جدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تهديداته باستعمال السلاح النووي ضد الدول الغربية، عقب توغل القوات الأوكرانية داخل أراضي بلاده، فيما بدت عاجزة تماما عن مواجهتها، وسط فشل أمني وعسكري غير مسبوق.
وبعد صمت رسمي من كييف لمدة نحو أسبوع من بدء العملية، أعلن قائد الجيش الأوكراني، أمس الاثنين، أن قواته سيطرت على ألف كيلومتر مربع من الأراضي الروسية في منطقة كورسك الحدودية، فضلا عن الخسائر الفادحة.
وفي تصريحات غاضبة، قال بوتين يوم الأحد الفائت، إنه “لا يوجد ما يمكن بحثه مع كييف التي تهاجم المدنيين ومنشآت الطاقة النووية” متوعدا بأن “العدو سيلقى ردا مناسبا على أفعاله”، وملوحا باستعمال السلاح النووي، حيث حمل الغرب المسؤولية عن ذلك فيما لو وقع بسبب دعمه لكييف.
هشاشة روسيا
يرى الدكتور محمود حمزة، المحلل والخبير بالشأن الروسي، في إفادته لحلب اليوم، أن التقدم الأوكراني في عمق الأراضي الروسية كان مفاجأة هائلة لروسيا وحتى للغرب، حيث لم يتوقع أحد من االأوكران أن يخترقوا الأراضي الروسية بينما شهدت السنة الماضية تراجعا للموقف الأوكراني في المواقع الميدانية مع تقدم نسبي وبطيء جدا للروس.
وفيما تقدم الروس خلال ستة أشهر وسيطروا على نحو 100 كيلو متر مربع، فإن الأوكرانيين سيطروا خلال نحو 5 أيام على ما بين 300 و 400 كيلو متر مربع، ووصلت مساحة السيطرة اليوم إلى 1000 كيلو متر مربع، أي أضعاف المنطقة التي سيطر عليها الروس في أشهر، وفقا للدكتور حمزة.
ولفت إلى أن الدخول الأوكراني إلى الأراضي الروسية جرى هذه المرة من قبل جيش نظامي بخلاف المرات الماضية عندما دخلت مجموعات من فيلق التحرير الروسي وهو مكون من الروس، حيث دخلوا في منطقة أخرى اسمها بيلغارت، وسيطروا على عدة قرى وكانت هزة لروسيا لكنهم انسحبوا فيما بعد.
ولكن اليوم دخل الأوكرانيون واعتقلوا عشرات من الأمن الروسي واعتقلوا أيضا عددا من الجنود الروس بالمئات ودمروا رتلا من السيارات التي تنقل العساكر الروس ويقدر عددهم ما بين 100 إلى 500 ثم سيطروا على مدينة فيها محطة قياس الغاز الذي يصدر إلى أوروبا وتوجهوا باتجاه محطة نووية في مدينة كورتشاتوف ويقال أنهم على بعد كيلو مترات منها، وأيضا أصبحوا على بعد خمسين كيلو مترا من مدينة كوست وهي مدينة كبيرة نسبيا ولها رمزية في التاريخ الروسي حيث شهدت خلال الحرب العالمية الثانية معركة من أضخم المعارك شارك فيها حوالي 3 ملايين عسكري من الطرفين.
ويضيف الخبير بالشأن الروسي أن دخول الأوكران إلى الأراضي الروسية سبب إرباكا كبيرا للقيادة الروسية، بدليل أن أول تصريح لرئيس الأركان ادعى فيه أنه قدم تقريرا للرئيس الروسي بإحباط الهجوم الأوكراني لكن محافظ المنطقة أعلن أن المعارك لا تزال تجري داخل الأراضي الروسية، ما يدل على ارتباك وتناقض وضبابية في الموقف بينما الأوكران التزموا الصمت ولم يدلوا بأي تصريح إعلامي حول الموضوع فيما كان الروس يدلون بمعلومات وتصريحات معظمها ملفقة.
وأشار إلى أن الفيديوهات تظهر أنه لا أحد يهتم بالنساء والأطفال المشردين والمحتاجين للخدمات حيث كل يهرب بطريقته الخاصة وبدا الروس وكأنهم ليست لديهم أي استعدادات للحرب ولا لإجراء عمليات إجلاء أو لا تقديم خدمات للناس.
ويرى الدكتور حمزة أن هذه العملية العسكرية الأوكرانية أثبتت هشاشة بنية الجيش و الوضع الأمني و الاقتصادي والاجتماعي في روسيا وأظهرت أيضا أن القيادة بعيدة عن الواقع، حيث يقدمون تقاريرهم المغلوطة التي تختلف عن الحقيقة.
كما أصيب أكبر مراسل حربي روسي يُدعى “بادوبني” والذي عمل في سوريا ولعب دورا كبيرا في تزييف الحقائق وهو ما يروجه الآن حول الوضع في اوكرانيا، وقد أصيبت سيارته بمسيرة ولا تزال حالته خطيرة بعد أن احترقت سيارته، كما يقال أن طائرة هليكوبتر هجومية متقدمة روسية تم إسقاطها.
