تستمر حالة التسخين على الجبهة الجنوبية للبنان، وسط توتر مستمر منذ أسابيع، فيما تتباين المؤشرات حول إمكانية امتداد شرارة المواجهات بين إسرائيل وحزب الله – فيما لو اندلعت – إلى الجنوب السوري، حيث تسيطر الميليشيات الإيرانية على المنطقة.
وقد أوقفت إيران الزيارات إلى المراقد التي تسيطر عليها ميليشياتها في سوريا، وقال رئيس “منظمة الحج والزيارة” الإيرانية، عباس حسيني، إن توقف إرسال الحجاج جاء “لأسباب أمنية” في انتظار عودة “الأمن الكامل لذهاب الحاج وعودته بسهولة”.
وفي تصعيد هو الأكبر ربما منذ عام 2006، أعلن الجيش الإسرائيلي أن عشرات الطائرات الحربية قصفت أهدافا لحزب الله في جنوب لبنان، في وقت متأخر من مساء أمس السبت، بينما دعا بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، إلى عقد اجتماع أمني في مقر الجيش الإسرائيلي بتل أبيب.
وفي تعليقه على تلك المستجدات، يرى المحلل والباحث السياسي المختص بالشؤون الإيرانية، مصطفى النعيمي، في إفادته لحلب اليوم، أن المنطقة مقبلة على أحداث واسعة النطاق، وليست مجرد مناوشات محدودة.
هل تصل النيران لسوريا؟
مع الضربة القاسية التي تلقتها “وحدة الرضوان” التابعة لميليشيا حزب الله مؤخرا، تبرز الأسئلة حول ما إذا كانت ألسنة اللهب ستصل إلى الأرض السورية.
وتنتشر تلك الوحدة قرب الجولان السوري المحتل، في جنوبي البلاد، وتعتبر قوات النخبة في الميليشيا، وتشير التقديرات الإسرائيلية إلى مقتل كامل قيادييها، في انفجارات أجهزة الاتصال، والغارات الجوية على الضاحية الجنوبية.
ويرى النعيمي وهو باحث مشارك في المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، أن “مروحة الاستهدافات لن تقتصر على المنطقة الجنوبية من لبنان وأن الأهداف القادمة ستكون في سوريا كمرحلة أولى وذلك نظرا لأن الميليشيات الموجودة في سوريا انخرطت بشكل مباشر في الصراع من خلال استخدام الطائرات المسيرة”.
وقد قامت تلك الميليشيات باستهداف منطقة الجولان المحتل، وبالتالي فإن “الذريعة الإسرائيلية من أجل استهدافها باتت واضحة من خلال البيانات الرسمية التي تطلقها تلك الميليشيات إضافة إلى ما يطلق عليها فصائل المقاومة الإسلامية في العراق”، والتي أعلنت عن تحرك بدا مفاجئا لبعض المراقبين، ضد القوات الإسرائيلية بالمنطقة.
وكانت تلك الميليشيات قد أبرمت اتفاقية تهدئة مع واشنطن عبر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني والتي نصت على عدم استهداف المصالح الأمريكية في المنطقة العربية لكن “انخراطها بشكل مباشر اليوم واستهداف منطقة غور الأردن هو دلالة واضحة على انخراطها المباشر في العمليات العسكرية للدفاع عن ميليشيا حزب الله وبالتالي نظريا ما يطلق عليها وحدة الساحات اليوم تطبق للدفاع عن الميليشيا بينما لم تطبق عندما كانت هنالك عمليات عسكرية باتجاه غزة”.
وحول إمكانية انزلاق المواجهات إلى الحرب على الجبهة اللبنانية أو السورية، قال النعيمي إنه يعتقد أن المنطقة العربية “أصبحت ضمن مستوى حافة الهاوية وكل المؤشرات التي تنطلق من المنظومة الدولية برمتها تشير بشكل واضح إلى أنها قادمة على حرب واسعة النطاق”.
وكانت العديد من الدول قد حذرت مواطنيها من البقاء في لبنان، فيما تجلي واشنطن رعاياها وكذلك أيضا بريطانيا والأردن، وهو ما يرى فيه الباحث السوري دليلا على أن “المناخ السائد اليوم هو مناخ الحرب” والمؤشرات ما زالت تتوالى تجاه توسيع نطاق تلك الحرب خاصة وأن ميليشيا حزب الله اليوم استخدمت صواريخ وبأعداد كبيرة جدا باتجاه القواعد العسكرية الاسرائيلية رامات دافيد وباتجاه حيفا مما يدلل على أن الجانب الإسرائيلي يبحث عن ذرائع التوغل”.
ويرجح النعيمي أن هذه الذرائع ستدرس وعلى أعلى المستويات من قبل صانع القرار في تل أبيب وتحديدا حكومة الحرب وربما عصر اليوم سيكون هنالك اجتماع على أعلى المستويات في الكابينت وذلك لمناقشه تداعيات استخدام ميليشيا حزب الله صواريخ لأول مره وهي “فادي واحد” و”فادي اثنان” ذات المصدر الإيراني والتي استهدفت القواعد العسكرية وأدت إلى اشتعال الكثير من الحرائق في محيط تلك القواعد.
وقد يؤشر “التجرؤ المباشر على استخدام هذه الصواريخ وإلحاق الأضرار الكبيرة بالجانب الإسرائيلي على صعيد البنية التحتية إلى إمكانية حدوث انتقام واسع النطاق تقوده تل أبيب بمشاركة واشنطن لضرب أهداف كبيرة ذات بعد عسكري وعلى مستويات عليا لم تعد تقتصر على العمليات الدفاعية”.
