خاص – حلب اليوم
نجاحات عديدة يحققها السوريون في بلاد اللجوء، رغم الظروف الصعبة التي يواجهونها؛ من بينها حصول 3 طلاب سوريين على مرتبة الشرف في جامعة أرزروم التقنية التركية في ولاية أرزروم شمال شرقي تركيا.
ونجح الطلاب الثلاثة بنيل المراكز الأولى في قسم إدارة الأعمال ضمن كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية في جامعتهم، حيث حصلت الطالبة بيان الجعفر على المرتبة الأولى ضمن قسم إدارة الأعمال على دفعة العام 2024، بينما حصل الطالب ماهر عبد الهادي على المرتبة الثانية في نفس القسم والدفعة، في الوقت الذي حصل فيه الطالب زياد طه على المرتبة الأولى ضمن الدفعة السابقة.
تحديات القبول الجامعي.. من الاعتقال والحصار إلى المراتب الأولى
وفي مقابلة أجراها موقع حلب اليوم مع الطالب ماهر عبد الهادي، أكد عبد الهادي أن التحدي الأول في إكمال مشواره التعليمي كان الحصول على قبول جامعي في إحدى الجامعات التركية، بعد فترة طويلة من الانقطاع نتيجة ظروف الحرب والتهجير التي عاشها في سوريا.
وأضاف عبد الهادي: “تعرضتُ للاعتقال في بداية العام 2011 خلال هجوم قوى الأمن على إحدى التظاهرات السلمية في محيط مدينة دمشق، وخرجت من السجن بعد وساطة من وجهاء مدينتنا وتقدمت للامتحانات الثانوية بعد 5 أيام فقط من الإفراج عني مع دفعة من المعتقلين، ونجحت بالحصول على معدل 84% حينها إلا أنني لم أستطع الالتحاق بالجامعات السورية نتيجة وجود اسمي على قوائم المطلوبين بسبب المشاركة في التظاهرات السلمية”.
وتابع عبد الهادي: “تحاصرنا في غوطة دمشق الشرقية لعدة سنوات ثم هُجِّرنا إلى الشمال السوري عام 2018 لأقرر حينها مواصلة تعليمي الجامعي”، مستدركًا: “إلا أن عدم الاعتراف بجامعات الشمال السوري دفعني للدخول إلى تركيا عام 2019 بهدف الدراسة في جامعاتها”.
وأضاف: “قمت بالتسجيل في 48 جامعة، لازلت أحتفظ بأسمائها حتى الآن، قبل أن أحصل على أول قبول لي في إحدى الجامعات التركية تبعه قبول في 4 جامعات أخرى، وكان السبب في رفض أوراقي هو “العمر” في كثير من الأحيان، إلا أن كثرة الجامعات التركية التي يزيد عددها عن 200 جامعة يمثل فرصة للطلاب الأجانب الراغبين في الحصول على قبول جامعي بخلاف الوضع في سوريا حيث لم يكن فيها أكثر من عدة جامعات خلال حكم الأسد الأب والابن”
“لم استطع الالتحاق بالجامعات السورية نتيجة وجود اسمي على قوائم المطلوبين بسبب المشاركة في التظاهرات السلمية”.
“قمت بالتسجيل على 48 جامعة، لازلت احتفظ بأسمائها حتى الآن، قبل أن أحصل على أول قبول لي في إحدى الجامعات التركية”.
ماهر عبد الهادي – المرتبة الثانية على قسم إدارة الأعمال في جامعة أرزروم التقنية
تحديات السنة الأولى.. من الرسوب إلى النجاح بمرتبة الشرف
وفي مقابلة أجراها موقع حلب اليوم مع الطالب زياد طه أكد طه أن السنة الأولى كانت الأصعب على الإطلاق وذلك نتيجة صعوبات الدراسة بلغة أجنبية.
وقال طه في حوارنا معه “على الرغم من أنني حققت في نهاية المطاف المرتبة الأولى على قسم إدارة الأعمال ومرتبة الشرف بمعدل 3.46 إلّا أنني رسبت في السنة الأولى بسبب صعوبة اللغة التركية مع كل جهودي في ذلك الوقت، وهذا تأكيد للقاعدة التي تقول: إن بداية النجاح تكون بالمرور بمحطات من الفشل والتعب”.
“رسبت في السنة الأولى بسبب صعوبة اللغة التركية مع كل جهودي في ذلك الوقت، وهذا تأكيد للقاعدة التي تقول: إن بداية النجاح تكون بالمرور بمحطات من الفشل والتعب”
زياد طه – المرتبة الأولى مع درجة الشرف (الدفعة السابقة) – قسم إدارة الأعمال في جامعة أرزروم التقنية
الدراسة بلغة أجنبية.. التحدي الأبرز أمام الطلبة السوريين في تركيا
وأكد الطلبة الثلاثة الذين قابلناهم أن عائق الدراسة بلغة أجنبية كان هو العائق الأبرز في مسيرتهم الجامعية، ورحلتهم للحصول على المراتب الأولى في دراستهم.
