مع اندلاع الاحتجاجات ضد السياسات التركية في ريف حلب، والتوترات التي شهدتها المنطقة، الشهر الماضي، بدت إدلب هادئة ومستقرة، وسط حرص واضح من قبل هيئة تحرير الشام صاحبة السطوة في المنطقة على علاقات جيدة مع الجانب التركي.
ومع ادعاءات روسيا ضد فصائل المعارضة في الشمال السوري، خصوصا الإسلامية منها، تطالب الأخيرة تركيا بشكل مستمر بالتحرك ضدها في إدلب، أو إتاحة المجال لشن هجمات عليها، إلا أن أنقرة التي أدخلت لواءين عسكرين لإدلب ومحيطها في 2020، تبدو مصممة على بقاءها والحيلولة دون اي اجتياح جديد.
ورغم إقرار الأتراك بوجوب محاربة “التنظيمات الإرهابية” بحسب ما تم التوقيع عليه في أستانا، فإنهم يؤكدون على “عدم التمييز” بين تلك التنظيمات، مطالبين أيضا بالتحرك ضد قسد و بي كا كا وغيرهما.
يشير مصدر مطلع من محافظة إدلب، لحلب اليوم إلى أن هيئة تحرير الشام أوعزت لخطباء المساجد المرتبطين بها، لدعوة السكان المحليين لعدم الانجرار وراء الاحتجاجات التي اندلعت بريف حلب، وعدم الإساءة لعلم تركيا، مع الإشادة بدورها في الوقوف إلى جانب الثورة خلال السنوات الماضي.
من جانبه يؤكد يوسُف كاتب أوغلو الكاتب و المحلل السياسي التركي، لحلب اليوم، أن أنقرة اختارت أيضا أن تحافظ على علاقات جيدة مع هيئة تحرير الشام، موضحا أنها مبنية على “منافع متبادلة ومصالح مشتركة”.
أسباب إستراتيجية
قال الكاتب التركي إن هناك تنسيقا أمنيا ودبلوماسيا وسياسيا، حيث يرى أن الهيئة معنية بالتحرك وفق المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة، فهي تعتبر “صمام أمان للحدود المشتركة”.
وأضاف: “هنالك طبعا حرص على التنسيق المشترك، وعلى عدم وجود أي صدام يمكن أن يؤدي إلى زعزعة الأمن والاستقرار على حدود تركيا”.
تضم هيئة تحرير الشام معظم فصائل وكتائب المعارضة المتبقية في إدلب، وقد تأسست في يناير 2017 من اندماج عدة فصائل إسلامية مسلحة، أبرزها جبهة النصرة التي فكت قبل ذلك ارتباطها بتنظيم القاعدة وغيرت اسمها، وخطابها الشرعي والسياسي.
وكانت الجبهة تتبنى خطابا هجوميا تجاه كافة دول المنطقة، بما فيها تركيا وجيشها، ولكن التغيرات المتلاحقة في منهجها وفكرها كانت كبيرة، حيث يدعو الإعلام المرتبط بالهيئة اليوم إلى مراعاة “العلاقات الأخوية بين الشعبين التركي والسوري”، وفقا للمصدر.
ماذا عن التصنيفات الدولية؟
رغم إعلان جبهة النصرة فك ارتباطها بالقاعدة في 2016 وتغيير اسمها، لم يغير ذلك من تصنيفها كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة، وروسيا، والعديد من الدول الأخرى.
واعتبرت واشنطن وروسيا والدول الغربية، أن إعلان اندماج عدد من الفصائل مع فك الارتباط بالقاعدة لا يعني شطبها من قوائم الإرهاب الخاصة بها، لكن تركيا لم تعلق على ذلك.
وحول موقف أنقرة من هذه القضية، قال كاتب أوغلو وهو أيضا سياسي ورجل أعمال وخبير اقتصادي، إن “هذا الأمر لا يهمها”، فهي ترى بأن المعارضة المسلحة، سواء كانت الجيش الوطني الحر أو حتى هيئة تحرير تعمل على ضبط الأمن والاستقرار في مناطق الشمال السوري.
أما عن علاقة تركيا مع المعارضة السورية المسلحة والفصائل العسكرية في شمال سوريا وفي إدلب، فهي “تبقى ضمن الأطر والاتفاقيات الدولية” وفي مقدمتها قرار مجلس الأمن 2254.
تعاون مشترك
أشار الكاتب التركي إلى دور الهيئة في ضبط المنطقة المتاخمة للحدود التركية – السورية المشتركة، حيث “هناك التزام بالضوابط الأمنية وهنالك تعاون كامل لعدم السماح بالاختراقات من قبل تنظيمات تعتبرها تركيا إرهابية مثل بي واي دي، و اي بي جي، و بي كاكا وتنظيم الدولة، و قسد وغيرها”.
