تتزايد مؤشرات التصعيد بين كل من إسرائيل وإيران متمثلة بأذرعها في المنطقة، وفي مقدمتهم حزب الله، وسط خلافات في وجهات النظر بأوساط المتابعين والمحللين، حيث تباينت التوقعات بين اندلاع حرب مفتوحة وبين تحجيم المواجهة كخيار إستراتيجي للطرفين.
ورغم كل الضربات الإسرائيلية الجوية على مواقع إيران وميليشياتها في المنطقة، لا يزال هناك الكثير ممن يشككون في حقيقة العداء بين الجانبين، حيث يرون أنه لا يتعدى الخلافات وتقليم الأظافر والأجنحة، فيما تبقى سوريا دائما في قلب الأحداث الجارية.
ومع الضربة الكبيرة التي تلقتها ميليشيا حزب الله أمس، عبر تفجير أجهزة الاتصال التي كانت بحوزة عناصرها، عاد الحديث عن اندلاع الحرب، خصوصا وأن الأرضية كانت مهيأة لذلك في جنوب لبنان.
غير أن استقدام مزيد من الحوثيين إلى سوريا، وسط أجواء التوتر بالمنطقة، يلقي بظلاله على تصاعد الأحداث بالفعل، ويشير ربما لتوسع رقعة الصراع حلال المرحلة الحالية.
وقال المحلل والخبير العسكري والإستراتيجي أحمد حمادة، لموقع حلب اليوم، إن “الحرب الشاملة ليست من اختصاص إسرائيل أو حزب الله”، موضحا أن هناك دولا في مقدمتها الولايات المتحدة وإيران لا تريد الانزلاق لتلك الحرب.
ولفت إلى أن الولايات المتحدة التي سترسل وزير دفاعها في الأسبوع المقبل إلى إسرائيل، ستكون حريصة ألا تندلع مواجهات واسعة، كما أنها اليوم في حالة انتظار للانتخابات المقبلة، حيث تترقب الفائز في سباق الرئاسة، وسيكون لتلك النتائج تأثير على المنطقة.
ضربة مؤلمة
أقر وزير الصحة اللبناني، في مؤتمر صحفي عقده صباح اليوم الأربعاء، بورود ما بين 2750 و2800 جريح إلى المستشفيات أمس، وذلك “خلال نصف ساعة” فقط، من وقوع الهجوم، مبينا أن عدد الإصابات الخطيرة بلغ نحو 300، وقد “أجريت 460 عملية جراحية حتى الآن معظمها في العيون والوجه”.
وفي إشارة غير مباشرة إلى كون العدد الأعظمي من هؤلاء هم عناصر بميليشيا حزب الله، قال الوزير اللبناني، إن “من بين من أصيبوا في تفجيرات أجهزة الاستقبال نساء وأطفال وليس فقط عناصر من الحزب”.
من جانبه ذكر موقع المونيتور أن عدد جرحى ميليشيا حزب الله أمس، بلغ 3000 عنصرا، جراء تفجير أجهزة الاتصال.
ورغم ذلك لم يتم تسجيل أية ردود على الضربة حتى لحظة نشر التقرير، باستثناء “اعتراض الدفاعات الجوية الإسرائيلية طائرتين مسيرتين تابعين لحزب الله فوق منطقتي طبريا ونهاريا”.
وبينما قصفت طائرات إسرائيلية عدة بلدات بجنوب لبنان، قال وزير الخارجية الأردني إن “إسرائيل تدفع المنطقة برمتها إلى هاوية حرب إقليمية”.
ومع كل ما سبق يرى حمادة أن هذا التصعيد الذي حدث مؤخرا وخاصة انفجارات أجهزة الاتصال أمس التي أودت بعدد كبير من ميليشيا حزب الله، سيعقبه تصعيد آخر، “لكنه لن ينزلق إلى مواجهة مفتوحة، لأن هناك أهدافا محددة لدى إسرائيل تريد تحقيقها” فقط.
وتتلخص تلك الأهداف في “إبعاد حزب الله عن الحدود مع إسرائيل، ومنعه عن دعم الفصائل الفلسطينية في غزة، وتوقيع اتفاق عودة المستوطنين إلى الشمال”.
