لا تزال أزمة مخيم الركبان الواقع على الحدود السورية مع الأردن والعراق تتفاقم منذ سنوات، فيما تدعو المنظمات الإنسانية لإيجاد الحلول لأكثر من 8,000 نازح سوري محاصرين هناك، وسط إهمال دولي كبير.
ويتم توجيه الاتهام عادة لروسيا وسلطة الأسد بحصار المخيم، لكن منظمة العفو الدولية “هيومن رايتس ووتش” تؤكد أن الولايات المتحدة ملزمة أيضا بالمساعدة بحكم سيطرتها على منطقة ال55، إلا أنها تحجم عن ذلك.
ولا يقتصر الأمر على الإحجام عن المساعدة، بل يصل إلى حد المشاركة في الحصار، وفقا لما قالته يمن حلاق الباحثة في الشبكة السورية لحقوق الإنسان، لموقع حلب اليوم، حيث أكدت أن كلا من سلطة الأسد والقوات الأمريكية مسؤول عن الحصار، فضلا عن الأردن التي يقع المخيم على حدودها.
وتدهور الوضع الإنساني في الركبان بشكل حاد بعد تشديد سلطة الأسد حصارها على المنطقة المحيطة منذ عام 2015، حيث يعاني سكانه من نقص حاد في الغذاء والمياه النظيفة والرعاية الصحية.
المخيم في نطاق سيطرة القوات الأمريكية
وقالت هيومن رايتس، في تقرير نشرته اليوم الاثنين، إنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تقدم، وبشكل عاجل، مساعدات إنسانية لمخيم الركبان المعزول والمحاصر، والذي يقع في نطاق سيطرة الولايات المتحدة الفعلية على الحدود السورية مع الأردن والعراق، ويفتقر إلى ما يكفي من الغذاء أو المياه النظيفة أو الرعاية الصحية.
وقد تدهور الوضع الإنساني المتردي أصلًا في المخيم بشكل حاد في الأشهر الأخيرة بعد أن شددت سلطة الأسد الحصار الذي فرضته على المنطقة المحيطة بالمخيم منذ عام 2015، وأقامت نقاط تفتيش أغلقت طرق التهريب غير الرسمية التي يعتمد عليها سكان المخيم للحصول على الإمدادات الأساسية.
وأشارت الحلاق إلى أن حالة النازحين بالمخيم مأساوية جدا فهم موجودون بمنطقة قاحلة صحراوية الإمدادات فيها قليلة جدا، فيما تُدخل المنظمات ما تقدر عليه من المواد للمخيم ولكن كمية المساعدات جدا متواضعة مقارنة بحجم الاحتياجات.
ومضت بالقول: “نسمع من فترة لأخرى أن هناك أطفالا ورضعا يموتون بالمخيم نتيجة نقص الغذاء و عدم وجود الرعاية الصحية المناسبة.. باختصار الوضع سيء جدا جدا في المخيم و ما يدخل له من المساعدات لا يكفي السكان على الإطلاق فهم بحاجة للغذاء وبحاجة للرعاية الصحية.. بحاجة لأن يتم إجلاؤهم من المنطقة”.
وأكدت الباحثة السورية أن باستطاعة الولايات المتحدة أن تلعب دورا في إخراج النازحين من المخيم، وتستطيع أيضا أن تدخل مساعدات بشكل أكبر يحقق الكفاية، “لكنهم لا يقومون بالدور الذي يجب عليهم القيام به”.
ورغم ذلك فإننا “لا نستطيع أن نعلق المسؤولية على جهة واحدة فقط.. الولايات المتحدة تلعب بالتأكيد دورا في هذا الحصار، و الأردن ترفض أيضا استقبال النازحين بل بحسب بعض التقديرات يتم ترحيل بعض النازحين من الأردن إلى مخيم الركبان، فالمسؤولية مشتركة من كل تلك الجهات”.