وفي هذا السياق قال الطالب السوري زياد طه: “في السنة الأولى لم أكن قادراً على فهم ما يقال في المحاضرات أو فهم ما أقرأه بسهولة، لذلك كنت أمضي في البداية 4 ساعات في ترجمة صفحة واحدة لفهم ما أقرأه، بينما كان المطلوب مني دراسة عشرات الصفحات أحيانا”،
وأشار طه إلى أنه كان يجلس في المقعد الأول أمام المحاضر حتى يسمعه جيدًا ويكتب كل كلمة يقولها، مضيفًا: “استمرت السنة الأولى على هذا الحال لذلك رسبت في كل المواد خلال الفصل الأول باستثناء مادة اللغة الإنكليزية”.
وتابع طه “في السنة التي تليها كنت أشعر بضغوط كبيرة جداً فليس لدي رفاهية الاختيار فإما أن أنجح أو أن أنجح، لذلك أعدت دراسة كل مواد الفصل الأول وبعض مواد الفصل الثاني وبدأت النجاحات تتوالى وتطورت لغتي التركية إلى الأفضل”.
من جهتها قالت الطالبة بيان الجعفر لحلب اليوم التي حصلت على المرتبة الأولى في قسم إدارة الأعمال أيضًا مع مرتبة الشرف، والمرتبة الثانية على كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية “إن أبرز الصعوبات التي واجهتني خلال دراستي هي صعوبات الدراسة بلغة أجنبية، من الصعب والمحزن جدّاً الدراسة بلغة مختلفة عن لغتي الأم”.
وتابعت: “كان تحديًا كبيرًا بالنسبة لي وأردت أن أفكّر كعادتي بجوانبه الإيجابيّة.. أذكر بسنتي الأولى كنت أدرس – حرفيًا – معظم وقتي، حيثُ لم أكن أعلم حتى معنى كلمة الزائد(+) باللغة التركية”، مضيفة: “بصراحة، نعم، تعلمت كل شيء يخصّ اللغة في مجالي تقريبًا، وركزت على تطوير لغتي عن طريق دراستي الجامعية والحديث مع زملائي الأتراك”.
“من الصعب والمحزن جدًا الدراسة بلغة مختلفة عن لغتي الأم، أذكر بسنتي الأولى كنت أدرس – حرفيًا – معظم وقتي، حيثُ لم أكن أعلم حتى معنى كلمة الزائد(+) باللغة التركية”.
بيان الجعفر – المرتبة الأولى مع درجة الشرف – قسم إدارة الأعمال في جامعة أرزروم التقنية
من جانبه قال الطالب ماهر عبد الهادي والذي حصل على المرتبة الثانية في القسم ذاته: “في السنة الأولى كنت أفكر في الانتقال لجامعة تُدرِّس باللغة العربية، نتيجة عدم قدرتي على فهم معظم ما يقوله الأساتذة باللغة التركية، إلا أنني قررت المحاولة”.
وتابع: “أذكر أن امتحاني الأول كان في مادة “الاقتصاد الجزئي”، وعملت حينها على اختصار عبارات الكتاب بعباراتي الخاصة والبسيطة والتي يمكنني كتابتها خلال الامتحان، ونجحت من خلال هذه الطريقة بالحصول على درجة 60%، وهو ما عزز الأمل لدي أن الدراسة بلغة أجنبية أمر ممكن، وأن النجاح وربما التفوق أمر ممكن أيضًا، لأحصل بعد ذلك في كثير من المقررات على درجة ِAA والتي تعادل 100%.
التزامات الأسرة وتحديات الجمع بين الدراسة والعمل
ولدى سؤاله عن التحديات الأخرى التي واجهته، أشار الطالب ماهر عبد الهادي، إلى أن التزامات العمل والأسرة والدراسة في جامعة ثانية كان التحدي الأبرز له بعد اللغة، مجيبًا: “ليس من السهل الجمع ما بين العمل والدراسة، كنت مضطرًا للعمل في أكثر من مكان لإعالة نفسي وأسرتي (زوجتي وطفلَي) خلال رحلتي الدراسية. كان من الجيد أني درست تخصصًا آخر – وفق نظام التعليم المفتوح – وهو العلوم السياسية والعلاقات الدولية والذي تخرجت منه بدرجة الشرف أيضًا، وهو ما فتح المجال أمامي للعمل في مجال الأبحاث والدراسات والتحرير الصحفي بنظام العمل عن بعد”.
وأضاف عبد الهادي: “مثّل ذلك فرصة لي للجمع بين الدراسة والعمل، إلا أنني كنت في كثير من الأحيان اضطر إلى العمل خلال أيام الامتحانات، ما ولد ضغطًا إضافيا ودفعني لعدم النوم في معظم الليالي التي تسبق الامتحانات والتي تركزت دراستي للمقرات فيها”.