كما يرى النعيمي أن تلك المواجهات انتقلت إلى مرحلة الهجومية وتقع ضمن المستوى الوقائي في تدمير أكثر من 300 منصة إطلاق صواريخ من جنوب لبنان باتجاه إسرائيل إضافه إلى ضربات استباقية طالت أكثر من 200 منصة كانت معدة للإطلاق.
ويشكل “انطلاق تل أبيب إلى مستوى الضربات الوقائية بحد ذاته رسالة إلى محور إيران مفاده أننا قادرون على إجهاض أي عملية عسكرية تجاهنا وإن تسربت بعض الصواريخ ووصلت إلى أهدافها فلن تكون ذات تأثير عال، لكنه منح تل أبيب هذه الذريعة للتوغل بشكل أكبر في داخل الجغرافيا اللبنانية في المرحلة الأولى ومن ثم إلى الجغرافيا السورية”.
هل يستطيع الأسد أن ينأى بنفسه عن المواجهة؟
تحدثت التحليلات العسكرية على مدى العقود الماضية، عن سياسة “تقليم أظافر” تتبعها إسرائيل في التعامل مع إيران والميليشيات، لكن الأمور تبدو بالنسبة لبعض المراقبين اليوم، كما لو أنها تمثل تغيرات مفصلية.
ويؤيد الباحث السوري هذا الطرح، حيث “لم تعد تل أبيب تتعامل مع المحور الإيراني بمكوناته متعددة الجنسيات ضمن نطاق مصطلح تقليم الأظافر سياسيا وإنما طبيعة العمليات والردود الإسرائيلية اليوم انتقلت من مرحلة جذّ العشب او استهداف فائض القوة الإيرانية إلى اقتلاع العشب في المرحله الأولى وربما قد تتناغم مع عمليات عسكرية موازية لها في الجبهة السورية و لاحظنا ذلك من خلال الاجتياح البري الجزئي لأكثر من 200 متر، حيث تم بناء السواتر الترابية والخنادق وتموضع الجيش الإسرائيلي في محافظة القنيطرة بالقرب من منطقه جبات الخشب”.
ويمثل ذلك “رسالة واضحة لسلطة الأسد بضرورة عدم الانخراط في هذه العملية العسكرية لكن انطلاق المسيرات من داخل السماء السورية بحد ذاته رسالة واضحة من قبل المحور الإيراني بأننا سنقوم بالدفاع عن حزب الله وبالتالي الجيش الإسرائيلي مضطر للتعامل مع كل الأهداف السورية بما فيها سلطة الأسد والميليشيات الرديفة له”.
يضاف إلى ذلك ميليشيا محور إيران و”ربما قد نشهد عمليات استهداف جوية عبر مقاتلات إسرائيلية من الجيل الخامس تحمل قذائف صاروخية من طراز جي بي يو 27 أو حتى عبر استخدام طائرات مقاتلة من طراز إف 15 والتي تحمل قذائف صاروخية من طراز ام كي 84 والتي استخدمتها في استهداف البنيه التحتية والصحية في قطاع غزة والتي أحدثت دمارا هائلا”.
وفي خضم ذلك تتحدث تقارير عدة عن تعليمات إسرائيلية للأسد بالوقوف على الحياد في المواجهة مع إيران، كما تتحدث تقارير عن رغبة ضمنية من قبله في تحجيم نفوذها، فيما يقبع تحت سيطرة طهران.
ويرى النعيمي أن الأسد “لا يستطيع الخروج من العباءة الإيرانية نظرا لأن إيران هي من تدير المشهد في سوريا بشكل عام وعلى المستويات العسكرية والاقتصادية والسياسية، فبالتالي إن انفكت سلطة الأسد عن طهران فحتما ستلاقي الموت”.
وتراهن إيران – وفقا للباحث السوري – على عدم انفكاك الأسد من الضغط المستمر بحيث تستخدم الأراضي السورية منطلقا للعمليات العسكرية باتجاه قوات التحالف الدولي وإسرائيل، وهذا بحد ذاته يشكل عامل ضغط عليه من قبل المنظومة الدولية.
ويبدو أن “استمرار الاستنزاف من قبل ميليشيا محور ايران عبر الجغرافيا السورية سيكون بمستويات أعلى من السابق نظرا لان سلطة الأسد غير قادرة على منع تحرك تلك الميليشيات فبالتالي ستتعرض سلطة الأسد لغارات تستهدف بنيتها العسكرية والبنية التحتية لقواتها المنتشرة في الجغرافيا السورية والثمن سيكون أكبر من السابق”.
والسبب الرئيسي في ذلك هو أن “ما يطلق عليها فصائل المقاومة الإسلامية في العراق تستخدم الأراضي السورية منطلقا لها بالرغم من وجود اتفاقيه تهدئة مع واشنطن واستمرار الخروقات من تلك الميليشيا سيجبر واشنطن على الرد المباشر على تلك التحركات عبر توجية ضربات ربما تبدأ عبر المقاتلات وتنتقل إلى مستوى القاذفات الإستراتيجية وهذا ما حصل، بعد الرد على استهداف قاعدة البرج 22 والتنف والتي راح ضحيتها أكثر من أربعه أمريكيين إضافة إلى 35 جريحا”.
يشار إلى دعوة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش بشكل غير معتاد للمشاورات الأمنية، بعد تنفيذ سلسلة من الغارات الجوية على أهداف تابعة لحزب الله في جنوب لبنان، أمس، حيث قال الجيش إنه استهدف طوال اليوم “400 منصة صاروخية” لحزب الله شملت آلاف الفوهات لإطلاق الصواريخ.