تشكل البطالة في سوريا إحدى التحديات الرئيسية التي تواجه السكان بفعل الأزمة الاقتصادية طويلة الأمد، والتي نجمت عن قمع الثورة بقوة السلاح منذ عام 2011، مما دفع من بقي من السكان في البلاد للبحث عن حلول وبدائل لتأمين قوت يومهم.
وجعل الانهيار الاقتصادي من البطالة مشكلة متفاقمة تؤثر على مختلف شرائح المجتمع السوري، في مختلف المناطق، سواء الخاضعة لسيطرة سلطة الأسد أو الخارجة عنها، في شمال شرق وغرب البلاد.
يقول الشاب الأربعيني محمود لقناة حلب اليوم، إنه منذ نزوحه من ريف إدلب الشرقي، إلى بلدة صغيرة غربيها، لم يجد لنفسه عملا يعتاش منه سوى خلط المنظفات يدويا.
ليس لدى الشاب الذي اعتاد العمل في الزراعة ببلدته قبل النزوح من خيارات كثيرة لإيجاد مصادر للدخل، حيث تقل الفرص بشكل مستمر، في مجتمع أكثر من 85% من سكانه من الفقراء الذي يعيشون على أقل من دولارين شهريا، وفقا لمنسقي استجابة سوريا.
يشتري محمود المواد الأولية، مثل الحمض والتكسابون والتايلوز والمواد العطرية والحافظة، من بائعي المواد الأولية، ليقوم بخلطها بواسعة مثقب في برميل بلاستيكي، قبل تعبئتها في أكياس شفافة، وبيعها لبعض المحال في البلدة.
يحقق الشاب ربحا بسيطا، لا يتجاوز العشرة دولارات للبرميل الواحد (سعة 170 ليترا)، من مادة الصابون السائل (اللودالين)، بالإضافة لصناعة المعجون الأخضر ومعطر الأرضيات.
يؤكد محمود أن الأرباح الكبيرة تذهب لصالح تجار المواد الأولية، حيث أصبحت تجارة تلك المواد بدون تصنيع، مجالا قائما بحد ذاته في الشمال السوري، وهم في الغالب من أصحاب المعامل والمشاغل الكبيرة، ما يعني أنهم يبيعون تلك المواد بأسعار عالية نوعا ما، ويبقى لصغار العاملين في هذه الصناعة هامش بسيط من الربح، بينما يستطيعون هم تحقيق الأرباح المناسبة مع سعر تكلفة أقل للمواد الأولية لكونهم يستوردونها من الخارج، كما أنهم ينتجون كميات كبيرة.
وتشكل صناعة المنظفات في سوريا جزءاً هاماً من الاقتصاد المحلي، وتتمتع بتنوع واسع يلبي احتياجات السوق المحلية ويساهم في توفير فرص عمل للعديد من العمال، في المشاغل والمعامل الكبيرة.
لكن تلك المعامل توقف أغلبها لأسباب متنوعة، بعد عقود من إنتاج مختلف المواد بمواصفات جيدة، من الصابون حتى سائل الجلي ومسحوق الغسيل وغير ذلك من الأصناف.
وتعتمد صناعة الصابون في سوريا على موارد محلية متوفرة بكثرة مثل الزيوت النباتية والصودا الكاوية والماء، وهو ما يساهم في خفض التكاليف وجعل المنتجات متاحة بأسعار مناسبة نسبيا للمستهلكين، فيما تعتمد صناعة المواد الأخرى على المواد المستوردة، وغالبها من الصين، بالإضافة للتكسابون الماليزي و الإماراتي والتركي، والعطور الإسبانية و الهندية.
ومع وجود تحديات اقتصادية جراء الأزمة السياسية والاقتصادية التي تمر بها البلد، تواجه صناعة المنظفات في سوريا تحديات فيما يتعلق بالتوريدات والتسويق، وهو ما يدفع الصانعين لتخفيض نسب المواد الفعالة قدر الإمكان، من أجل تقليل الأسعار، بسبب ضعف القدرة الشرائية.
وتنتشر في الأسواق الكثير من المواد المغشوشة بلا ضوابط أو رقابة، وخصوصا مسحوق الغسيل الذي يضاف إليه كميات كبيرة من الملح، أو المواد بيضاء اللون عديمة الفعالية، أو المواد قليلة الجودة.
ومع تدمير البنية التحتية وغياب الخدمات الأساسية وموجات اللجوء والنزوح، أدت التطورات في شمال غرب سوريا إلى فقدان الكثير من الوظائف، كما تضررت الصناعات التقليدية وقطاع الزراعة، مما سبب ضياع فرص العمل في القطاعات الرئيسية.
وفي إفادته لقناة حلب اليوم، أكد الخبير الاقتصادي السوري، فراس شعبو، أن معاناة الشمال السوري الأساسية تتمثل في عدم قدرة الشركات على التصدير للخارج، مما يحرم أصحابها من إمكانية تسويق منتجاتهم بأسعار مناسبة.
وتواجه صناعة المنظفات حالها حال الكثير من القطاعات مشاكل كبيرة، أهمها عدم وجود أسواق للتصريف، حيث يؤكد أحد أصحاب مشاغل خلط الصابون السائل أن ضيق المساحة المحررة وقلة الخيارات يعيق تطور القطاع بشكل كبير، وأن افتتاح أسواق خارجية يمكن من إيجاد مصادر دخل وفرص عمل وتحسين واقع الإنتاج وجودته.
ويواجه اللاجئون السوريون من العائدين قسرا والمهجرين داخلياً صعوبات كبيرة في إيجاد مصادر دخل ملائمة، مما يزيد الحاجة لخلق فرص عمل مناسبة.