أعلنت روسيا رفضها للتصعيد في لبنان وسوريا، كما دعت إسرائيل للتهدئة، محذرة من عواقب وخيمة على المنطقة، في موقف مشترك مع الصين، إلا أن ذلك لم يقترن بتحركات فعلية في اتجاه إنقاذ حزب الله والنفوذ الإيراني بالمنطقة.
ومنذ دخول قواتها إلى سوريا، لعبت روسيا دور الحليف الأكبر لإيران و حزب الله ضد الثورة، حيث خاض الجانبان معارك كثيرة امتدت لسنوات على الأرض السورية في تنسيق كامل.
وعلى الجانب الآخر وقع الروس اتفاقية تنسيق مع الجانب الإسرائيلي، تتيح لتل أبيب الضرب بحرية في سوريا، واستهداف حزب الله وميليشيات إيران دون أي اعتراض من قبل القوات الروسية التي تنشر منظومتي إس – 300 و إس – 400 على الأراضي السورية.
ويرى الكاتب الصحفي السوري، والمحلل السياسي الدولي، حسام نجار، في إفادته لحلب اليوم، أن العلاقات الدولية المبنية على المصالح، قد يشوبها الارتباك أحيانا، كما يحصل اليوم في ملف الموقف الروسي من حزب الله وإيران.
من جانبه قال المحلل الإستراتيجي والعسكري العقيد إسماعيل أيوب، إن موقف روسيا شبه متوازن من قضايا المنطقة، فبالرغم من أنها أول دولة اعترفت بإسرائيل عام 1948، لكنها معارضة لها بالمنطقة، وخاصة فيما يتعلق بالحرب على غزة والحرب الجارية اليوم في جنوب لبنان.
هل تستطيع روسيا فعل شيئ؟
يؤكد تقرير نشرته BBC بالروسية، أن التعاون في التكنولوجيا العسكرية والتعاون العسكري بين طهران وموسكو، بالحرب في أوكرانيا متقدم، كما أن له صلة بالضربات الإيرانية التي وجهت إلى إسرائيل مؤخرا.
وقد زودت إيران روسيا بطائرات مسيرة هجومية تستخدمها لضرب أوكرانيا، وكانت هناك أيضاً طلبيات أسلحة أخرى أصغر حجماً تم تسليمها.
كما أن هذا التعاون العسكري التكنولوجي قد يرقى إلى مستوى مختلف، حيث يمكن لروسيا أن تبيع لإيران مجموعة من الطائرات المقاتلة من طراز سوخوي-35 (فلانكر)، والتي كانت في الأصل مجهزة من أجل صفقة مع مصر لكنها لم تتم.
وأبدت إيران اهتمامها بالحصول على هذه الطائرات التي من شأنها أن تجعل العمليات الجوية ضدها معقدة، فالقوات الجوية الإيرانية ليس لديها في الوقت الراهن سوى بضع عشرات من الطائرات المقاتلة، معظمها من الطرازات الروسية القديمة والطرازات الأمريكية التي عفا عليها الزمن منذ عام 1979.
وفي ربيع عام 2023، نقلت هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية (IRIB) عن موظف لم تذكر اسمه، في بعثة إيران لدى الأمم المتحدة قوله إن “الصفقة قد اكتملت بالفعل”، ولكن منذ ذلك الحين لم يتم الإعلان عن أي تقارير حول تسليم الطائرات إلى طهران.
ولا تزال أكثر من 20 طائرة مقاتلة متوقفة في مدرج مصنع كومسومولسك-أون-أمور للطائرات (KnAAZ)، عليها ألوان العلم المصري وفق ما أشار إليه مركز التحليل العسكري الروسي لتحليل الإستراتيجيات والتقنيات؛ ويُمكن رؤية هذه الطائرات حتى على خرائط جوجل.
كما يمكن لروسيا أن تنقل أنظمة دفاع جوي إلى إيران، مثل قاذفات الصواريخ قصيرة المدى “بانتسير-إس1” التي قد تستخدم في حماية أنظمة الدفاع الجوي الأطول مدى أو غيرها من الأهداف الحيوية، من الضربات الصاروخية الإسرائيلية.
وذكرت وثائق مخابراتية أمريكية سرية مفرج عنها في 2023، أن مجموعة المرتزقة الروسية فاغنر، كانت تخطط لنقل مثل هذا النظام إما إلى حزب الله أو إلى إيران.
ويقول نجار إن المصالح القومية والتموضع الجغرافي هي التي تحكم مواقف الدول فمنها المعارض بشدة و منها المؤيد و منها المحايد، لكن بالغالب تلك المواقف يسودها شيء من التشويش وعدم القدرة على تقدير العواقب، فمنطقة الشرق الأوسط أصبحت مصدراً للحروب والأزمات والمجاعة وكل المآسي في العالم و بناءً على الكعكة التي يتم الحصول على جزء منها تتصرف تلك الدول.
وتخضع روسيا، في الوقت الحالي، لعملية استنزاف كبيرة على الجبهات من جهة وعلى الصعيد الاقتصادي من جهة ثانية فلا بد لها والحالة هذه أن تعمل على مواقف مُرَكبة ( متعددة ) فهي من جهة توافق إسرائيل في حربها ضد حزب الله وإيران لكسب تعاطفها معها بالحرب الأوكرانية ومن جهة أخرى لا بد لها من إصدار تعليق على تلك الهجمات، فترى موقفها حيادياً وسطياً، وفقا لنجار.
