أثار عدد من الإعلاميين السوريين ضجة واسعة في الأوساط الإعلامية، بشأن المدرسة العليا للصحافة في باريس، والتي تخرّج منها عشرات السوريين بالإضافة للعرب؛ بسبب الانتقادات حول مدى أكاديميتها وحصول شهادتها على الاعتراف محليا ودوليا.
وقالت المدرسة، في بيان إنها تنفي الاتهامات جملة وتفصيلا، مبدية استغرابها من تحقيق نشره موقع “الجزيرة نت” قال إنها “باعت الوهم لعشرات الصحفيين السوريين”، فضلا عن العرب.
وكان عدد من الخريجين قد أكدوا أنهم فوجئوا برفض الجامعات، طلبهم للتسجيل لديها لدراسة الدكتوراه، حيث تم الرد عليهم بأن المدرسة (ESJ) لا تؤهلهم لذلك.
وحول تلك المسألة، قال الدكتور رياض مسعسع الأستاذ السابق بجامعة السوربون الفرنسية، والرئيس السابق لرابطة الصحفيين السوريين، لحلب اليوم، إنه حذّر الشبان السوريين من التسجيل في تلك المدرسة، مبينا أن شهاداتها “غير معترف بها”.
لكن سيف عزام، الصحفي السوري المقيم في فرنسا، والذي يعمل بقناة “فرانس ٢٤”، قال في تعليقه على الموضوع، لموقع حلب اليوم، إن هذا الأمر طبيعي ولا يسيء للمدرسة، موضحا أنها تقدم شهادة “ماستر مهني” أو “بروفيشنال” وهو لا يؤهل لنيل الدكتوراة، مضيفا أن الماستر نوعان في فرنسا، إما أن يكون مهنيا يشمل الدراسة مع التدريب، أو أن يكون بحثيا وهو ما يؤهل للدكتوراه والأبحاث، كما أن إدارة الجامعة لها الخيار في قبول أو رفض من تشاء.
من جانبه قال فيصل الشريف أحد خريجي المدرسة إن ما قيل حولها مبالغ فيه، واصفا الأنباء التي أثيرت عنها بغير الدقيقة، ورغم تأكيده وجود جوانب محقة في التقرير الذي ينتقدها، قال عزام إن ما ورد عن مشاكل كثيرة وأخطاء كان في عهد الإدارة السابقة، وإن هذا الوضع تغير جذريا مع الإدارة الجديدة.
ماذا عن الاعتراف بشهادة التخرج؟
أعرب العديد من الشبان العرب واللاجئين والسوريين، ممن التحقوا بالقسم العربي من المدرسة، عن صدمتهم بعد الدراسة فيها لمدة عامين، حيث تم دفع رسوم تتراوح بين 2000 و 4000 يورو للتسجيل فضلا عن المجهود والتكاليف التي بذلوها، قبل أن يُفاجأوا “بعدم الاعتراف بالشهادة”، وفقا للتحقيق.
ولكن فيصل الشريف، الذي تخرج منذ نحو عام من المدرسة، قال إن “أول ما نسأل عنه قبل التسجيل هو الاعتراف، حتى لا نضيع وقتنا وجهدنا هباء”، نافيا صحة ما قيل حول عدم وجود قيمة للشهادة.
واتهمت المدرسة الجزيرة بنشر “ادعادءات مضللة وباطلة”، مضيفة أن “هذه هي الهجمة الثالثة التي تتعرض لها المدرسة في الآونة الأخيرة”، وأوردت أيضا ما قالت إنه وثائق رسمية تدحض التقرير.
وبحسب فيصل الشريف فإن هناك شخصيات مهمة ومعروفة في أوساط الصحفيين ممن درس وتخرج من المدرسة معه، مثل صهيب شراير الصحفي بقناة العربية الحدث والكثير من الإعلاميين في قنوات مهمة عربية ودولية.
وقالت المدرسة إن المعتصم الكيلاني حصل منذ أيام على شهادة الماجستير في العلاقات الدولية منها، وهو خبير قانوني مقيم في باريس ومتخصص في مجال حقوق الإنسان والقانون الجنائي الدولي، ويعمل أيضًا كمستشار قانوني للمركز الأمريكي لدراسات الشرق الأوسط.
كما قالت إن المذيعة المعروفة في قناة العربية، راوية القاسم، “تمكنت بعد نيلها شهادة الماجستير في الصحافة من مدرستنا، من الحصول على مقعد لاستكمال الدكتوراه في جامعة حكومية إسبانية”، مضيفة أن الدكتور سمير العيطة انضم إلى كادرها التدريسي موخرا، في قسم العلاقات الدولية.
