أكد مسؤول بالخارجية الأمريكية أن بلاده لا تخطط للانسحاب من سوريا، أو التخلي عن “الشراكة” مع قسد، فيما تتصاعد لهجة تهديدات تركيا ضد الأخيرة، وتتجه لتشكيل تحالفات جديدة، ربما تكون مع سلطة الأسد، مما يثير الكثير من الأسئلة حول الترتيبات الممكنة في المنطقة.
ومع إصرار واشنطن على البقاء في سوريا و”التحالف” مع قسد، تبقى الكثير من العوائق أمام تركيا في شمال شرق سوريا، فيما تتجه للتفاهم مع روسيا وإيران لترتيب الملفات السورية، وسط ظروف سياسية غاية في التعقيد.
وقد ربط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بين رغبته في التطبيع مع الأسد، وبين محاربة قسد في سوريا، فما الذي يمكن أن تستفيده تركيا من التطبيع مع بقاء واشنطن ممسكة بكامل تفاصيل الملف؟.
قال الباحث السياسي الروسي المتخصص بالشؤون الدولية والعلاقات الدبلوماسية، ديمتري بريجع، لحلب اليوم، إن واشنطن تحاول الاحتفاظ بما لديها في سوريا، على اعتبارها منطقة مهمة، ولكن سياسة دعم قوات سوريا الديموقراطية “كانت فاشلة”.
وبما أن تلك السياسة “لم تقدم أي شيء” للولايات المتحدة، فإن ذلك قد يعني تغيير الواقع إذا ما وصل دونالد ترامب الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية مجددا إلى البيت الابيض، حيث “سيعمل بالسياسة الجديدة”.
تغيرات كبيرة ربما تحدث في سوريا
ربما لا يستطيع أحد الجزم بما سيحدث في قادم الأيام، ولا أحد يعرف كيف ستكون السياسة الأمريكية في سوريا حال وصول ترامب، ولكن من المرجح – بحسب الباحث ومدير وحدة الدراسات الروسية في مركز الدراسات العربية الأوراسية – أن يتم “التخلي عن مشروع قوات سوريا الديمقراطية”.
وكان الديمقراطيون أكثر من دعم قسد، وفي حال تغيرت الإدارة ربما تحصل تغيرات في ملف الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تستطيع “إصلاح الوضع القائم”.
ويرى بريجع أن عجز الولايات المتحدة عن حل مشاكل الخلافات الداخلية بين الأطراف السورية، ناجم عن عدم امتلاكها أدوات لذلك، بينما لم تنجح المعارضة السورية وائتلاف قوة الثورة المعارضة في إيجاد أي مشروع لحل القضية السورية والانقسامات الداخلية.
وقال إيثان أ. جولدريتش نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى، لموقع رووداو المقرب من قسد: “نخطط لمواصلة مهمتنا وإكمالها”، في إطار “مواجهة تنظيم الدولة”.
ويحافظ نحو 900 جندي أمريكي على نفوذ واشنطن في سوريا منذ سنوات، وكان ترامب قد أمر بعملية إعادة انتشار وسحب نحو 1500 جندي، أثناء ولايته الرئاسية السابقة.
وأضاف جولدريتش: “نحن لا نخطط للانسحاب من سوريا.. نحن نخطط لمواصلة وإكمال مهمتنا لمنع عودة ظهور تنظيم الدولة، ومواجهته والعمل مع شركائنا”.
ماذا يمكن أن تقدمه سلطة الأسد للأتراك؟
يرى المحلل السياسي الروسي أن النظام القائم حاليا في سوريا بوضعه الحالي قد لا يستطيع تقديم الكثير، لكن مع التغيرات التي يمكن أن تحدث ومع الوصول للحل السياسي، يمكن حل الملفات العالقة.
وأعرب عن اعتقاد بأن السلطة في سوريا قد تكون أمام استرجاع ما تبقى من الأراضي الخارجة عن سيطرتها في السنوات القادمة “ولكن طبعا مع تغييرات معينة بداخل النظام السياسي”، وفق مطالب الأمم المتحدة والمقررات الدولية.
ولفت إلى أن هذا الشيء هو المطلوب لعودة اللاجئين طوعا من الأراضي التركية إلى السورية، وهو ما تريده أنقرة.
أما ما تريده روسيا من تطبيع العلاقات بين تركيا وسلطة الأسد، فهو أمر “مهم للسياسة الروسية كإستراتيجية للاستقرار في سوريا، لأن الاستقرار سوف يساعدها على البقاء في الأراضي السورية وفق الاتفاقيات التي أبرمت مع ‘الحكومة السورية’، فروسيا يمكن أن تستفيد من الساحل السوري والقواعد العسكرية في مطار حميميم وغيرها لمدة أكثر من مائة سنة”.
ولا تزال السياسة الروسية الآن مهتمة بأن يكون لها هيمنة في كل مكان “خصوصا منطقة الشرق الأوسط غير المستقرة”، ولكنها لن تذهب نحو التصعيد مع الولايات المتحدة الأمريكية هناك.
وتوجد تفاهمات أمريكية – روسية – تركية على الأراضي السورية، تقتضي ألا يكون هناك اصطدام مباشر، و”هذا ما عمل عليه أردوغان، و حتى ترامب عمل سابقا على أن يكون هناك نوع من التهدئة في المنطقة”.
تركيا تبحث عن حل شامل
في السنوات الأخيرة، اتخذت بعض الدول الإقليمية، بما في ذلك “حلفاء الولايات المتحدة وشركاؤها”، تدابير لتطبيع العلاقات مع سلطة الأسد، ففي العام الماضي، أعادت جامعة الدول العربية عضويته، التي علقتها في عام 2011، كما قامت بعدة خطوات لم تؤد إلى نتيجة.
وقال جولدريتش: “نحن لا ندعم التطبيع مع الأسد، وبالتأكيد نحن لا نطبع معه”، دون الإشارة بشكل مباشر إلى ما إذا كانت الولايات المتحدة لا تزال تعارض تطبيع دول أخرى معه.
لكن الرغبة التركية في التطبيع تأتي في إطار البحث عن حلول لعدة ملفات، منها “وجود قوات أجنبية على الأراضي السورية، وإمكانية الجلوس على طاولة الحوار، واعادة صياغة الدستور، والعمل على عودة اللاجئين وخروج السجناء السياسيين”.
وبحسب بريجع فإن هذه يمكن أن تكون ضمن حلول اللجنة الدستورية السورية التي بدأت العمل منذ إحدى عشرة سنة، ولم تستطيع أي قوة سياسية إيجاد حلول عبرها حتى الآن.
ورجّح أن يكون هناك حل تدريجي “لخروج القوات الأجنبية” مع “تغييرات معينة في النظام السياسي في سوريا”،بحيث يتم تحقيق ما يتطلبه الوضع ليكون هناك استقرار في المنطقة.
ولا تزال واشنطن – بحسب جولدريتش – مصرة على أن يكون الحل “بموجب القرار 2254″، مع “التزام الولايات المتحدة بالمبدأ القائل بأن سلامة أراضي سوريا مطلقة”.