لكن العقيد أيوب يقول إن الروس يعارضون ضرب إيران فهي حليفتهم، وتؤمن لهم الممر البحري في الخليج العربي، ومن الطبيعي أن يكون موقفهم مختلفا عن مواقف باقي الدول، فمعظم الدول التي تدعم إسرائيل هي تدعم الآن أوكرانيا والروس منزعجون جدا من سياسات الدول الغربية في قضية أوكرانيا، لذلك فإن موقفهم “ليس بريئا كثيرا”، فهم مناصرون لقضايا المنطقة بشكل عام ولكن من باب الحرص على التوازن، وذلك منذ زمن الاتحاد السوفياتي.
تنسيق الضربات مع إسرائيل ضد حزب الله
رغم الهزات العنيفة التي تعرضت لها العلاقات بين روسيا وإسرائيل بسبب موقف الأخيرة من غزو أوكرانيا، إلا أن موسكو أكدت استمرارها وتمسكها باتفاق التنسيق المبرم لتفادي الاصطدام مع الطائرات الإسرائيلية، والذي وقعه بنيامين نتنياهو مع بوتين منذ عام 2016.
ويلفت نجار إلى أن تمدد إيران داخل سوريا يزعزع من سيطرة روسيا عسكرياً و خاصة بعد سيطرة إيران على المشتقات النفطية ورفض توريدها المحروقات لمعمل السماد الآزوتي في حمص والذي تديره روسيا، كذلك إنشاء إيران لميناء بحري في مدينة طرطوس يعكر سيطرة روسيا على البحر السوري.
كما يشير إلى استمالة طهران لمعظم ضباط الأمن السوريين وكذلك العناصر ودفع مبالغ طائلة لتجنيدهم لدى مليشياتها، “فلا بد في هذه الحالة من كسر شوكة إيران وبما أنها حليف فلا يمكن إلا عن طريق إسرائيل”.
ولم تمتنع روسيا عن استخدام منظوماتها للدفاع الجوي فحسب، بل حدث شيئ ما من وراء الكواليس عطل صفقة منظومة إس – 300 التي اشترتها سلطة الأسد من الروس، ووصلت إلى الساحل السوري، دون أن تُستعمل ولو لمرة واحدة، في غموض يلف الموضوع.
بل حتى عندما لجأت إيران لاستعمال مطار حميميم، منذ أيام، من أجل إنزال شحنات الأسلحة بسبب استهداف إسرائيل للمطارات السورية، ضربت الغارات الإسرائيلية تلك الشحنات داخل المطار الروسي، فيما اعتبره البعض تحديا واضحا لموسكو والبعض الآخر تواطؤا.
وفي تعليقه على ذلك يتساءل نجار: “هل من المنطق والعقل قبول قصف شحنة الأسلحة الإيرانية داخل حميميم دون علم روسيا؟ و هل من المنطق أن تقدم إسرائيل على هذا الأمر دون دراسة العواقب و التباحث مع أمريكا؟”، معتبرا أنه قد “أصبح جلياً للمتابع الموافقة الروسية على ما يحصل سابقاً ولاحقاً”.
ما هو مستقبل التوافق الروسي – الإيراني؟
تباينت العلاقات بين الروس والإيرانيين في سوريا بين التحالف والتنافس والتضارب في المصالح، حتى أن بعض المحللين يرفضون وصف الجانبين بالحليفين، ويفضل كثيرون وصف العلاقة بينهما بالتوافق.
يقول نجار إن التوافق الروسي – الإيراني ليس في سوريا فقط بل كذلك في مناطق عديدة وعلينا أن نذكر في هذا المجال الممر الذي تطلبه تركيا للوصول لأذربيجان والذي يمر موازياً لحدود إيران التي تساند أرمينياً، فيما تقف روسيا حلاً وسطاً بين الطرفين لحل الموضوع.
كما لفت إلى أن روسيا لعبت نفس الدور بشأن المقترحات الخاصة بخروج القوات الإيرانية من سوريا والتي تم فيها طلب خروجها بالسلاح الخفيف فيما يتضمن الاقتراح الروسي أن يتم تسليم السلاح الثقيل لسلطة الأسد، بالتالي “الأمر لا يتعدى كونه ارتباطا واحدا من ضمن عدة ارتباطات متشابكة”.
وقال العقيد أيوب إن هناك ضغوطا اليوم تجعل روسيا تقف ضد الغرب في اتجاه معارضة ضرب لبنان وغزة وإيران، ولكن موقفها إعلامي أكثر منه عملي، إذ “ليس له مفاعيل على الأرض، رغم أنها موجودة في سوريا”.
وكانت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية قد نشرت مؤخرا تقريرا قالت فيه إنّ روسيا تقف إلى جانب حزب الله في لبنان وتدعمه ضد إسرائيل، لأنها “تتهم تل أبيب بقتل مدنيين لبنانيين يؤيدون الحزب ضد الغزو البري الإسرائيلي، فيما لم تكلف نفسها عناء إدانة الهجوم الإيرانيّ على إسرائيل قبل أيام”.
كما أشارت الصحيفة إلى أن “التعاون الروسي الإيراني بلغ الآن أعلى مستوياته على الإطلاق، وربما يقلق إسرائيل بسبب جوانبه الأمنية وعواقبه المحتملة، واعتماد روسيا العسكري المتزايد على إيران”.