إلا أن الصحفي السوري أحمد كامل، الذي عمل سابقا في bbc و france24 أكد أمس الأول أن العيطة “غادر المدرسة العليا للصحافة في باريس، بعد شهر من احتفالها بانضمامه إلى هيئتها التدريسية”، واصفا ما جرى بالفضيحة، وبأنه “هروب من السفينة الغارقة”.
كما أكد أن قائمة المكتب الوطني الفرنسي للمعلومات حول التعليم والمهن (تابع لوزارتي التعليم العالي والتربية) تضم المدارس غير المعترف بها في فرنسا، ومن ضمنها “المدرسة العليا للصحافة في باريس”، مضيفا أنها “نصبت آلاف الدولارات على ٢٠٠ طالب عربي، كثير منهم سوريون”، متهما “أعضاء في رابطة الصحفيين السوريين، المكلفة بالدفاع عن الصحفيين السوريين” بأنهم ساعدوها بذلك.
وحول مسألة “التوظيف” بعد التخرج، قالت المدرسة إنه لا علاقة له باعتراف وزارة العمل والتعليم العالي الفرنسيتين بالمدرسة العليا للصحافة في باريس، حيث “يحق لجميع مقدمي التدريبات التقدم للاعتراف” أمام اللجنة (اللجنة الوطنية المشتركة لتوظيف الصحفيين).
لكن الدكتور مسعسع أكد أن النظام التعليمي في فرنسا يشمل الجامعات و المدارس الكبرى و منها مدرسة الصحافة حيث يتم الدخول فيها بمسابقات، أما الجامعات فيتم الدخول فيها بشهادات معترف بها، “فإن كان لديك “ليسانس” من جامعة معترف فيها فمن الممكن أن تسجل بالجامعة لتحصل على ماستر ثم الدكتوراة، لكن في فرنسا هناك مدارس مختلفة من الممكن أن تعلمك مهنة ما، مهما يكن شكل هذه المهنة؛ صحافي.. اقتصادي.. إلخ، إلا أن شهاداتها لا تُدخلك الجامعة”.
وأضاف مسعسع وهو حاصل على الدكتوراه في الصحافة والإعلام من جامعة السوربون الفرنسية الشهيرة، أن “شهادات تلك المدارس غير معترف فيها رسميا من قبل النظام التعليمي الفرنسي.. أي أن هذه المدارس عبارة عن مدارس تجارية، تأخذ منك مبلغا ما وتعطيك بعض المعلومات عن طريق بعض الأساتذة، ومنها طبعا الصحافة”.
من جانبه قال “فيصل الشريف” إن نظام التعليم في فرنسا “ليس نظاما واحدا فهناك عدة أنظمة للتعليم.. هناك التعليم الجامعي الحكومي و التعليم الجامعي الخاص، وهناك أيضا “المدارس العليا” وهي “علميا وأكاديميا أعلى مستوى من الجامعات، ففي كل فرنسا توجد 17 مدرسة منها فقط”.
كما أكد أنه يعرف شخصا صدّق شهادة تخرجه من هذه المدرسة عبر وزارة التعليم العالي ومن وزارة الخارجية الفرنسية، مضيفا أنه حصل على الماستر بالعلاقات الدولية منها، وقبل ذلك حصل على ماستر آخر من مدرسة أخرى أيضا في باريس.
بدورها قالت سماح أبو باكير وهي من خريجي المدرسة، في منشور على فيس بوك، إن الكثير من اللغط ثار في أوساط الطلاب حول الاعتراف بالشهادة، لتطلب إدارتها منهم تصديقها لدى وزارة التجارة!، متحدثة عن الكثير من الأخطاء في المناهج والتدريس.
وبحسب تحقيق قناة الجزيرة فإن القسم العربي من المدرسة “ينشط تحت غطاء المدرسة الفرنسية الأم في باريس، لكنه تابع لشركة مسجلة في بريطانيا، ويديرها رئيس المدرسة الفرنسية الأم”، حيث أن “هذه المعلومات أكدها حسن البيتي، وهو صحفي يمني كان من بين طلاب الدفعة الأولى في المدرسة”.
من جانبه قال الصحفي السوري نورس عزيز، إن “التضليل واضح في شهادة (ماجستير) الصحافة التي منحتها مدرسة الصحافة العليا في باريس عام 2022”.
وأشار إلى أن كلمة MASTERE في عنوان الشهادة تتضمن حرف E في آخرها، وهي تدل في الفرنسية على سنة تدريب وليس ماجستير، “فالدبلوم الممنوح من المدارس الكبرى، يشهد على سنة واحدة من التدريب المتخصص”.
