أدت التغيرات الكبيرة التي طالت المجتمع السوري، منذ انطلاق الثورة عام 2011، إلى صعود مهن وكساد أخرى، وسط تراجع كبير في مستويات الدخل، وارتفاع في معدلات البطالة.
ويُعدّ العمل كسائق تكسي من المهن التي تحتاج إلى قدر كبير من الصبر والمهارة في القيادة، إضافة لكونها مهنة متعبة نوعا ما وتؤثر سلبا على العمود الفقري في حال القيادة لفترات طويلة، لكنها كانت تحقق أرباحا معقولة فيما سبق، فما الذي تغير اليوم في هذا المجال بالشمال السوري؟.
يقول السائق أبو زهير، وهو مهجر من شرقي إدلب ويقطن في أعزاز شمال حلب، لحلب اليوم إنه كان فيما مضى يحقق دخلا جيدا، مكنه من بناء نفسه وأسرته وتدريس أولاده وتربيتهم في مستوى جيد.
في حال كانت السيارة ملكك – يضيف أبو زهير – فإن ذلك يعني أن بإمكانك تحقيق دخل جيد، إذا كنت مستعدا لبذل الجهد والتعب من خلال ساعات عمل طويلة نوعا ما، حيث يقول إنه كان يجني شهريا نحو 35 ألف ليرة سوريا، كربح صافٍ، وهو ما كان يزيد على مصروفه الشهري بكثير.
ما الذي تغيّر؟
يواجه سائقو التكسي العديد من التحديات اليومية في شمال غربي البلاد، مثل الزحام المروري الناجم عن وجود عدد كبير من الآليات في المنطقة مع كثافة سكانية عالية، إضافة لرداءة الطرق.
ويعتبر الزحام أكثر من مجرد مشكلة يؤثر بشكل مباشر على الوقت الذي يستغرقه للوصول إلى وجهته وبالتالي على عدد الركاب الذين يمكنه نقلهم خلال اليوم.
لكن ذلك أقل ما يمكن أن يواجهه السائق من صعوبات، حيث لم يعد هناك طلب على التكسي كما في السابق، فسلا عن انخفاض الأجور.
يُمضي أبو زهير معظم يومه متوقفا قرب الدوارات والمشافي، حيث لا يكاد يوصل 7 طلبات في النهار، بسبب انخفاض الطلب، ما يعني أنه بالكاد يحقق دخلال يوميا قدره 100 ليرة تركية.
مع كثرة دخول “السيارات الأوروبية” إلى الشمال الغربي، لم تعد هناك حاجة لسيارات الأجرة، إلا فيما ندر، فضلا عن حالة الركود بالمنطقة، وقلة فرص العمل وانخفاض المداخيل.
ويقول أبو زهير إن تراجع القدرة الشرائية لدى السكان يدفع كثيرا منهم لتجنب طلب التكسي، عبر اللجوء إلى الدراجات النارية أو المشي، أو محاولة إيقاف سيارات على الطريق وقطع المسافات “سخرةً”.
ظهور خدمات النقل ومشاكل أخرى
أدى ظهور خدمات النقل الداخلي عبر الباصات ضمن مدينة إدلب، منذ نحو عامين، إلى مزيد من التراجع في عدد المقبلين على طلب التكسي، حيث توفر تغطية جيدة لمعظم قطاعات المدينة وبتكلفة أقل بكثير.
وفي أعزاز بريف حلب الشمالي، بدأت باصات النقل الداخلي عملها منذ رمضان الماضي، الموافق لشهر نيسان/ أبريل، وهو ما اثر سلبا ايضا على السائقين هناك.
كما تُعد مشكلة عدم توفر قطع الغيار والزيوت المعدنية الجيدة، عاملا سلبيا يضاف إلى قائمة معاناة السائقين، حيث يسبب ذلك تكرار الأعطال وزيادتها.
يقول أبو محمود، وهو سائق تكسي يعمل ضمن مدينة إدلب، إن رداءة الزيت تزيد من حاجة المحرك لإعادة العمرة (تنزيل) وهو ما قد يستهلك عمل شهر بأكمله، متسائلا كيف سيغطي بقية التكاليف؟.
ومع انتشار السرقات والاعتداءات بات على السائق أن يكون أكثر حذرا، مما خفف من ساعات العمل نتيجة ترك قسم كبير للسياقة ليلا، كما يرفض الكثيرون الطلبات الخارجية رغم كونها الأكثر ربحا، خوفا من عمليات الخطف والسلب.
“شيء أفضل من لا شيء”
تعتبر قضية انخفاض دخل الفرد في سوريا من أبرز القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه البلاد في السنوات الأخيرة، ولا يقف ذلك عند السائقين، لكن هذه المهنة من أكثر المهن التي تأثرت سلبا على مدى السنوات الماضية.
ومع تزايد معدلات البطالة وقلة فرص العمل، يجد الكثيرون أنفسهم مضطرين للعمل في هذا المجال، وذلك “أفضل من لا شيء” كما يقول أبو محمود.
يمتلك الرجل الخمسيني سيارة قام بشراءها منذ نحو سنتين، مع الانخفاض الكبير في أسعار السيارات الناجم عن كثرة الاستيراد، حيث دفع نحو 1700$ فقط ثمنا لآلية يقول إنها جيدة إلى حد ما.
ومع حالة الفراغ التي يعيشها، لجأ إلى الخروج بسيارته يوميا، لعله يقضي بعض الوقت، ويجني ما يمكن جنيه من المال، مؤكدا أنها لم تعد تجدي نفعا، وأنه يعتمد بشكل أساسي على ما يرسله له ولده من بلجيكا.
ويوضح أبو محمود أن هذا حال الغالبية العظمى من السائقين، فهناك من لديه قطعة أرض يعتاش منها، أو تجارة معينة، أو أي مهنة أخرى، إذ نادرا ما تجد من يعتمد على دخل السياقة بشكل أساسي.
ونتيجة لتدهور الأوضاع الاقتصادية والنزوح، اضطر العديد من السوريين للقبول بأي عمل بحثاً عن ظروف معيشية أفضل، ويعتبر مشروع التكسي من المشاريع السهلة والبسيطة، لعدم الحاجة إلى استئجار محل أو شراء بضائع وتخصيص رأس من المال.
يشار إلى ارتفاع حد الفقر للعائلة الواحدة إلى نحو 7300 ليرة تركية، فيما تبلغ نسبة العائلات التي تقع تحت هذا الحد في الشمال السوري نحو 91%، وفقا لآخر تقديرات فريق منسقو استجابة سوريا، والتي صدرت اليوم الأحد.