التفوق الدراسي في مواجهة العنصرية
مع ارتفاع مستوى الخطاب العنصري في تركيا تجاه اللاجئين السوريين، مثل ذلك تحديًا إضافيًا في المسيرة الدراسية لمعظم الطلبة السوريين.
وفي هذا السياق قال الطالب زياد طه: “واحدة من الصعوبات أيضاً هي العنصرية التي تفاقمت خلال السنوات الأخيرة فمنذ الأيام الأولى في الجامعة واجهت بعض المواقف العنصرية الصغيرة والتي ألمحت إلى أن هذه التصرفات سوف تستمر في تقييد تعاملي مع الغير خلال سنوات الدراسة، ولكن لم أستسلم لهؤلاء ولم أتجنب جميع الطلاب الأتراك بل كنت أسعى للتعرف على ذوي الأخلاق منهم”.
في حين قالت الطالبة بيان الجعفر: “دراستنا باللغة التركية هي خطوة مُجبرون عليها – نوعًا ما – لكن أحبّ دائماً كما ذكرت أعلاه أن نرى كلّ شيء من جانبه المشرق. لذلك أقول للطلبة تعلّموا اللغة بدايةً والجزء الأكبر من الأتراك – الذين عاملتهم على الأقل – محبّ للسوريين بنظري، والجزء القليل هم العنصريون الذين نراهم على الإعلام، فلا تدعوهم يؤثّرون عليكم”.
وأضاف الطالب ماهر عبد الهادي في هذا السياق أن المستوى العلمي المتقدم يحد من النظرة العنصرية التي تنطلق في كثير من الأحيان من الجهل الذي يدفع البعض للتعميم وإطلاق الأحكام العشوائية، مشيرًا إلى أن معظم الأكاديميين في الجامعة كانوا متعاونين مع الطلبة الأجانب، وأن دراسة بعضهم خارج تركيا جعلتهم يشعرون بمعاناة الطلبة السوريين، ما جعل العنصرية مقتصرة على بعض تصرفات الكادر الإداري المحدودة داخل الجامعة وبعض المواقف الأخرى خارجها.
خطط ما بعد التخرج
وفي سؤالنا للطلبة المتفوقين عن خططهم ما بعد التخرج، قالت الطالبة بيان الجعفر “هدفي الأساسي هو بناء شركة تجمع بين التصوير والإدارة، لكنني لن أستطيع فوراً البدء بها، لذلك أخطط بأن أحصل على شهادة مُعترف بها في مجال التصوير لأن هواية التصوير وحدها لا تكفي”.
وتابعت: “ومن ثمّ أخطط للبدء بخوض تجارب العمل بحيث أستطيع الاستفادة من جميع خبرات وتجارب جميع من سأعمل معهم، وبإذن الله سأكون الأولى في مجال عملي على مستوى تركيا مبدئيًا ومن بعدها عالميّاً”.
في حين قال الطالب ماهر عبد الهادي: “أخطط حاليا لمتابعة دراستي الأكاديمية، والحصول على درجة الماجستير في الإدارة العامة والعلوم السياسية، باعتبار هذا التخصص يجمع بين التخصصين اللذين درستهما في مرحلة البكالوريوس وهما “إدارة الأعمال” و”العلوم السياسية”.
وتابع عبد الهادي في الوقت ذاته، أخطط للعمل على تعزيز خبرتي في مجال الأبحاث والدراسات، حيث حصل بحث التخرج الخاص بي في إدارة الأعمال بعنوان “التخطيط الإستراتيجي في إدارة الأزمات: تقنية التخطيط بالسيناريو في مواجهة التحديات الزلزالية شمال غربي سوريا” على درجة 95%، كما حصل بحثي في العلوم السياسية تحت عنوان “الإستراتيجية الروسية بين الشيشان وسوريا: دراسة مقارنة” على أفضل مشروع تخرج في الدفعة أيضًا، وهو ما ولّد لدي رغبة في الانخراط في مجال الكتابة البحثية على مدار السنوات الماضية، وكتابة السيناريوهات السياسية والتاريخية لفيديوهات حصد العديد منها على ما يزيد عن مليون مشاهدة.
كما أتطلع للانخراط في مجالات ذات صلة مباشرة بالتخصصين اللذين درستهما، مثل الإدارة السياسية، وإدارة المشاريع وإدارة العمل الإعلامي والبحثي.
من جانبه، قال الطالب زياد طه إنه يخطط بعد التخرج للعمل في مجال تحليل الأعمال لـ”اكتساب الخبرة العملية المطلوبة”، مضيفًا: “في الوقت نفسه أنوي مواصلة تعليمي والحصول على درجة الماجستير، لأتمكن من تعزيز معرفتي وتطوير مهاراتي بشكل أكبر”، وختم كلامه بالقول: “أؤمن أن الجمع بين العمل والدراسة سيساعدني على تطبيق ما أتعلمه عملياً، مما سيمنحني ميزة إضافية في مسيرتي المهنية”.