وأضاف في منشور على صفحته بموقه فيس بوك، أن كلمة MASTER من دون E في النهاية، تعني عل العكس من ذلك: “شهادة جامعية بين الإجازة والدكتوراه، مع خمس سنوات دراسة بعد البكالوريا؛ وتتضمن: درجة الماجستير المهنية ودرجة الماجستير البحثية، بمعنى أن شهادة مدرسة الصحافة العليا في باريس لا تُعتبر حتى شهادة ماجستير مهني”.
كما أكد أن “التزوير الثاني الواضح في الشهادة هو عدد النقاط Crédits، فضمن الشهادة يُكتب 300 نقطة( ECTS) وهي اختصار ل European Credit Transfer and Accumulation System وهو النظام الأوروبي للنقاط، وفي الحقيقة فإن شهادة الماجستير في فرنسا عبارة عن سنتين مجموع نقاطهما 120 درجة (crédit).
ورقم 300 درجة هو مجموع دراسة البكالوريا والليسانس وسنتي ماجستير، ولكن يبدو من ابتدع هذه الشهادة اعتمد على أول نتيجة بحث في محرك غوغل!”.
بدورها قدمت المدرسة 3 “وثائق”؛ الأولى “وثيقة رسمية من أعلى سلطة أكاديمية في فرنسا معنية بتنظيم عمل المؤسسات التعليمية، تفيد بأنها مسجلة ضمن نظامها التعليمي، حسب ما تظهر النسخة المرفقة، التي طُلبت بعد نشر “التحقيق”، ولعدم التشكيك بصلاحيتها”.
وقالت إنها “أخفت الرقم الظاهر في الوثيقة، للإشارة الواضحة في نص الاعتراف الرسمي أنه لا يمكن استخدام هذا الرقم إلا في إطار العلاقات مع وزارة التربية الوطنية، وأن أي استخدام آخر، وخاصة الإعلان، غير قانوني”.
كما نشرت “الوثيقة الثانية” التي تظهر في البحث عن “المدرسة العليا للصحافة في باريس” في الموقع الرسمي لوزارة التعليم الوطني الفرنسية، حيث “يظهر اسمها كمؤسسة تعليم خاصة معترف بها، ويعتمد إظهار النتائج على إرفاق الرقم الوارد في الوثيقة الأولى، والذي حجب لأسباب ذكرت أعلاه”.
أما الثالثة فهي وثيقة “كاليوبي” التي “تؤكد أن المدرسة مسجلة”، حيث “يظهر في النسخة المرفقة شعار “كاليوبي” وهي حسب تعريف الموقع الرسمي لوزارة العمل الفرنسية، العلامة التجارية الصادرة من قبل هيئات التصديق المعتمدة أو المرخصة من قبل لجنة الاعتماد الفرنسية، على أساس معيار الجودة الوطني، والـ”كاليوبي” الحالي للمدرسة أصدر في الـ11 من تموز 2023 وصالح حتى العاشر من تموز 2026، بصفة المدرسة العليا للصحافة في باريس واحدة من “مؤسسات التعليم العالي” في فرنسا، والتي تعتبر بمثابة الاعتراف الرسمي (التصديق) بجودة التعليم الذي تقدمه المؤسسة”.
هل تورطت رابطة الصحفيين السوريين في المسألة؟
يتهم العديد من الإعلاميين رابطة الصحفيين السوريين بشكل مباشر في الترويج للمدرسة واستقطاب الطلاب السوريين والعرب للتسجيل فيها، بالرغم من معرفتها بأن شهادتها “غير معترف بها”.
وتواصلت حلب اليوم مع الرابطة لسؤالها عن ردها على المسألة، لكنها لم تتلق ردا رغم مضي أكثر من عشرة أيام على تواصلها معها ولأكثر من مرة.
لكن عزام، وهو عضو سابق بالرابطة – علّق عضويته فيها سابقا بسبب خلافات بينه وبينها – اعتبر أن الانتقادات التي تثار “مستفزة”، متحدثا عن “حالة من الجهل”، مضيفا أن هناك شخصا ما لديه مشكلة مع الرابطة، لذلك فهو يسعى لنشر أي شيء من الممكن أن يشوه سمعتها.
وانتقد ما يتم تداوله في وسائل الإعلام، موضحا أن المدرسة موجودة في باريس ولها كيان ومسجلة لدى الدولة وهي “من أقدم المدارس الصحافية في فرنسا.. بل ربما هي الأقدم”، كما أنها “معترف بها وبالشهادات الصادرة عنها”.
