ياسر العلاوي
يوماً بعد آخر تفتح سلطة الأسد أبواب فساد جديدة، يستفيد منها المتنفذون من الحزبيين والضباط والتجار الموالين، وتزيد السوريين الساكنين في مناطق الأسد بؤساً وفقراً، دون الالتفات إلى سد احتياجاتهم وتأمين أبسط سبل العيش لهم.
كثيرون وجدوا في نظام الدفع الإلكتروني لتحصيل فواتير الاتصالات والكهرباء والمياه عبر تطبيق مرفق بالحسابات البنكية، طريقة للاستفادة في تحصيل دخل جديد أو زيادة دخلهم الشهري إن كانوا موظفين، في وقتٍ أخذت فيه ظاهرة تشكيل مجموعات تعمل لصالح المتنفذين بالانتشار في مناطق الأسد، تستفيد من عمولات دفع الفواتير إلكترونياً.
سماح -اسم مستعار، 29 عام، موظفة في المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي- قالت لموقع حلب اليوم “أقدم خدمات الدفع الإلكترونية لزملائي في العمل وجيراني في الحي، حسابي البنكي في المصرف العقاري نشط ولا يوجد فيه مخالفات، لذا أستطيع دفع الفواتير مقابل عمولة بدأت بـ 10% بعد فرض تسديدها بطريقة إلكترونية بأيام، ثم ارتفعت بعد 50 يوماً إلى 15%”.
وتضيف سماح أنها تقدم الخدمات لكثيرين لا يملكون حساباً بنكياً في المصرف العقاري، أو لكبار السن الذين لا يعرفون كيفية استخدام نظام الدفع، وتزيد “هؤلاء الكبار في السن، لا يجيدون استخدام نظام الحسابات البنكية، ويخافون من الاستخدام الخاطئ الذي قد يتسبب بفقدان مبالغ كبيرة من أموالهم، لذا أنا أساعدهم في الدفع وآخذ ثمن تعبي، اليوم لدي 85 عميلاً تقريباً بين العمل والجيران، وما أحصل عليه من عمولات يصل إلى ضعف راتبي الشهري -لم تفصح عنه- ما يساعدني على مواجهة موجات الغلاء المستمرة”.
الخبير الاقتصادي رضوان الدبس وافق سماح فيما قالته عن أسباب اللجوء إليها لتسديد الفواتير إلكترونياً وأضاف “إن انقطاع الكهرباء بشكل شبه دائم وعدم توفر شبكة الإنترنت وعدم تمكن الكثيرين من استخدام ماكينات الصرافة، يدفعهم لتقليل العناء والذهاب نحو من امتهن دفع الفواتير كمهنة لتسديد ما عليهم من التزامات”.
وأكد الدبس على أن “هناك كثيرون يملكون مولدات كهرباء أو ألواح طاقة شمسية، وحصلوا على موافقة لتركيب إنترنت فضائي ويستخدمه في موضوع الدفع الإلكتروني، ويطلب نسبة على كل فاتورة بحجة أن تكاليف الكهرباء والإنترنت عالية، ويجب عليه سدادها هو أيضاً، هذا باب استغلال بطرق مختلفة”.
ولأن خدمة الدفع الإلكتروني محدودة الزمن وتنتهي حال التأخر عن الدفع في الوقت المناسب، فإنها صعبة بشكل كبير حتى على أصحاب الحسابات البنكية الذين يملكون تطبيق دفع الفاتورة، ومرده لعدة عوامل تتعلق بالخدمة ذاتها.
حسان -اسم مستعار 35 عاماً يملك محلاً لبيع وصيانة الهواتف النقالة في دمشق- قال لموقع حلب اليوم “أنا أملك حساباً في المصرف العقاري، ونجحت بالحصول على تطبيق الدفع الإلكتروني ورمز تفعيله بفترة قصيرة، بسبب علاقتي المميزة بموظف في المصرف، لكن هذا لم يفدني كثيراً في تسديد الفواتير، حتى الآن لم أستطع تسديد أي فاتورة من حسابي الشخصي”.
وأضاف حسان “هذا فساد، التطبيق مغلق في معظم الأوقات، وفترة توفير الخدمة قصير وفي حال عدم تسديد الفاتورة سيفرض على صاحبها غرامة تأخير، لذلك رغم امتلاكي للحساب والتطبيق معرفتي بطرق الدفع إلّا أني مضطر للذهاب إلى مندوبي شركات تسديد الفواتير الخاصة مثل شركة (Syriatel) عبر تطبيق (Syriatel cash) أو شركة (MTN) عبر تطبيق (Cash Mobile MTN) مقابل عمولة كبيرة، دفعت عمولة 20% من قيمة الفاتورة الثانية بعد فرض الدفع الإلكتروني، ربما تصل إلى 50% في الأيام القادمة”.
واتهم حسان شخصيات أسماها “الناس اللي فوق” دون تحديد من هي هذه الشخصيات باستغلال الدفع الإلكتروني لمصالحهم، وأكد على أن “موضوع إغلاق التطبيق وعدم قبول التسديد من المرة الأولى حتى وإن كان كل شيء صحيح، يوضح أن هناك من يدير اللعبة، القروش اللي فوق أكلونا أكل”.
الخبير الاقتصادي رضوان الدبس قال “إن هذا الأمر يسوّق لمشكلات كبيرة، أحدها السرقة، من الممكن أن يتم سحب مبالغ من الأرصدة لصالح العامل بتسديد الفواتير، ورمي المسؤولية على التطبيق بأنه سحب النقود ولم يسجلها، أو أنه لا يوجد رصيد كافٍ للتسديد، بعد أن يقتطع جزءً من هذا الرصيد لحساب العامل الشخصي”.
وشدد الدبس على أن قرار سلطة الأسد “خاطئ بكل المقاييس، لأن النظام لم يوفر البنية التحتية المناسبة لتطبيق الدفع الإلكتروني، بلا كهرباء وإنترنت لا يمكن الاعتماد على أجهزة سحب العملة (ATM) وهذا يسبب ضغطاً كبيراً على عمل البنوك”.
وذهب الدبس مع رأي حسان حول التلاعب بالقرار وقال “النظام يعرف تماماً سوء البنية التحتية، وأن هناك هدر وفساد تسبب بخسارة الدولة، أعتقد أن قرار الدفع الإلكتروني أحد فتاوى النظام لتقليص هذه الخسارات دون مراعاة احتياجات المواطنين وأمن حساباتهم الشخصية”.
ومع كل قرار تتخذه سلطة الأسد، تظهر بعد فترة وجيزة مجموعات متنفذة تستغل هذه القرارات لمنفعتها الخاصة، وتجيّر لهذا الأمر أشخاصاً ينفذون الأعمال بطرق ملتوية، أشخاصٌ يمكن التبرؤ منهم في أي حال وأي وقت، لتزداد الدائرة المقربة من الأسد ومسؤولية ثراءً ونفوذاً، ويزداد المواطن السوري فقراً وبؤساً ويزداد الفساد انتشاراً..