وكانت آخر قافلة إنسانية تابعة للأمم المتحدة سمحت سلطة الأسد بدخولها إلى المخيم قبل ما يقرب من خمس سنوات في سبتمبر/أيلول 2019.
ويدير الجيش الأمريكي قاعدة عسكرية بالقرب من مخيم الركبان، ويتمتع بسيطرة فعلية بحكم الأمر الواقع على المنطقة التي تبلغ مساحتها 55 كيلومترًا، وهي التي تقع عليها القاعدة والمخيم، ولذلك – تقول هيومن رايتس – فإنه في ضوء تقاعس الحكومات الأخرى في مجال حقوق الإنسان، فإن حكومة الولايات المتحدة ملزمة، بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، بضمان حصول سكان المخيم على الإمدادات الأساسية.
ماذا عن الأردن؟
ترفض الأردن منذ سنوات فتح الحدود أمام النازحين المحاصرين في المخيم للجوء إلى أراضيها أو العبور نحو جهة ثالثة، فيما يطالب قاطنوه بترحيلهم إلى أي مكان غير مناطق سيطرة سلطة الأسد.
وكان الشمال السوري من بين الجهات التي أكد نازحو المخيم رغبتهم في الخروج إليها، كما أبدوا رغبتهم في إعادة توطينهم بدول اللجوء.
لكن الحدود المغلقة جنوب المخيم، تحول منذ سنوات دون إفراغه، فيما تقول الحكومة إن الحدود مسألة أمن قومي، وتعرب عن تخوفها من وجود خلايا نائمة لتنظيم الدولة في المخيم – بحسب ادعائها.
وبحسب حلاق فإن ذلك لا يُخلي جانب عمان من المسؤولية كما أنها لا تقع فقط على الأردن ولكن أيضا على سلطة الأسد والولايات المتحدة الأمريكية، فهما الجهتان اللتين تستطيعان إخراج النازحين من الركبان وإنهاء أزمتهم لكنهما يتركان الوضع معلقا.
ولا تتوفر معلومات لدى الشبكة السورية لحقوق الإنسان حول أعداد النازحين ممن خرجوا من المخيم باتجاه مناطق سيطرة الأسد، تحت ضغط الحاجة والجوع، ولكن “خلال هذا الشهر ادعت روسيا أنها أمنت خروج 26 نازحا، وهذا عدد قليل جدا جدا، مقارنة بالأعداد الهائلة الموجودة بالمخيم والتي تقدر بحوالي 8000 شخص غالبيتهم من النساء والأطفال” وفقا لحلاق.
ولكن “مع الأسف – تضيف الباحثة – فإن كل الحدود مغلقة أمامهم بما فيها الحدود الأردنية فيما ترفض أي جهة استقبالهم، وتستطيع الولايات المتحدة الأمريكية أن تلعب دور إيجابيا في هذا الملف، مثل إخراج أشخاص أكثر من مخيم الركبان لكنها لا تفعل ذلك”.
من جانبها قالت آية مجذوب، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: “من غير المعقول أن آلاف الأشخاص، بما في ذلك الأطفال، عالقون في أرض قاحلة يكابدون من أجل البقاء دون الحصول على الضروريات المنقذة للحياة. إن سكان مخيم الركبان هم ضحايا الحصار الوحشي الذي تفرضه سلطة الأسد، وقد مُنعوا من الحصول على ملاذ آمن، أو واجهوا عمليات ترحيل غير قانونية على أيدي السلطات الأردنية، وقد قوبلوا بلا مبالاة واضحة من قبل الولايات المتحدة”.
وكان نحو 80 ألف شخص يعيشون في مخيم الركبان قبل أن يغلق الأردن حدوده مع المنطقة في عام 2016، وقد تضاءل هذا العدد اليوم إلى 8,000 شخص حيث غادر معظمهم بسبب الظروف المزرية، وعلى الرغم من المخاطر الجسيمة التي تواجههم في مناطق سيطرة الأسد، بما فيها التصفية والاعتقال لم يكن أمام عشرات الآلاف خيار سوى تحمل تلك المخاطرة.