حلب اليوم – خاص
في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها السوريون في مناطق سلطة الأسد، يواجه سكان محافظة حمص أزمة صحية متزايدة تتمثل في تكاليف العمليات الجراحية الباهظة، إذ تُظهر شهادات مدنيين قابلهم مراسل “حلب اليوم” في حمص معاناة متزايدة بسبب التكاليف المرتفعة للعلاج في المستشفيات الخاصة، مما يضطرهم للاستدانة وبيع ممتلكاتهم لتغطية نفقات العلاج.
تكاليف القسطرة تصل إلى 20 مليون ليرة سورية
يروي الشاب أحمد.ن (41 عاماً) من قرية المخرم بريف حمص الشرقي تجربته المؤلمة مع والدته التي تعرضت لجلطة قلبية مفاجئة. يقول أحمد: “أسعفت والدتي إلى المستشفى الوطني في مدينة حمص، ولكن عدم توفر المستلزمات الطبية أجبرني على التوجه إلى أحد المستشفيات الخاصة.”
ويضيف: “عند وصولنا إلى المستشفى الخاص، طلب منا موظف الاستقبال دفع سلفة مالية أولية بقيمة 10 ملايين ليرة سورية قبل قبول الأوراق. وبعد إدخال والدتي إلى غرفة العناية المركزة، أخبرني الموظف أن تكاليف عمليات تركيب الشبكات القلبية أو القسطرة تتجاوز 20 مليون ليرة سورية، وهو مبلغ يفوق راتبي الشهري بعشرات الأضعاف باعتباري موظفًا في شركة الكهرباء.”
رغم امتلاكه للمبلغ الأولي، اضطر أحمد للاستدانة وبيع بعض ممتلكاته لتأمين المبلغ الكلي الذي بلغ 22 مليون ليرة سورية في أقل من 48 ساعة بفضل مساعدة الأصدقاء والأقارب. ويقول: “المبلغ لا يعادل لحظة ألم والدتي، ولكن بالنسبة لنا كموظفين، يعد هذا المبلغ ثروة باهظة.”
وأوضح أن المشافي العامة في مدينة حمص تفتقر إلى أدنى مقومات الإسعافات الأولية، وأبرزها “البالونات” التي توسع الشرايين لمرضى الجلطات القلبية، والتي تعتبر حلاً إسعافياً للمريض.
ماذا عن الولادات القيصرية؟
تؤكد أمينة.م، ربة منزل من حمص، لـ “حلب اليوم”، أن “تكلفة الولادة القيصرية أصبحت عبئاً مالياً كبيراً على الأسر، حيث تبلغ حوالي 3.7 ملايين ليرة سورية – ما يعادل 250 دولاراً أمريكياً – دون احتساب الأدوية التي يبلغ سعرها 300 ألف ليرة، ما يعادل 20 دولارًا إضافياً.”
وأضافت أن المشكلة الأكبر هي أن المشافي العامة لا توفر هذه الخدمة، مما يضطر الكثيرين للذهاب إلى مستشفيات خاصة أو عيادات غير مجهزة، مما يفاقم معاناتهم.
وفي ذات السياق، يشير علي.خ، موظف في بلدية حمص، إلى أن “ارتفاع تكاليف الولادة القيصرية، خصوصًا في ظل غياب هذه الخدمة عن المشافي العامة، جعله منذ قرابة الشهرين مضطراً للاستدانة والتنازل عن أغراض أساسية من منزله لتغطية التكاليف”.
وأوضح أثناء حديثه لـ “حلب اليوم” أن الأدوية المرتبطة بالعملية القيصرية تزيد العبء المالي، مما يجعل الوضع أكثر صعوبة للأسر ذات الدخل المحدود. “نحن بحاجة إلى تحسين الخدمات الصحية العامة لتلبية احتياجات الجميع.”
تكاليف باهظة لعمليات جراحية متخصصة
في حادثة أخرى، التقى مراسلنا بذوي شخص يُدعى “محمد.ب”، الذي تعرض لاعتداء مطلع الأسبوع الماضي من قبل ثلاثة كلاب أثناء قيادته دراجته النارية في محيط مدينة حمص.
يقول والد المصاب، المكنى “أبو محمد” لـ “حلب اليوم”، إن محمد نُقل إلى مستشفى خاص من قبل بعض الأهالي لعدم توفر الخدمات الكافية في المستشفيات العامة، حيث بلغت تكلفة علاجه، بما في ذلك الصفائح والسيخ اللذين تم تركيبهما في ساقه وكتفه، حوالي 12 مليون ليرة سورية، أي ما يعادل 800 دولاراً أمريكياً.
وأكد والده أن “المستشفيات العامة لم تعد قادرة على إجراء العمليات الجراحية الكبيرة، إذ باتت مهامها تقتصر على توجيه المرضى إلى المستشفيات الخاصة، حيث تقتصر خدمات المستشفيات العامة على تركيب الجبائر، خياطة الجروح، الإحالات الطبية، تركيب السيرومات، وتغيير الضمادات، لا أكثر.”
وأضاف أبو محمد: “أكبر مستشفى عمومي حالياً في حمص هو مستشفى الباسل في حي كرم اللوز، ولكن الدعم والاهتمام المقدمين فيه موجهان بشكل رئيسي للطائفة العلوية، مما يترك باقي السكان في حاجة إلى اللجوء إلى المستشفيات الخاصة.”
استغلال علني في ظل غياب الرقابة
بدوره، أكد والد أحد المرضى، فراس.ت (53 عامًا)، أن مالكي المستشفيات الخاصة يستغلون الخدمات الصحية العامة السيئة في مدينة حمص لرفع قيمة الفواتير المالية، في ظل غياب الرقابة والمحاسبة من الجهات المختصة التابعة لسلطة الأسد.
وقال فراس: “المستشفيات العامة والمستوصفات تقتصر على تقديم النصائح والإحالات إلى المستشفيات الخاصة بحجة عدم وجود مؤهلات طبية كافية.”
وأضاف فراس أنه دفع 4 ملايين ليرة سورية (ما يقارب 275 دولاراً أمريكياً) تكلفة عملية تركيب عدسة عينية لابنه البالغ من العمر 12 عاماً، منوهاً أن هذا المبلغ لا يشمل علاج الماء الأبيض قبل تركيب العدسة، والذي أجراه قبل أيام من العملية بكلفة 3 ملايين ليرة سورية (ما يقارب 200 دولار أمريكي).
ويؤكد مراسل “حلب اليوم” في حمص أن الأوضاع الصحية السيئة في حمص تثقل كاهل المحافظة وتزيد من معاناتها الاقتصادية، حيث تفرض التكاليف الباهظة للعلاج ضغطًا هائلًا على الأسر، وسط غياب رقابة فعالة من قبل وزارة الصحة التابعة لسلطة الأسد.