إلا أن عزام الذي أكد أنه علق عضويته بالرابطة منذ سنوات بسبب وجود مشاكل لديه معها، قال إنه يدافع عنها اليوم، لأن “التحقيق الذي أجري حولها كيدي”، متسائلا: “كيف يمكن أن لايكون معترفا بها وهي مدرسة فرنسية و مرخصة من قبل الحكومة؟”.
الدكتور مسعسع قال من جانبه: “أنا كنت رئيس رابطة الصحفيين السوريين، المجموعة التي أتت فيما بعد لرئاسة هذه الرابطة عرضت على الشباب الموجودين بالرابطة أن يسجلوا في هذه المدرسة على أساس أنها تعطيهم شهادة، وأنا قلت لهم أن هذه المدرسة غير مقبولة من النظام التعليمي الرسمي، وكتبتها عدة مرات في أكتر من مكان في قناة على صفحة الرابطة، وأنا لا أقول هذا الكلام جزافا فأنا حاصل على الدكتوراة بالصحافة والإعلام من جامعة السوربون وأعرف النظام التعليمي الفرنسي تمام المعرفة”.
وأضاف: “الشباب الذين سجلوا في هذه المدرسة وخسروا آلاف اليوروهات، وقد غُرر بهم.. لم يسمعوا كلامي الذي قلته لهم منذ البداية، حيث أوضحت لهم أن هناك مدارس ليس لها لدى النظام التعليمي الرسمي في فرنسا أي دلالة عليها ولا تقبل شهاداتها”.
وختم بالقول إن على الأشخاص الذين تضرروا بهذه المسألة، أن “يعودوا لمن روج لهذه المدرسة، ويصفوا حساباتهم معهم”.
ويقول الصحفيان السوريان، فيصل الشريف وسيف عزام، إن المدارس العليا المهنية تدرّب الطلاب على مجالات محددة، يتم فيها تكليف الطلاب بمشاريع عملية، مع أساس نظري، ما يعطي للخريجين “خبرة وأهمية في عالم الوظائف وسوق العمل”.
وأكد عزام أنه يعرف أشخاصا تخرجوا من هذه المدرسة، وحصلوا على وظائف برواتب جيدة تعادل رواتب كل من درس في جامعات لخمسة سنوات، او كما يصطلح عليه في الفرنسية “باك بلُس سانك”.
واعتبر أن المشكلة تكمن “في أننا بسوريا ليس لدينا ما يعادل هذا الموضوع لذا فمن الصعب قليلا على البعض أن يدرك قضية المدرسة.. هنا المدارس العليا أقوى من الجامعات، وهي عادة ما تكون مدارس مهنية، ربما في سوريا ليس للمدارس المهنية أهمية تذكر ولكن في فرنسا فهي على درجة من الأهمية”.
وقال الشريف إنه لمس من خلال تجربته الشخصية مستوى تدريس عاليا، حيث “يُدرّس بالمدرسة كبار دكاترة الإعلام”، “ونحن لا ندرس فقط مواد إعلامية، وإنما ندرس علاقات دولية.. دبلوماسية.. إدارة مواد إعلانية تلفزيون، راديو، صحافة، إعلام رقمي”.
كما أن الحصول على شهادة الماجستير لا يؤهل بالضرورة للقبول في الدكتوراة بفرنسا، والأمر يعود للجامعة واللجنة التي سوف تقبل المشروع البحثي أو ترفضه، فنظام التعليم مختلف والجامعات في فرنسا لديها استقلالية.. كل جامعة على حدى بما في ذلك الجامعات الحكومية، وربما تقبل الجامعة الطالب قبل انتهاء امتحانات البكالوريا.
وكان موقع “فرانس أنفو” قد نشر في شباط فبراير الماضي تحقيقا بعنوان “شهادات مستأجرة أو مزيفة… كيف أصبح التعليم العالي سوقاً حقيقياً على أكتاف الطلاب”، مشيرا إلى تورط رابطة الصحفيين السوريين “التي ينتمي إليها الصحفيون المغرر بهم” في صلب الموضوع.
وأكد أن القضية تفاعلت منذ ذلك الوقت على المستوى الفرنسي ووصلت إلى مجلس الشيوخ ومؤسسات التعليم العالي، حيث أن “هذه المدرسة ليست الوحيدة في هذه الحالة”، فهناك العديد من المدارس غير المعترف بها التي تجني أرباحا كبيرة من الطلاب المنتسبين لها، وفقا للمصدر.
وحذر “فرانس أنفو” الطلاب الحاليين والمستقبليين وأولياءهم أيضا بأن لا يغامروا بالتسجيل في “دكاكين كهذه غير معترف بها لأنهم سيخسرون مالهم ووقتهم”.