إيطاليا بمصادر خارجية لإجراءات اللجوء إلى الأراضي ومنها التعاون مع ألبانيا وكذلك التعاون مع بلدان المنشأ والعبور.
وبحسب المصادر الإعلامية الألمانية، فإن “المجرمين الملزمين قانوناً بمغادرة البلاد والذين لا يوجد حظر فردي أو عقبات أمام ترحيلهم هم فقط الذين يمكن ترحيلهم إلى سوريا وأفغانستان، ومع ذلك، فإن الجمع بين خصائص المواطنة والإدانة الجنائية وحالة الإقامة لا يتم تسجيله مركزيًا في أي مكان”.
وتشير الأرقام إلى دخول أكثر من 300,000 شخص إلى الأراضي الألمانية، بشكل غير قانوني، خلال العام الماضي، وقد حصل الكثير منهم على الحماية، لكن السلطات لا تستطيع ترحيل من لم يحصلوا عليها، إذا كانوا ينحدرون من بلدان معرضة لخطر الحرب.
ووفقا للعيسمي فإن هناك محاولة لترويج صورة سلبية للاجئين من خلال التركيز على الحوادث الفردية وتعميمها، بينما قدم الكثير منهم نماذج مشرفة في دول اللجوء، إلا أن صعود اليمين بشكل قوي في كل من هولندا وفرنسا وألمانيا سبّب تشديد الإجراءات وإغلاق الحدود أمام المهاجرين.
وأعلنت وزارة الداخلية في ولاية هيسن أنه في منتصف أكتوبر/تشرين الأول، كان هناك 91 “مجرماً” يحملون الجنسية الأفغانية، وكانوا ملزمين قانوناً بمغادرة البلاد؛ بينما لا يزال يتم جمع عدد السوريين في المقابل.
وذكر وزير داخلية ولاية مكلنبورغ-فوربومرن، كريستيان بيغيل في منتصف يوليو/تموز، أن 37 أفغانيًا و34 سوريًا، من الذين يعتبرون “مجرمين خطيرين” مطالبين بمغادرة البلاد و”لن يتم التسامح معهم”.
وحتى الآن، كانت رحلة الترحيل إلى كابول في نهاية آب/ أغسطس هي الرحلة الوحيدة إلى أفغانستان، ومن المقرر أن يتبع ذلك المزيد “قريبًا”، بحسب وزيرة الداخلية الفيدرالية نانسي فيزر التي أكدت أن بحث كيفية تنظيم عمليات “ترحيل المجرمين” إلى سوريا لا يزال جاريا.