وقال مراسل الجزيرة إن صفارات الإنذار دوت عدة مرات منذ صباح اليوم الأربعاء في عدد من البلدات بالجليل الأعلى شمالي إسرائيل، للتحذير من إطلاق صواريخ من لبنان، فيما تحدثت مصادر إسرائيلية عن سماع صوت انفجار ضخم قرب صفد في الجليل، قبل أن يتم الإعلان لاحقا عن سقوط صاروخ بالمنطقة أطلق من لبنان.
وتوعدت ميليشيا حزب الله إسرائيل بـ”حساب عسير” ردا على هجوم أجهزة (البيجر) اللاسلكية، فيما سيلقي أمينه العام حسن نصر الله كلمة في الساعة الخامسة عصر يوم غد الخميس.
الحوثيون والجبهة السورية
ذكرت مصادر إعلامية روسية وأخرى إسرائيلية، منذ أيام، أن مسلحين من ميليشيات الحوثي اليمنية المدعومة من إيران، وصلوا مؤخرا إلى سوريا، فيما تسود حالة تأهب قصوى صفوف الجيش الإسرائيلي والاستخبارات والقيادة الشمالية.
وقالت القناة 14 الإسرائيلية إن الجيش سينقل الثقل الأمني والعسكري من قطاع غزة إلى الجبهة الشمالية، فيما ذكر موقع واللا الإسرائيلي أن جنود احتياط تلقوا أمر “8” للتجند الفوري وحالة تأهب في غرف الاستنفار ووحدات الجيش.
ويشير حمادة إلى أن هناك معلومات بأن ميليشيا حزب الله تنسحب من منطقة القنيطرة، ولربما سيأخذ الحوثيون مكانهم، مضيفا أن علينا أن ننتظر لنرى ما ستؤول إليه هذه الأوضاع.
لكنه أضاف أن الحوثيين دائما ما يأتون إلى سوريا، حيث كانت لهم معسكرات قديمة في منطقة السيدة زينب وشرقيها، يتدربون فيها على الأسلحة وعلى الصواريخ والمسيرات، موضحا أن “استقدامهم جزء من دعم أذرع إيران في المنطقة، ربما ليأخذوا مكانا معينا ضمن ما يسمى وحدة الساحات وغير ذلك”.
ولا يرى المحلل الإستراتيجي السوري أن هناك أهمية فارقة وكبيرة لوصول نحو خمسين عنصرا – على سبيل المثال – من الحوثيين لسوريا، وربما يكونوا قد أتوا للتدريب أو من أجل أخذ موقع معين مع حزب الله وبعض الميليشيات.
لكن المصادر لا يبدو أنها تتحدث عن خمسين عنصرا فقط، رغم عدم تحديدها للعدد، حيث قالت وكالة الأنباء “ريا نوفستي” الروسية يوم الجمعة الفائت إن الحوثيين بدأوا في إرسال قوات إلى سوريا عبر الأردن للمواجهة مع إسرائيل من أراضيها، مضيفة أن “نهاية الأسبوع الماضي تميزت بغزوهم للمنطقة”.
وبحسب التقرير، فإن هذه القوات هي الأكثر تدريباً عسكرياً لإطلاق هجماتها نحو المستوطنات الإسرائيلية، وقد “تدربت على استخدام السيارات المصفحة والمدافع وتشغيل المسيرات”.
من جانبه نقل موقع i24NEWS الإسرائيلي عن “مسؤول كبير في جنوب سوريا” قوله إنه “في الأيام الأخيرة، وصل حوثيون من العراق إلى جنوب البلاد – لفتح جبهة إطلاق نار جديدة- باستخدام طائرات مسيرة ضد إسرائيل”.
أما عن التوقعات بشأن المرحلة المقبلة فيرى حمادة أن إيران وأذرعها “تريد أن تحصد شيئا سياسيا في المنطقة وأن تحافظ على هذه الأذرع وخاصة حزب الله، وبالتالي فهي لن تدخل الحرب نهائيا إلا إذا رأت أن حزب الله ينهار فربما حينها تتدخل وتدعمه عبر أذرع أخرى موجودة في هذه المنطقة”.
وكان يوآف غالانت وزير الدفاع الإسرائيلي، قد قال أمس للمبعوث الأميركي آموس هوكستين، إن “الوقت ينفد للتوصل إلى اتفاق مع حزب الله”، مشددا على أن “العمل العسكري هو السبيل الوحيد المتبقّي لضمان عودة سكان شمال إسرائيل إلى بيوتهم”.