شهدت مناطق ريف دير الزور الشرقي ارتفاعاً حاداً في عدد الإصابات بداء اللشمانيا، حيث تجاوزت الحالات المؤكدة 10,000 منذ بداية العام الحالي، وسط نقص حاد في الخدمات الطبية والدعم الصحي.
مصابون!
تروي “عبلة.ح”، من سكان بلدة “موزان” في ريف دير الزور الشرقي، قصة طفلتها “فاطمة”، التي تبلغ من العمر 12 عاماً، وتقول لـ “حلب اليوم”، إنها لاحظت ظهور بثور على رقبة طفلتها، “في البداية ظننت أنها مجرد حبوب عادية، فحاولت علاجها بطرق تقليدية باستخدام المعقمات وغيرها، لكن الحالة تفاقمت بسرعة، وانتشرت البثور على كامل الرقبة.”
وتضيف: “عندها قررت التوجه إلى المركز الصحي في البلدة، حيث تم تشخيص حالتها بأنها مصابة بداء اللشمانيا، ومن ثم بدأت في البحث عن طرق العلاج المتاحة، وبدأت باستخدام العلاج المجاني المتوفر، لكن الأمر يستغرق وقتاً طويلاً”.
يقول “ربيع.ل”، أحد سكان بلدة “الباغوز” في ريف دير الزور الشرقي، إن ابنه “محمد”، والذي يبلغ من العمر أربع سنوات، بدأ يعاني حكة شديدة وألم في جلده، وظهرت بثور على يديه، مشيراً إلى أنه أدرك إصابة طفله بداء اللشمانيا، بعد أن قام طبيب مختص بفحصه في البلدة.
وذكر أنه رغم تعافي “محمد” مؤخراً، إلا أن البثور تركت ندبات واضحة على يديه، وهذا الأمر يؤثر بشكل كبير على ثقته بنفسه، وقد يسبب له مشاكل نفسية في المستقبل، وفق قوله.
وطالب “ربيع” أثناء حديثه لحلب اليوم بزيادة الدعم والرعاية الصحية من قبل المنظمات الإنسانية لمساعدة الأطفال المتضررين من هذا المرض المنتشر في مناطقهم، مبيناً أنهم بحاجة ماسة إلى فتح مركز متخصص لعلاج داء اللشمانيا في مناطق ريف دير الزور الشرقي.
أرقام مرتفعة وجهود ضعيفة
مصدر طبي في لجنة الصحة التابعة للإدارة الذاتية بريف دير الزور الشرقي (رفض الكشف عن اسمه) قال لـ “حلب اليوم”: “يُعتبر ريف دير الزور الشرقي بؤرة رئيسية لانتشار داء اللشمانيا في السنوات الأخيرة.”
وأشار إلى ارتفاع ملحوظ في عدد الإصابات، حيث وصل العدد إلى أكثر من 10,000 حالة مؤكدة منذ بداية العام الجاري، وهذا يمثل زيادة بنسبة تصل إلى 60% مقارنة بالعام السابق، وفق قوله.
وذكر المصدر أن هذا الداء تحديداً يظهر بشكل رئيسي على شكل بثور جلدية على الوجه والأطراف، وغالباً ما تبدأ هذه البثور صغيرة، لكنها تتوسع مع مرور الوقت، مما يتسبب في آلام وحكة شديدة، إضافة إلى أنها تترك ندبات وتشوهات على الجلد حتى بعد الشفاء، مما يؤثر سلباً على الحالة النفسية والاجتماعية للمصابين.
وأشار المصدر إلى أن هناك عوامل متعددة تساهم في انتشار هذا المرض، من بينها ضعف البنية التحتية الصحية في المنطقة، إضافة إلى انتشار القوارض الحاملة للطفيلي المسبب للمرض، وضعف الوعي الصحي.
انتشار مقلق
من جهتها، أوضحت الطبيبة “سعاد العبدالله”، التي تعمل في مشفى هجين بريف دير الزور الشرقي، لحلب اليوم، أن انتشار داء “اللشمانيا” يتزايد بشكل مقلق في المنطقة، خاصة بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 8 إلى 15 سنة.
وأشارت إلى أن معظم الإصابات تتركّز في المناطق الشرقية من دير الزور، وهي المناطق الأكثر تضرراً نتيجة ضعف البنية التحتية الصحية ونقص الوعي حول الوقاية من المرض.
وأضافت أن التوقعات تشير إلى احتمال تجاوز عدد الإصابات في الأيام المقبلة، وأكدت أن هذه الزيادة إن حصلت فستشكل عبئاً كبيراً على المرافق الصحية التي تعاني من نقص في الأدوية والتجهيزات اللازمة لمكافحة المرض والحد من انتشاره.
دعم لا يكفي
بدوره، يقول “سمير.ر”، أحد العاملين في منظمة “مونتور” والتي تعمل في مجال مكافحة اللشمانيا شرقي دير الزور، لـ “حلب اليوم”: “إن مكافحة اللشمانيا تُعتبر من أولويات عمل المنظمة في دير الزور، ويدرك الفريق تماماً حجم المعاناة التي يسببها هذا المرض للسكان في المناطق المتضررة”.
ويضيف: “منذ ثلاث سنوات، تعمل المنظمة في المنطقة، وتركز على تقديم الرعاية الطبية المجانية للمصابين من خلال عيادات متنقلة ومراكز صحية ثابتة، حيث توفر الفحوصات اللازمة والأدوية بشكل مجاني للمرضى، إضافة إلى تنفيذ حملات توعوية لتعزيز الوعي بأعراض المرض وطرق الوقاية منه.”
ويبين أن الحملات تتضمن إرسال فرق ميدانية إلى المناطق الريفية، وتنفيذ برامج لمكافحة القوارض الناقلة للطفيلي المسبب للمرض، وتنفيذ حملات رش دورية لمكافحة الحشرات في المناطق المتضررة.
وأوضح أنه على الرغم من هذه الحملات، فإن انتشار داء اللشمانيا بشكل كبير يتطلب موارد وإمكانيات ضخمة، وأنهم يسعون جاهدين لتقديم أقصى ما يمكن من الدعم الصحي والإغاثي للسكان المتضررين من هذا الداء.
وشدد على أن المكافحة تتطلب تعاونًا مستمراً بين جميع الجهات المعنية، بما في ذلك الهيئات الحكومية والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المحلي، مبيناً أن العمل الجماعي هو السبيل الوحيد لتحقيق نتائج فعالة.
ورغم أن الإدارة الذاتية تسيطر على ريف دير الزور الشرقي، فإن الجهود المبذولة من طرفها لمكافحة انتشار هذا الوباء تُعتبر معدومة، وفقاً لمراسلنا، الذي يؤكد أن جميع المبادرات المتاحة لمكافحة الوباء تقتصر على المنظمات الإنسانية.
ويجمع سكان ريف دير الزور الشرقي مِمّن قابلهم مراسلنا، على أن قلة الدعم والتخطيط من قبل ما تسمى “الإدارة الذاتية” التي تعتبر الواجهة المدنية لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” هي من تعيق الجهود الفعالة للتصدي لهذا المرض.
وداء اللشمانيا هو مرض طفيلي ينتقل عن طريق لدغات ذبابة الرمل المصابة بطفيلي “اللشمانيا”، ويصيب الجلد أو الأعضاء الداخلية، إذ ينتشر المرض في المناطق الفقيرة التي تعاني من ضعف البنية التحتية الصحية وسوء الصرف الصحي، إلى جانب قلة الوعي الصحي وندرة الرعاية الطبية المناسبة.