أعادت تصريحات رئيس تركيا رجب طيب أردوغان، أمس الجمعة، حول استعداده لاستعادة العلاقات مع سلطة الأسد، الزخم إلى الملف المُجمّد منذ فترة طويلة، رغم تأكيد الكثير من المراقبين عدم وجود أرضية مناسبة للتطبيع، حتى اليوم.
ومع حديثه عن إمكانية العودة في العلاقات بعيدا إلى ما قبل 2011، أثارت تصريحات الرئيس التركي الكثير من التكهنات والتحليلات، حول مدى جديتها، وما إذا كانت مناورة سياسية، أو استدارة كاملة بالفعل!.
هل تريد تركيا فعلاً التطبيع؟ أم أنها تهدف لشيء آخر؟
في إجابته على سؤال من حلب اليوم، حول ذلك، قال الكاتب والمحلل السياسي التركي، مهند حافظ أوغلو، إن الأمر ذا شقين؛ أي أن هناك تحركا و تغيرا في الموقف التركي من حيث الأساس، “وإن كان الذهاب نحو التطبيع و إعاده العلاقات على ما كانت عليه سابقاً لا يزال بعيدا”.
كما رآى أن هدف التصريحات الأساسي هو “قطع الطريق على المعارضة التركية لأن زعيم حزب الشعب الجمهوري قال إنه سوف يذهب للقاء بشار الاسد في دمشق إن اضطر الامر، وبالتالي فهي محاولة لقطع الطريق من أردوغان على المعارضة لكي لا تتصدر المشهد”.
أما الكاتب والمحلل السياسي التركي، يوسف كاتب اوغلو، فقد رآى أن هناك رغبة حقيقية لدى أنقرة في استعادة العلاقات، حيث قال لحلب اليوم، إن التصريحات التي أطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمس الجمعة، بشأن الانفتاح على الحوار مع سلطة الأسد، أتت بعد تصريحات مماثلة من الأخير، وبالتالي “نستطيع أن نقول بأن السياسة لا تعرف عداوات دائمة ولا صداقات دائمة وإنما هي لغة المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة”.
ورغم وجود “رسائل مماثله لينة من قبل سلطة الأسد” مقابل التصريحات التركية، لكن “الذهاب نحو تطبيع كامل وعلاقات كاملة كما كانت عليه سابقا دونه معوقات كثيرة لا يزال أمرا بعيدا”، كما يقول حافظ أوغلو، مشيرا إلى “الواقع الميداني في الجغرافيا السورية، بوصفه أمرا في غاية الخطورة لأن عدم بسط سلطة الأسد سيطرتها على كامل الجغرافيا السورية لا يجعل من تركيا مرتاحة لأي تقارب بالمعنى الذي كان عليه سابقا”.
ورغم أنه لم يستبعد عقد لقاءات متكررة كما رأينا في السابق ما بين وزراء الخارجية، بل “قد تكون هناك ربما مصافحة كما كانت ما بين أردوغان والسيسي في مناسبة ما”، لكن الكاتب التركي يرى أن الأمر مختلف، فهناك عدم بسط للسيطرة على التراب السوري، وهذا يقلق تركيا بشكل أساسي فضلا عن أن هناك وجودا سوريا في تركيا يعيق الحكومة التركية ويجعل من المعارضة تستغل هذه الورقه بشكل كبير، وبناء عليه فالأمر ليس كما نُشر او كما هو بشكل حرفي”.
ماذا تريد تركيا من سلطة الأسد؟
اوضح كاتب أوغلو أن التغيرات الجيوسياسية التي تعصف في المنطقة والتهديدات والخطر الإقليمي الموجود، دفع بلاده لمحاولة نزع فتيل أي تهديد لأمنها القومي الذي يعتبر أولوية قصوى، وبالتالي فإن هذه التصريحات لأردوغان جاءت ردا على تصريحات مماثلة للأسد، وهما متفقان على وحدة الأراضي السورية.
ويرى الكاتب والمحلل التركي، أن على بلاده التعاون وفتح قنوات حوار دبلوماسية مع سلطة الأسد، باعتباره “المسؤول عن الأمن والاستقرار في بلاده ودعم هذه الجهود في هذا المجال”، بما أن تلك التنظيمات موجودة على الأراضي السورية، حيث تريد أنقرة محاربة كل التهديدات الموجودة في سوريا، والمتمثلة في قسد و’وحدات حماية الشعب’ و ‘بي واي دي’ و ‘بي كا كا’ وجميعها مصنفة كمنظمات إرهابية وتسعى إلى تهديد الأمن القومي التركي.
بدوره اعتبر حافظ أوغلو أن تصريحات أردوغان “موجهة للداخل أكثر منها للواقع الحقيقي لأن الميدان حساس وصعب”، وذلك “رغم حديثه عن إمكانية تبادل الزيارات العائلية”.
تطالب سلطة الأسد بسحب القوات التركية.. ما مصير إدلب و الشمال الغربي؟
أكد يوسف كاتب أوغلو أن قضية انسحاب القوات التركية من شمال سوريا في المناطق التي تخضع للسيطرة التركية، و موضوع اللاجئين وغيرها هي “ملفات شائكة”، لذا “تتم تنحيتها الآن جانبا” والتركيز على “القضايا والتهديدات الحقيقية التي تعصف بكل من تركيا و سوريا ومن أهمها محاولة إقامة كيان انفصالي على أساس عرقي أو مذهبي في شمال سوريا وفي العراق بعد ذلك”.
أما حافظ أوغلو فقد اعتبر أن اشتراط سلطة الأسد سحب القوات التركية أو جدولة الانسحاب، “رأي إيران بشكل مباشر ولكنه يأتي على لسان سلطة الأسد”.
وقال إن تركيا “لن تخرج من الشمال السوري ولن تكون هناك جدولة ما لم يكن هناك حل كامل للملف السوري على المستوى السياسي”، أما على المستوى الأمني و تحديدا في شمال سوريا شرقَ الفرات وغربه، فإن أنقرة لن تناقش حتى جدولة الانسحاب ما لم يكن هناك حل أمني على عمق 50 كلم تقريبا، وما لم تطمئن إلى أمنها بالمطلق.
ولفت إلى أن سلطة الأسد “تدرك تماما هذا” ولكن مطالبتها بالانسحاب مجرد رسائل ضغط لإطالة الأزمة من قبل إيران للاستفادة من هذه التخبطات الحاصلة، و “كل ما في الأمر هو أن تستفيد من التطورات الإقليميه الخطيرة سيّما بعد حرب غزة”، وإن كانت تركيا تريد أن تكون هناك تفاهمات و “خط أكثر سخونة مع دمشق” فيجب على سلطة الأسد عدم الانجرار وراء مشاريع طهران، أو اقتحام “نيران الحرب التي ربما تطال الأردن أو لبنان”.
ورغم احتمال إقامة تنسيقات على المستوى الأمني الاستخباراتي، لكن حافظ أوغلو يستبعد أن تكون هناك تحولات كاملة في الموقف التركي، ويرى أن “هذا الأمر بعيد المنظور وبعيد عن الواقع”.
وكان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، قد اكد الأسبوع الماضي، أن لأنقر عدة مطالب مستبعدا أن سلطة الأسد مستعدة لتنفيذها.