أثارت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس السبت، بشأن وجود تهديدات حقيقية تنذر باحتلال القوات الإسرائيلية للعاصمة السورية دمشق؛ صدىً واسعا في أوساط المتابعين، حيث يعتبر أول وأعلى شخصية رسمية مسؤولة بالمنطقة تتحدث عن الموضوع بوضوح.
وكانت العديد من وسائل الإعلام العبرية والعالمية والعربية، قد أوردت تقارير مبنية على تحليلات ومعلومات، حول إمكانية حدوث اجتياح محدود في الجنوب السوري، إلا أن تصريحات أردوغان أمس كانت بمثابة التأكيد لما هو أبعد من ذلك أيضا.
وحذر الرئيس التركي من أن يصل الاجتياح حتى الشمال السوري، ويقترب من حدود بلاده، ما يعني أن هناك مخاوف جدية لدى تركيا من احتلال إسرائيلي واسع النطاق في سوريا.
وتشنّ الطائرات الإسرائيلية غارات على مواقع لقوات الأسد، بشكل مستمر، وسط تصعيد غير مسبوق في المنطقة؛ يعتبره محللون تمهيدا لهجوم بري قد يشمل الغرب والجنوب، وهي المناطق التي تتركز فيها الضربات الجوية.
وقال المحلل الإستراتيجي والعسكري العقيد إسماعيل أيوب، لموقع حلب اليوم، إن الضربات على مواقع قوات الأسد باتت اعتيادية، خاصة في هذه الآونة حيث تشن إسرائيل حربا على ميليشيا حزب الله وعلى أذرع إيران التي تضر بالأمن القومي الإسرائيلي، وهي موجودة بكثرة في سوريا.
واستهدف القصف الإسرائيلي عدة كتائب تابعة لقوات الأسد في درعا منها كتيبة الرادار شرقي ناحتة ومطار إزرع الزراعي، وأطراف مطار الثعلة العسكري في ريف السويداء الغربي، وأهدافا أخرى في المزة بالعاصمة دمشق ومحيطها، وفي ريفي حماة واللاذقية.
ويؤكد أيوب أن هناك عمليات استطلاع مكثفة، وأن الأمريكيين منخرطون فيها؛ “لأن ما تقوم به إسرائيل واسع جدا يشمل اليمن والعراق وسوريا ولبنان وغزة وأيضا الضفة.. هناك قوى عظمى تساند إسرائيل في هذا الموضوع”.
وقالت مجلة “تايم” الأمريكية، الأسبوع الماضي، إن إيران تعمل على نقل آلاف العناصر من ميليشياتها في العراق إلى المناطق الحدودية بين سوريا ولبنان بهدف “تعزيز قوة الردع لديها”، بينما يزداد تركيز الضربات الإسرائيلية على المناطق الحدودية.
وحول الحديث عن إمكانية حدوث دخول بري إسرائيلي إلى سوريا، قال أيوب إنه لا يعتقد أن القوات الإسرائيلية بصدد ذلك، منوها بأن هناك عمليات خاصة حصلت في القنيطرة أما اليوم فالتركيز ينصبّ على “إنهاء سيطرة حزب الله جنوب الليطاني، ولا نعلم ما إذا كانت ستتطور الأمور إلى اجتياح الجنوب وصولا نحو الضاحية.. فهذا في علم الغيب لكن الواضح أن إسرائيل سوف تجتاح جنوب الليطاني لتأمين حدودها الشمالية بين فلسطين المحتلة وبين لبنان”.
من جانبه يرى المحلل السياسي الروسي ديمتري بريجع، أن الشرق الأوسط مقبل على تغييرات كبيرة تشمل سوريا والعراق ولبنان واليمن والمنطقة بشكل رئيسي، مضيفا أن إسرائيل وحكومة بنيامين نتنياهو مهتمة بهذا التغيير الكبير الذي سوف يطرح خلال الفترة القادمة.
ويتوقع أن تكون هناك تغييرات في لبنان بعد إضعاف حزب الله والقدرات العسكرية له، وإضعاف سلطة الأسد وقدراتها العسكرية، كما أنه لا يستبعد أن تحدث تغيرات جوهرية وداخلية في بنية النظام السياسي بسوريا، بالإضافة إلى العراق بعد إضعاف ما يسمى بالمقاومة العراقية، والتي هي جزء من مشروع ما يسمى بمحور المقاومة والممانعة الإيراني في منطقة الشرق الأوسط.
ومما زاد في المؤشرات على الاجتياح الإسراييلي المفترض انسحاب روسيا من نقطة عسكرية على الحدود مع الجولان المحتل، دون أي إيضاحات أو تعليق من قبل موسكو، إذ غادرت القوات موقع تل الحارة العسكري في درعا القريب من الشريط الحدودي مع إسرائيل إلى محيط قرية زمرين.
جاء ذلك التحرك الروسي بعد ساعات فقط من تهديد رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان، لسلطة الأسد بالسيطرة على مناطق سورية في حال استمرارها وبقائها كقاعدة لإيران وميليشياتها في المنطقة.
لكن القوات الروسية عادت إلى نفس النقطة لاحقا دون أي تعليق على الموضوع، مما زاد في الغموض الذي يلف المنطقة، وذلك بعد تحذيرات روسية من “توسع الحرب في المنطقة”.
وقال الدكتور محمود حمزة المحلل السياسي المختص بالشأن الروسي، لموقع حلب اليوم، إن موسكو لن تقدم في مواجهة الهجوم الإسرائيلي أكثر من الدعوة إلى وقف إطلاق النار وخفض التصعيد وإحلال السلام والحفاظ على حياة المدنيين.. و”ما إلى ذلك من هذه الشعارات المعروفة”.
كما أكد أنه ليس باستطاعة روسيا التدخل في مواجهة إسراييل والولايات المتحدة، كما ان من مصلحتها إضعاف إيران وميليشياتها.
واعتبر أردوغان في تصريح له أمس، أثناء عودته من ألبانيا، أن “احتلال دمشق يعني وصول الجنود الإسرائيليين إلى حدود تركيا، مما سيؤدي إلى تمزيق خريطة سوريا بالكامل” داعيا إلى “تحقيق السلام العاجل والدائم في سوريا”، ومضيفا أن “الدبلوماسية الفعالة يمكنها منع التصعيد”.
ويتقاطع هذا التصريح مع تقارير رجحت حدوث اجتياح للعاصمة دمشق والتوجه شمالا وغربا نحو ريفي حمص وحماة والساحل السوري، وهذه المناطق تتركز فيها الميليشيات الإيرانية بكثرة، وفي حال حدوث احتلال للساحل فإن ذلك يضع القوات الإسرائيلية على الحدود التركية مقابل ريف اللاذقية الشمالي.
وقال أردوغان إن “إسرائيل تعلن بوضوح أنها ستحتل دمشق بعد لبنان، وهذا يعني وصول الجنود الإسرائيليين إلى حدود تركيا، وهو ما سيؤدي إلى تمزيق خريطة سوريا بالكامل”.
وأتى ذلك بعد يوم واحد من تحذير وزير الدفاع التركي يشار غولر، من “الصراعات الخارجية لا سيما في المنطقة القريبة من تركيا”، مضيفا أن “تهديد الإرهاب والصراعات الجيوسياسية، تحتم على الجيش التركي زيادة جاهزيته القتالية”.
وترافق تصريح غولر مع إرسال تركيا تعزيزات عسكرية كبيرة لمواقعها المحيطة بإدلب في شمال غربي البلاد، حيث تم توزيع تلك القوات على مختلف النقاط.