ومضى بالقول: “هناك تعاون مشترك في مكافحة التنظيمات الإرهابية، وهنالك أيضا تنسيق مشترك لعدم السماح بالتغيير السكاني في المنطقة؛ والمحافظة على الأمن والاستقرار، وهو من أهم المزايا و القواسم المشتركة بين تركيا وبين هيئة تحرير الشام”.
وتحدثت مصادر إعلامية في حزيران الماضي عن اتفاق بين الهيئة والقوات التركية لتسيير دورية مشتركة على الحدود شمال إدلب، من ريف بلدة أطمة وصولاً إلى منطقة اليمضية مع نشر عشرات المحارس، بهدف كشف الأنفاق التي تستخدم لتهريب البشر و هدمها وتفجيرها، إضافة إلى استطلاع وكشف الثغرات على الحدود.
واعتبر كاتب أوغلو أن “المحافظة على الأمن والاستقرار”، هو من أهم المزايا التي تحكم العلاقة بين تركيا و هيئة تحرير الشام.
ماذا لو حصل تطبيع مع الأسد؟
تُثار مؤخرا العديد من الأسئلة حول مستقبل العلاقة بين تركيا و الفصائل المعارضة بشكل عام، وموقفها من إدلب بشكل خاص، وما إذا كانت ستناقش فكرة الانسحاب، أو التعاون ضد تلك الفصائل.
وحول الموقف من هيئة تحرير الشام وباقي الفصائل في إدلب في حال تقدمت جهود التطبيع مع سلطة الأسد؛ يرى كاتب أوغلو أن ذلك لن يكون على حساب العلاقة بين أنقرة وبين هذه الفصائل حيث إنها “تعلم علم اليقين بأن هؤلاء هم شرائح مهمة من المجتمع ومحاولات التقارب مع سلطة الأسد لن تكون على حساب هذه العلاقات وهذا التنسيق المشترك”.
وفي حال أصبح هنالك تطبيع فإن “التعاون سيخضع لشروط معينة من أهمها الشروط الأمنية، أما الملفان الشائكان انسحاب القوات التركية من الشمال السوري وتسليم المطلوبين من المعارضة السورية فهذا أمر مرفوض جملة وتفصيلا وغير قابل للنقاش ولا حتى للتفاوض مع السلطة في سوريا”.
وحول ما هو مطلوب من سلطة الأسد، فقد أوضح كاتب أوغلو أنه يدور حول “التعاون المشترك لمنع وقوع أي انقسام أو تقسيم لوحدة الأراضي السورية أو تمكين منظمات إرهابية مثل قسد وغيرها من استخدام الأراضي السورية كقواعد للهجوم على تركيا، بالإضافة للتعاون من أجل دحض هذه التهديدات الخارجية الإرهابية”.
أما عن علاقة تركيا مع المعارضة السورية المسلحة وفصائل المقاومة في شمال سوريا وفي إدلب، فهي “تبقى ضمن الأطر والاتفاقيات والمواثيق والعهود التي قطعتها تركيا على نفسها بأنها لن من لجأ إليها ولن يكون هنالك تنازل على ما اتُّفِق عليه.. بالعكس تماما تركيا معنية ومسؤولة عن هذه المكتسبات والعهود والمواثيق مع المعارضة السورية المسلحة، سواء الجيش الوطني أو هيئة تحرير الشام أو الحكومة المؤقتة”.
ولفت إلى أن تلك العلاقات “يجب أن تكون ضمن الاتفاقات الدولية وضمن القرار الأممي 2254 و بالتالي هذا الملف الآن لا يروق لسلطة الأسد أن يُطْرَح حاليا، و بالنسبة لتركيا أيضا هو ليس الآن شرطا مسبقا لفتح قنوات الحوار مع السلطة”.
وتريد أنقرة حاليا “سحب البساط من تحت المجتمع الدولي الذي يصف تركيا بأنها دولة محتلة في الشمال السوري؛ بسبب وجودها هناك، و أن يكون هنالك تنسيق مع السلطة تماما كروسيا في محاربة الإرهابيين الموجودين على الأرض السورية أو خارج نطاق الحدود أو الثلاثين كيلو مترا المسموح بها دوليا”.
كما تسعى لأن يكون هنالك جهود للتنسيق مع السلطة، ولكن “لن يكون على حساب المعارضة السورية، سواء كان من مدنيين أو فصائل مسلحة في إدلب أو أي جهات تنسق مع تركيا إن كان الجيش الوطني أو الهيئة أو غيرها، وما عدا ذلك فتركيا تسعى لأن يكون هنالك تعاون استخباراتي وأمني ضد الأطراف الثالثة التي تهدد الأمن القومي الإقليمي والأمن القومي التركي”.