تشهد أسواق الشمال السوري حالة من الركود، وسط تراجع مستمر في المقدرة الشرائية للسوريين، مع تزايد الاحتياجات المرتبطة بقدوم فصل الشتاء.
وفي محافظة إدلب شمال غربي البلاد زادت التطورات الأخيرة من تلك الحالة، بسبب انتشار أنباء عن قرب إطلاق الفصائل العسكرية لمعركة باتجاه مدينة حلب، وهو ما أدى لموجة نزوح كبيرة لسكان المناطق القريبة من خطوط التماس.
كما أحجم التجار والمستوردون عن شراء البضائع، تحسبا للتصعيد الذي كان مفترضا وقوعه، فيما عزف الكثيرون عن شراء كل ما هو غير ضروري؛ الأمر الذي انعكس سلبا على الأسواق.
واعتاد السكان على حالة الركود في مثل هذه الأيام من كل عام، حيث تنتهي معظم المواسم الزراعية الصيفية، فيما يعتمد الشمال السوري على الزراعة إلى حد بعيد، كما أن اقتراب الشتاء يُحمّل الأهالي تكاليف إضافية.
يقول “سليم .ق” من ريف إدلب الشمالي، لحلب اليوم، إنه اضطر مؤخرا لتخفيف مصاريفه المعتادة لتأمين كسوة الشتاء لأولاده، فضلا عن الفرش الشتوي، و”مؤونة” الحطب التي يجب عليه تأمينها للشتاء.
كما أن الشائعات التي تم تداولها مؤخرا حول إمكانية اندلاع مواجهات عسكرية، ورؤيته لأفواج النازحين، جعلته يتخوف من إنفاق ما بحوزته، تحسبا لأية تطورات.
من جانبه قال عبد الرزاق، وهو نازح من ريف حماة إنه اعتاد في محله للأدوات المنزلية غربي إدلب على تراجع الشراء في مثل هذه الأيام، لكن هذا الموسم بدا استثنائيا، ويضيف على ما سبق التراجع المستمر في القدرة الشرائية للسكان.
وتشير تقديرات فريق “منسقو استجابة سوريا” إلى انخفاض هائل في عملية تخصيص الاستجابة الشتوية للمدنيين لموسم الشتاء، في “أدنى استجابة له منذ عدة سنوات”، بينما “تعاني كافة القطاعات من ضعف كبير مقارنة بالتمويل المطلوب”.
كما يؤكد الفريق الانخفاض المستمر في مستويات الدخل، حيث بلغ حد الفقر المعترف به 11200 ليرة تركية، فيما بلغ حد الفقر المدقع 10400 ليرة، وبالتالي فقد بات أكثر من 90% من سكان الشمال السوري تحت خط الفقر، وأكثر من 40% تحت حد الجوع.
ومع كل حملة قصف تقع في المنطقة فإن هناك آثارا اقتصادية سلبية تلحق بالسكان، حيث يُحجم الكثير ممن لديهم القدرة على الاستثمار عن ذلك، خوفا من التبعات المحتملة.
يتذكر أبو محمد من ريف إدلب الشرقي كيف خسر مبالغ كبيرة بسبب إقدامه على تركيب محطة صغيرة للري باستخدام الطاقة الشمسية مطلع عام 2019.
وقد لجأ الرجل الستيني إلى الاعتناء بأرضه بعد إصابته بالمرض، حيث لم يعد يقوى على العمل في تجارة المواد الغذائية، لينفق معظم ما بحوزته على شراء تجهيزات الألواح الشمسية وما يتصل بها من أجهزة، بالإضافة لحفر بئر وتركيب مضخة عمودية.
وبعدما أنفق نحو 20 ألف دولار أمريكي، بدأت قوات الأسد تتقدم في المنطقة بشكل سريع، لكنه لم يتوقع أن تصل لمنطقته، مما جعله يتأخر في تفكيك تلك التجهيزات، إذ كان عليه أيضا إنقاذ ما لديه من بضائع في مستودعاته وتأمين مستودعات بديلة لها بعيدا عن المعارك، فضلا عن أغراض البيت والمولدات وإيجاد منزل آمن للعائلة.
واضطر الرجل في النهاية لترك كل تلك التجهيزات دون أن يتمكن من استقدام الورش لتفكيكها ونقلها، حيث باتت الطائرات تستهدف أي تحرك بالمنطقة مع اقتراب الميليشيات منها.
وبالنظر لما تقدّم، يحجم أبو محمد اليوم عن الإقدام على أي مشروع، خوفا من تكرار تلك الحادثة، وخسارة ما بقي لديه، وتتجدد مخاوفه تلك مع كل تصعيد، فيما يؤكد أن هناك الكثيرين مثله في الشمال السوري، لذا فإن للتصعيد آثارا سلبية بعيدة المدى، وهذا ما حدث أيضا مع انتشار الشائعات حول إمكانية اندلاع معركة جديدة.
وأمام هذا الواقع فقد باتت المطاعم والمشاريع الاستهلاكية أكثر وأفضل المجالات ربحا، بينما تتراجع المشاريع الهامة والإنتاجية ذات القيمة الاقتصادية في الشمال السوري.