إقبال الشيخ
تشكل عمالة الأطفال واحدة من أكبر التحديات التي خلفتها الحرب وسنوات النزوح وسوء الوضع الاقتصادي والمعيشي في الشمال السوري، خاصة وأن كثيراً من العوائل الفقيرة باتت ترسل أطفالها الصغار إلى سوق العمل، بدلاً من المدرسة، للمساهمة في تأمين لقمة العيش واحتياجات الأسرة، ومنهم من امتهن التسول في الشوارع العامة والأسواق دون الالتفات من قبل سلطات الأمر الواقع، لمعالجة هذه الظاهرة الخطيرة.
فما إن تسير في شوارع مدينة أعزاز شمال حلب حتى ترى عشرات الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم 14 عاما، متوزعين عند إشارات المرور، وعلى مفارق الطرقات، وأمام الأماكن العامة، وما إن تقف السيارات حتى يتراكضون باتجاهها غير آبهين بسرعتها، فمنهم من يحمل علبة حلوى صغيرة، أو “علب محارم” يسعى لبيعها بشتى الطرق، ومنهم من يَهُم بمسح واجهة السيارات بانتظار أي مبلغ مقابل خدمته.
يعيش محمد ابن الأحد عشر عاما في “مخيّم شمارخ” شمال حلب، مع أمه وإخوته، ويذهب في كل صباح ليقف عند إشارات المرور، ويقترب من السيارة التي تقف طالبا منها شراء “المحارم” منه، وفي حديثه لـ”حلب اليوم” أخبرنا أنه ترك المدرسة بسبب الوضع الاقتصادي السيّئ للعائلة.
وأضاف محمد: كنت أحب المدرسة، وأشعر بالحزن كلما رأيت أصدقائي ذاهبين إليها، وأحلم بالعودة إلى مقعدي المدرسي وأنتهي من هذا العمل الذي سئمت منه”.
يحصل محمد آخر النهار على مبلغ قليل لا يتجاوز 50 ليرة، بالكاد تكفي لشراء الخبز وشيء آخر”، إذ تواجه مئات آلاف العوائل في الشمال السوري، لاسيما قاطني المخيمات العشوائية، ظروفاً قاسية تزداد سوءاً في فصل الشتاء، مع تقليل الدعم الإغاثي المقدم خلال الأشهر الماضية، ما رفع معدل الفقر والحاجة لدى الأسر الفقيرة، وزاد من عمالة الأطفال.
وفي حالة مشابهة، تقف عائشة وأختها أميرة أمام باب الجامعة، تنتظران مرور أي طالب لتلحقا به، دون كلل أو ملل، حتى يشتري منهما ما تحملناه من بعض الحلوى في علبة صغيرة، وتبقيان هكذا حتى المساء، على الرغم من أنهما أخبرتا “حلب اليوم” عن قطعهما مسافات طويلة حتى يصلا إلى هذا المكان.
وقالت أميرة: “لم نستطع أن نكمل دراستنا في المدرسة لأن ذلك لا يتوافق مع عملنا الذي نحتاجه لنساعد به أبانا العاجز، ولم نكن نحبها أيضا، وكل همنا أن نعمل ونجني المال”.
وفي السياق نفسه قال علاء ياسر كنجو، المدير العام لفرقة السلام للطفل، في حديثه لحلب اليوم: إن عمالة الأطفال تترك نتائج ضارة على الأفراد والمجتمعات والبيئة، ومن المهم وضع سياسات وبرامج لمكافحتها وتحسين الظروف المعيشية للأطفال وأسرهم.
ما نتائج عمالة الطفل في مخيمات الشمال السوري؟
وحول هذا السؤال أفاد كنجو أن لعمالة الأطفال نتائج عدة على جميع الأصعدة ومنها:
الصعيد الصحي:
– الأطفال العاملون غالباً ما يتعرضون لأوضاع عمل خطيرة تؤدي إلى إصابات جسدية، وأمراض مزمنة، أو إرهاق بدني ونفسي.
– نقص التغذية نتيجة لعدم الحصول على طعام صحي ومتوازن.
الصعيد التعليمي:
– عمالة الأطفال تعيق تعليمهم، مما يؤدي إلى تركهم المدرسة مبكرًا أو عدم الالتحاق بها أساساً.
– قلة التعليم تحد من فرصهم المستقبلية في الحصول على وظائف جيدة وتحسين مستوى معيشتهم.
الصعيد النفسي والاجتماعي:
– يمكن أن يتعرض الأطفال العاملون لضغوط نفسية واجتماعية كبيرة، بما في ذلك التنمر، الاستغلال والإساءة.
– تؤدي هذه الظروف إلى انخفاض ثقتهم بأنفسهم وشعورهم بالانتماء إلى المجتمع.
الصعيد الاقتصادي:
– عمالة الأطفال تساهم في دورة الفقر، حيث يُجبر الأطفال على العمل بدلاً من الحصول على التعليم الذي يمكن أن يساعدهم في الحصول على وظائف أفضل في المستقبل.
– زيادة الفقر تؤدي إلى استمرارية عمالة الأطفال عبر الأجيال.
الصعيد البيئي:
– في بعض القطاعات مثل الزراعة والصناعة، يتعرض الأطفال لمواد كيميائية خطرة وبيئات عمل غير آمنة.
– يمكن أن يؤدي ذلك إلى تلويث البيئة المحلية وزيادة التعرض لمخاطر بيئية.
الصعيد القانوني والحقوقي:
– تعتبر عمالة الأطفال انتهاكًا لحقوقهم الأساسية المكفولة بموجب القوانين الدولية والمحلية، بما في ذلك حقهم في التعليم والحماية من الاستغلال.
يذكر أن “منسقو استجابة سوريا” أشار في تقرير له في شباط/ فبراير 2024، إلى أن عمالة الأطفال تشكل الهاجس الأكبر ضمن مخيمات النازحين، إذ تتجاوز نسبة الأطفال العاملين، من الفئة العمرية بين 14 و17 عاماً، 37 بالمئة من إجمالي الأطفال الموجودين في مخيمات النزوح.
وتفسّر معدلات الفقر في شمال غرب سوريا، التي وصلت هذا العام إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق مقارنة بالأعوام السابقة سبب تسرّب الأطفال من المدارس وتوجههم إلى سوق العمل، وبحسب منسقي الاستجابة وصلت معدلات البطالة في المنطقة إلى 88.74 بالمئة.