ويشعر الروس اليوم – بحسب الدكتور حمزة – بالخطر الحقيقي لذا فقد أحضروا القوات التي كانت تقاتل في الشرق وفي الجنوب وسحبوا جزءا منها إلى منطقة كورسك للدفاع عنها لأن القوات الأوكرانية تبعد 500 كيلو متر عن موسكو بينما روسيا تدعي أنها دولة عظمى ووسائل الإعلام الروسية تقول إن الجيش الروسي هو الأول في العالم ولكن أوكرانيا دخلت في العمق و أثبت هذا التوغل كذب الإعلام الروسي والدعاية الكاذبة.
ووردت أنباء عن استقدام مرتزقة من أفريقيا إلى كوسك، بالإضافة لإحضار قوات شيشانية، حيث هربت مجموعة شيشانية كانت موجودة على الحدود بسبب غياب الدعم من الجيش الروسي.
دعم غربي
نفت الحكومة الألمانية علمها المسبق بتفاصيل الهجوم الأوكراني على الأراضي الروسية، وقال فولفغانغ بوشنر نائب المتحدث باسم الحكومة أمس الاثنين إن “هناك معلومات متضاربة وأحيانا محرفة بشكل متعمد حول العملية التي يبدو أنها أعدت بسرية تامة وبدون تشاور (مع جهات أخرى).. كل الدلائل تشير حتى الآن إلى أنها عملية محدودة مكانيا”.
ورغم إحجام باقي الدول الغربية عن.التعليق رسميا على العملية، فإن هناك ترحيبا بها مع وعد بدعم عسكري لأوكرانيا، وهو ما يرى فيه الخبير السوري دلالة على أن الغرب ليس بعيدا عن هذه العملية رغم أنه تفاجأ كما يقولون بأن الأوكران قادرون على هكذا هجوم.
ومن أهداف هذا التدخل الأوكراني في روسيا فرض معادلة جديدة من أجل المفاوضات بشروط مقبولة وأيضا هناك هدف معنوي وسياسي لزعزعة الوضع في روسيا؛ الوضع الاجتماعي والنفسي والأمني، ولذلك فإن الرئيس الروسي عقد أكثر من اجتماعين خلال الأيام الماضية لمجلس الأمن الروسي وبحث الوضع في كوستا، وفيما قال الروس إنهم سيطردون القوات الأوكرانية خلال ساعات، فقد مضى أكثر من أسبوع على توغل القوات الأوكرانية وهي ما زالت موجودة ولم تخرج، وهنا يستذكر حمزة ما حصل في فبراير من عام 2022 حيث دخل الجيش الروسي ووصل إلى مشارف كيف وقال إنه سيسيطر عليها خلال يومين أو ثلاثة لكنهم انسحبوا لأنهم تكبدوا خسائر هائلة في الدبابات و الجنود فتراجعوا إلى الحدود الروسية.
وأشار إلى أن التقديرات العسكرية والأمنية والسياسية الروسية ترتكب أخطاء بينما الأوكران يخططون بصمت ويعملون وبالفعل بعد حصولهم على أسلحة غربية حديثة وخاصة إف – 16 وصواريخ هيمارس وغيرها “بدت لديهم شجاعة وحماس أكثر للقتال”.
هل تنزلق الحرب لدمار نووي؟
سلّمت أوكرانيا سلاحها النووي لروسيا ولدول أخرى بموجب اتفاق روسي – أمريكي، جرى في وقت سابق، مقابل تعهدات بعدم العدوان على كييف، لكن روسيا غزت أوكرانيا واحتلت جزءا من أراضيها، مع التهديد باستخدام السلاح النووي في حال خسرت الحرب.
وقالت صحيفة “فاينانشال تايمز” الأمريكية، إنها اطلعت على ملفات سرية تكشف أن القوات البحرية الروسية تلقت تدريبات على استهداف مواقع داخل أوروبا بصواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية في إطار صراع محتمل مع قوات “حلف شمال الأطلسي” (الناتو).
وأضافت أن روسيا وضعت خرائط لأهداف بعيدة، كالساحل الغربي لفرنسا ومنطقة بارو إن فورنيس في بريطانيا، حيث تخطط روسيا لشن سلسلة من الضربات الساحقة في مختلف أنحاء أوروبا، بالإضافة إلى قائمة أهداف للصواريخ القادرة على حمل رؤوس حربية تقليدية أو أسلحة نووية تكتيكية.
وتحدثت الصحيفة عن “القدرة العالية على المناورة” للقوات البحرية الروسية، التي تسمح لها بتنفيذ ضربات مفاجئة واستباقية وضربات صاروخية ضخمة، حيث تركزت الأهداف في بحر البلطيق على النرويج وألمانيا، وتشمل قاعدة بحرية ومواقع ردارات ومرافق للقوات الخاصة، كما تشمل أهدافًا صناعية دفاعية، كأحواض بناء الغواصات في بريطانيا، وتضمنت السيناريوهات حروبًا مع حلفاء حاليين لموسكو، كالصين وإيران وأذربيجان وكوريا الشمالية.
وتقول الصحيفة إن الوثائق تعني أن أوروبا ستكون معرضة للخطر بمجرد اشتباك قوات “الناتو” مع روسيا، ويأتي ذلك عقب ضربة تلقتها القوات الروسية عقب توغل الأوكران داخل الأراضي الروسية.