خاص – حلب اليوم
تفاقمت ظاهرة عمالة الأطفال في أرجاء سوريا منذ سنوات عدّة، ولكنها باتت منذ أشهر أكثر شيوعاً في مناطق شمال شرقي سوريا، دون أي جهود مبذولة من قبل الإدارة الذاتية ومؤسساتها -التي تعتبر الواجهة المدنية لقوات سوريا الديمقراطية “قسد”- للحد منها، والتي باتت تتربع أبرز القضايا وأكثرها أهمية للحديث عنها والتطرق لأسباب توسعها.
ضحية الفقر
في داخل منطقة “الصناعة” بمدينة القامشلي جنوبي الحسكة، التقت مراسلة “حلب اليوم” بالطفل “ي.ح” البالغ من العمر 14 عاماً، والذي يعمل في محلٍ لتصليح السيارات (ميكانيكي)، منذ ما يزيد عن عامين، بهدف إعانة والدته باعتباره الأكبر سناً لأشقائه الأربعة، في تأمين مستلزمات العائلة.
يقول الطفل “ي.ح” إنه يخرج للعمل منذ الساعة الثامنة صباحاً من كل يوم وأنه يبقى في العمل حتى غياب الشمس، وفي بعض الأوقات قد يعود إلى منزله عند الساعة التاسعة مساءً.
يروي الطفل لمراسلتنا، أنه بدأ العمل في محل تصليح السيارات بعد وفاة والده إثر تردي حالته الصحية، الأمر الذي أجبره على التخلي عن مدرسته في الصف السابع لتأمين مستلزمات عائلته.
يُشير بيده التي صُبغت بزيوت السيارت والشحمة، ويُكمل: “اخترت مجال الصناعة لكي أتعلم منها وتكون مهنة لي عندما أصبح شاباً، ولازلت أراهن على نفسي في الغوص بكل تفاصيل هذه المهنة والاحتراف بها، حتى تحقيق حلمي في فتح ورشة يمكن أن تُحقق في المستقبل مردوداً مالياً جيداً لي ولأخوتي، بهدف منعهم من الدخول في دائرة العمل المبكر مثلي.
100 ألف ليرة أسبوعياً
على بعد ما يقارب الـ100 مترٍ فقط من مكان عمل الطفل “ي”، اجتمعت مراسلتنا أيضاً بالطفل اليافع “ح عبدو” البالغ من العمر 16 عاماً فقط، والذي يعمل في ورشة حدادة مع ابن عمه “عبد الله” منذ ما يقارب العام، والذي صادف تاريخ حصوله على الشهادة الإعدادية.
يؤكد “عبدو” أن عمله في الورشة يجلب له دخلاً أعلى بكثير من دخل والده الذي يتقاضى راتباً شهرياً لا يتجاوز الـ250 ألف ليرة سورية بصفته “مدرساً”، حيث يتقاضى “عبدو” وفق قوله راتباً قدره 100 ألف ليرة سورية أسبوعياً من صاحب الورشة، بالإضافة إلى بعض “الإكراميات” التي يحصل عليها من الزبائن.
وبحسب الطفل فإن عمله يُساعد والده في تأمين المصروف المادي للمنزل، خصوصاً في ظل هذه الغلاء الذي يطرأ على المواد باختلاف أنواعها.
عرضة للاستغلال
تصف الناشطة المدنية “سمية الصالح” ظاهرة عمالة الأطفال بـ”القاسية والمدمرة” لحياة الأطفال، فهي تترك آثاراً سلبية عميقة على نموهم وتطويرهم، بالإضافة إلى فقدانهم لبعض حقوقهم الأساسية، ما يجعلهم عرضةً لخطر الاستغلال والتحرش، كما ومن الممكن أن تؤدي ظروف العمل الصعبة إلى تعرضهم للإصابات والأمراض المهنية، ممّا يؤثر على نموهم الجسدي والنفسي.
وتابعت “الصالح” في حديثها لـ”حلب اليوم” بأن الأطفال العاملين في مهنٍ شاقة معرضون بأن يعانوا من مشاكل نفسية عدّة كـ”القلق والاكتئاب”، كما من الممكن أن يتأثروا بنقص التفاعل الاجتماعي تجاههم، نتيجة قلة فرص التفاعل مع أقرانهم والانخراط في الأنشطة الاجتماعية.
وأسهبت قائلةً: “من المهم أيضاً أن نضع في الاعتبار أن عمالة الأطفال تحرمهم من حقهم في التعليم واللعب والعيش في بيئة آمنة ومستقرة، مما يزيد من احتمالية تعرضهم للانزلاق إلى سلوكيات سلبية مثل التدخين وتعاطي المخدرات، ونتيجة لذلك، يميل الأطفال العاملين في مهنٍ شاقة إلى التفضيل لجني المال على حساب التعليم والتطوير الشخصي، مما يعيق تحقيق إمكانياتهم الحقيقية ويؤثر على مستقبلهم بشكل سلبي”.
الآثار الصحية
وعن الآثار الصحية لتلك الظاهرة، يقول طبيب الأطفال “طه شيخو” الذي ينحدر من مدينة الحسكة لـ”حلب اليوم” إن أبرز الأمراض الشائعة التي يعاني منها الأطفال الذين يعملون في مهن مختلفة، هي فقر الدم الحاد وسوء التغذية، ويعود ذلك إلى عدم الاهتمام الكافي بتغذية الطفل وعدم توفير العناصر الغذائية اللازمة لهم.
ويضيف: بسبب فقر الدم الناجم عن سوء التغذية، يعاني الأطفال من تأخر في النمو، حيث يجد الطفل العامل صعوبة في إيجاد برنامج غذائي صحي لنفسه أو لأسرته نظرًا لمسؤوليته في إطعام أطفال أصغر سناً، كما ورأى الطبيب أن عمل الأطفال في المهن الشاقة تحديداً تجعلهم عرضة لمخاطر إصابتهم بـ”الكسور والحروق والآفات الجلدية الأخرى.
تعريف عمالة الأطفال؟
ويقصد بعمالة الأطفال وفقاً للأمم المتحدة، التحاق الأطفال في كل أنحاء العالم بأعمال روتينية، سواء كانت شاقة أو مقدورا عليها، ولأسباب أبرزها الفقر والعوز، وتكون تلك الأعمال مقابل أجر حينا، وبلا أجر حينا، أو بحد أدنى من الرعاية يكفل لهم الحياة.
وقد لا تكون تلك الأعمال شاقة وفقاً للأمم المتحدة لكنها تدخل ضمن مفهوم عمالة الأطفال، كأن يكون الأطفال أضعف أو أصغر من أن يمارسوها، أو أن تعرضهم للخطر بشكل يؤثر على نموهم البدني والعقلي والاجتماعي، كما ومن شأن هذه الظاهرة أن تفاقم الفقر والحرمان في المجتمعات التي تنتشر فيها.
وفي عام 2022، رفعت الأمم المتحدة شعار “الحماية الاجتماعية الشاملة لإنهاء عمالة الأطفال”، بعد أن استنزفت الأزمات الاقتصادية أنظمة الحماية الاجتماعية في الدول الفقيرة والمتوسطة الدخل، مما جعل من الصعب تحييد الأطفال عن العمل.
وتقول منظمة الأمم المتحدة إن طفلاً من بين أربعة أطفال (ممن تتراوح أعمارهم بين 5 سنوات و17 سنة) في البلدان الفقيرة، ملتحق بأعمال تعتبر مضرة بصحته ونموه.