ترتفع نسبة المصابين بالاضطرابات النفسية بشكل مضطرد في شمال غربي البلاد، وخصوصا الاكتئاب والقلق واضطربات النوم، وفقا لما يوكده مصدر طبي مطلع لحلب اليوم.
ويزداد الإقبال على العيادات العصبية والنفسية في المنطقة، مما دفع “اتحاد منظمات الإغاثة والرعاية الطبية” (UOSSM) لافتتاح مركز مجاني في مدينة سرمدا شمال محافظة إدلب، منذ عام 2020، مع تخصيصه رقما للعلاج “اون لاين”.
وافتتح الاتحاد في وقت لاحق عيادة نفسية في مدينة إدلب، حيث تقدم خدماتها بشكل مجاني، مع بعض الأدوية، وتؤكد أن التحفظ على أسماء المراجعين ومعلوماتهم يحظى بالسرية التامة.
ويوكد مصدر طبي مطلع، لحلب اليوم، أن هناك ارتفاعا ملحوظا في أعداد المصابين بالاضطرابات المرتبطة بتزايد الضغوط النفسية في المنطقة، خلال السنوات القليلة الماضية، مع زيادة في الطلب على الأدوية النفسية.
وحول أسباب ذلك، قالت الباحثة الاجتماعية، وضحة العثمان، إن الحالة الاجتماعية والاقتصادية وظروف اللجوء والتشرد وعدم الاستقرار تؤدي إلى زيادة حالات الاكتئاب، وترفع من حالة الشعور بالعجز.
ومن الأسباب أيضا اختلاف البيئات الاجتماعية ووجود الشخص في أماكن مختلفة بالعادات والتقاليد، حيث يجد نفسه مضطرا لمسايرة المجتمع حتى يظهر مثل الناس الموجودين، حيث يوجد نحو 4 ملايين شخص في الشمال السوري، جزء كبير منهم نازحون.
وبات اختلاف البيئات في سوريا كبيرا جدا، و مع وجود عدد كبير من الناس القادمين من بيئات مختلفة في شمال غرب البلاد، ومع حالة النزوح، هناك الكثير من الأشخاص يعجزون عن مجاراة هذا الواقع، ما ينعكس نفسيا عليهم وقد يؤدي لحالات اكتئاب شديدة.
كيف يمكن للإنسان أن يقاوم هذه الضغوطات؟
تلعب التربية الأولى دورا كبيرا حتى يكون الإنسان بطبيعته متعودا على الظروف الصعبة وإيجاد الحلول لمشاكله ما يعني أن هذه القضية لها علاقة ببيئة الإنسان الأولى وما إذا كان قد تم إعداده لخوض التجارب، ولكن الأسر في مجتمعاتنا في المرحلة الأولى من العمر تقوم بحل مشاكل أبنائها، وهو ما ينعكس سلبا عليهم عندما يواجهون معترك الحياة وحدهم حيث يجدون أنفسهم عاجزين عن تحمل الضغوطات، وفقا للعثمان.
وتؤكد الباحثة السورية، أن حجم الضغوطات التي نعيش فيها نحن كسوريين غير طبيعية وغير عادية، وتحتاج إلى قدرة نفسية جبارة لمواجهتها.
ويعيش نحو 1.7 مليون شخص في مخيمات الشمال الغربي، فضلا عن مئات الآلاف من النازحين الذين اضطروا لاستئجار بيوت في أماكن متفرقة، مما أدى لتفريق شمل معظم العائلات والأقارب، في حالة من الغربة داخل الوطن.
ولفتت العثمان إلى أن الإنسان “عندما يعيش في بيئته ومكانه الجغرافي تكون لديه فرصة أكبر للتعافي لأنه يكون محاطا بمقربين وبعائلته الكبيرة وليس فقط أسرته، وبالتالي يكون أكثر قدرة على مقاومة الضغوطات”.
ما انعكاسات ذلك على المجتمع؟
يؤكد متابعون أن انتشار ظاهر ما سلبية قد لا يتوقف عند الأشخاص الذين تطالهم، بل قد يتعداها إلى باقي أفراد المجتمع، وتؤكد العثمان أن المجتمع الذي يضم أشخاص غير طبيعيين و غير أصحاء نفسيا فإنه يكون غير معافى ويعاني انتشار حالات سيئة مثل الجريمة و العنف.
ويسبب غياب التعافي الاجتماعي مشاكل جمة، فهو أمر مهم جدا لبناء العلاقات بين الأشخاص، وبناء مجتمع سليم.
ويرتبط الأمر – بحسب الباحثة – بحالة الطفل الذي كبر وتربى في بيئة مليئة بالضغوطات والتي ربما يكون فيها الاكتئاب عاديا عند الأب والأم، وبالتالي فمن الأكيد أن يكون الشخص غير سوي، وغير قادر على بناء أسرة صحيحة.
ويتحول الفرد المصاب بالاكتئاب إلى شخص “غير قادر على مواجهة المجتمع بشكل صحيح، أو على أن يكون مؤثرا فيه، بل هو شخص يحتاج إلى رعاية المجتمع”، ما يؤكد أهمية علاج الامر والتصدي له.
يشار إلى تسجيل عدد كبير من حالات الانتحار في المنطقة، حيث بلغت 43 حالة، منذ بداية العام الحالي، وفقا لتقرير نسره منسقو استجابة سوريا، اليوم الأربعاء.