أكدت ملفات استخباراتية كشفتها هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) للمرة الأولى أن الصحفي الأميركي المفقود في سوريا، أوستن تايس، كان مسجونا لدى النظام البائد، رغم إنكاره المستمر عدم علمه بمكانه.
ونقلت الهيئة عن مسؤولين سوريين سابقين تأكيدهم أيضًا اعتقال تايس، الذي اختفى قرب العاصمة السورية دمشق في آب 2012، حيث كان يعمل صحفيًا مستقلًا.
وكانت الحكومة الأميركية قد صرحت في وقت سابق بأنها تعتقد أن النظام كان يحتجزه، لكنه نفى ذلك باستمرار، ولم يُعرف شيء عن تفاصيل احتجازه، لكن ملفات الاستخبارات التي وصفها تقرير الإذاعية البريطانية بأنها سرية للغاية يؤكد ذلك، إلى جانب شهادات عدد من المسؤولين السابقين في النظام حول ما حدث للصحافي بعد اختطافه.
وكان تايس قد ظهر بعد فقدانه بنحو سبعة أسابيع، في مقطع فيديو منشور على الإنترنت معصوب العينين ويداه مقيدتان، وهو “مجبر على تلاوة إعلان إسلامي من قبل مجموعة من الرجال المسلحين”، لكن المحللين والمسؤولين الأميركيين، قالوا إن المشهد “ربما كان تمثيلية”.
ولم تعلن أي جماعة أو حكومة مسؤوليتها عن اختفائه ولم يسمع عنه أحد منذ ذلك الحين، مما أثار تكهنات واسعة النطاق حول مكان وجوده.
وزارت والدته سوريا عقب التحرير، والتقت بالرئيس أحمد الشرع، لتجديد البحث عنه، ووعدها بمساعدتها في ذلك.
وكشفت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) عن هذه المواد كجزء من تحقيق مستمر بدأ قبل أكثر من عام لسلسلة بودكاست على راديو 4، أثناء مرافقة محقق سوري إلى منشأة استخباراتية.
وتُعد ملفات الاستخبارات أول دليل يظهر على احتجاز النظام لتايس منذ بدء جهود البحث عنه بعد سقوط بشار الأسد، وتضمنت الملفات المسماة “أوستن تايس” اتصالات من فروع مختلفة من المخابرات السورية، وقد تأكدت (بي بي سي) من صحتها، وتظهر إحدى الرسائل، التي تحمل علامة “سري للغاية”، أنه تم احتجازه في مركز احتجاز في العاصمة دمشق في عام 2012.
وأكدت مصادر إضافية أن هذا كان في الطاحونة، كما أكد ضابط سابق في الاستخبارات السورية أن تايس كان محتجزا في دمشق من قبل مجموعة شبه عسكرية.
ويُعتقد أن أوستن تايس اعتقل بالقرب من مدينة داريا في ضاحية دمشق، ثم احتجزه أفراد من قوة شبه عسكرية موالية للأسد، وتسمى قوات الدفاع الوطني.
وأكد مسؤول سوري لبي بي سي أن الصحافي كان هناك حتى شباط 2013 على الأقل، وفي ذلك الوقت، عانى من مشاكل في المعدة، وخضع لعلاج طبي مرتين على الأقل، ويُقال إن فحوصات الدم كشفت عن إصابته بعدوى فيروسية آنذاك.
وقال رجل زار المنشأة التي كان محتجزا فيها وشاهده إن تايس كان يعامل بشكل أفضل من المعتقلين السوريين، لكن “كان يبدو حزينا، والفرحة اختفت من وجهه”.
وفي سياق منفصل، قال عضو سابق في ميليشيا الدفاع الوطني على دراية وثيقة باحتجاز أوستن تايس “إن قيمته كانت مفهومة” وإنه كان “ورقة” يمكن لعبها في المفاوضات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة.
وأفادت التقارير أن تايس هرب لفترة وجيزة من أسره عبر نافذة في زنزانته، لكن أُلقي القبض عليه لاحقًا، كما استُجوب مرتين على الأقل من قبل ضابط مخابرات تابع للنظام، ويُعتقد أن الحادثة وقعت بين أواخر عام 2012 وأوائل عام 2013.
وعندما تم إخلاء السجون بعد سقوط الأسد، لم يكن هناك أي أثر لتايس وما زال مكانه غير معروف.
وتدرك عائلة تايس وجود هذه الملفات الاستخباراتية كما تعلم بها السلطات الأميركية، وكذلك مجموعة سورية تعمل على جمع المعلومات عن الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد، ويُعتقد أن تايس هو أحد أقدم الرهائن الأمريكيين المحتجزين وقد قادت والدته ديبرا ووالده مارك حملةً دؤوبةً لتسليط الضوء على اختفاء ابنهما.
وكان تايس يعمل ككابتن سابق في مشاة البحرية الأميركية، وخدم في العراق وأفغانستان وكان طالبا في كلية الحقوق بجامعة جورج تاون المرموقة في واشنطن العاصمة، قبل أن يسافر إلى سوريا عام 2012 لتغطية الحرب كصحفي مستقل.