ياسر علاوي
ثمانية أشهر مضت وما تزال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة مستمرة، ما استدعى تحركاً دولياً مناهضاً لما يجري هناك يرافقه تحركات قانونية من شخصيات ودول وكيانات انتهت بطلب مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية كريم خان إصدار مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت وأيضاً يحيى السنوار القيادي في حركة حماس، وإسماعيل هنية ومحمد الضيف.
وهنا نرى أن البيروقراطية الدولية سارت على عجالة نحو قبول الشكايات فيما تمهلت كثيراً في الأحداث التي دارت في سوريا وما ارتكب فيها من انتهاكات وجرائم.
مع هذا التطور يتساءل سوريون عن الحالة السورية ولماذا لا يطلب إصدار مذكرات توقيف بحق سلطة الأسد ومرتكبي جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سوريا.
يبين المختصون الفروقات بين ما يحدث في فلسطين وما حدث ويحدث في سوريا، وأهم الفروقات أن فلسطين وإسرائيل عضوتان في محكمة الجنايات الدولية أما سلطة الأسد فلم تنضم للمحكمة ولم توقع على اتفاق روما الأساسي، لذا يجب اتباع طرق أخرى حتى يصبح من الممكن إصدار مذكرة توقيف بحق رموز سلطة الأسد وشخوصها.
المحامي عبد الناصر حوشان بيّن لحلب اليوم نقاط الاختلاف بين الحالتين وأن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية يمكنه فتح التحقيق إذا كانت الجرائم قد ارتكبت في الدول التي صادقت على ميثاق المحكمة أو في حال اقتناعه بشكل تام وفقاً لدلائل وقرائن قانونية تثبت بشكل قاطع مسؤولية فرد أو جماعة عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية فيتقدم بطلب أمام الدائرة التمهيدية للمحكمة لإصدار مذكرة توقيف وبدء التحقيق.
وتحدث حوشان عن طرق أخرى للوصول إلى أروقة الجنائية الدولية عن طريق “تحويل ملفات الجرائم من مجلس الأمن إلى المدعي العام فيها”، وهذا يتطلب جهدا كبيرا لإقناع أعضاء المجلس وتوافقهم على أن ما قامت به سلطة الأسد يرقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية شريطة ألا تستخدم دولة دائمة العضوية حق النقص “فيتو” ضد أي قرار يدين الأسد.
هذا ما أكده جورج الخال (ماجستير في القانون الدولي) في حديثه لحلب اليوم مبيناً أن “الجنائية الدولية تحاكم الأفراد وليس الكيانات وفي حالة بشار الأسد فإن المحكمة تراعي موضوع الحصانة الدبلوماسية ذلك لأن سوريا لم توقع على اتفاق روما الأساسي”.
وأضاف الخال “صلاحيات المحكمة تطال ثلاثة مناصب في الدولة وتحاكم المسؤولين فيها وهي رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ووزير الخارجية ولهذه المناصب حصانة تقف بينهم وبين آليات إنفاذ القانون الدولي إلا حين يترك أو يعفى أو تنتهي ولاية المسؤول في هذه المناصب”.
حالات أخرى شرحها السيد عبد الناصر حول إمكانية تقديم شكاوى عن طريق دولة متضررة من الجرائم التي ارتكبتها سلطة الأسد وحلفاؤها وإحالة ملف هذه الجرائم للمحكمة ما يدفع المدعي العام لفتح تحقيق في تلك الجرائم.
جورج الخال قال إنه من الممكن أن تتقدم دولة عضو في المحكمة الجنائية الدولية بدعوى ضد سلطة الأسد إذا كانت متضررة بشكل مباشر مما يجري في سوريا، وهذا الأمر ينطبق على الأردن التي استقبلت مئات الآلاف من اللاجئين السوريين خاصة من جنوبي سوريا، وتركيا التي استقبلت قرابة 3 ملايين لاجئ سوري من مختلف المناطق السورية.
مسؤولة التواصل والتنسيق برابطة عائلات قيصر ياسمين مشعان قالت “بسبب تعثر إحالة الملف السوري من مجلس الأمن لمحكمة الجنايات خاصة مع استخدام حق النقض “فيتو” من قبل روسيا والصين، حاولنا في رابطة عائلات قيصر ومنظمات أخرى البحث عن طرق بديلة للوصول إلى المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية، إحدى هذه الطرق كانت محاولة إقناع الأردن برفع دعوى ضد سلطة الأسد باعتبارها موقعة على اتفاق روما الأساسي ومتضررة بشكل مباشر من موجات التهجير القسري من جنوبي سوريا إلى أراضيها، لكن للأسف المملكة الأردنية لم تستجب لمحاولاتنا”.
وأضافت المشعان “المحاولات مستمرة للوصول إلى المدعي العام في حال استطعنا تقديم الأدلة والإثباتات إلا أن مشكلة غياب الجهة الرسمية المدعية تعرقل الوصول للمدعي العام وأيضاً عدم وجود توافق سياسي دولي على محاسبة الأسد”
وشددت مسؤولة التنسيق في رابطة عائلات قيصر على أن هناك تقصير من قبل المعارضة السورية وعلى رأسها الائتلاف في دعم الجهود ومحاولات استصدار مذكرات اعتقال بحق بشار الأسد وأفراد سلطته.
بدورها، قالت نائبة رئيس الائتلاف السوري ديما موسى لحلب اليوم “إن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية لا يستطيع رفع دعوى بهذا الصدد، ولا معنى لمساندة التحركات التي تقوم بها المنظمات لأن التوجه لمحكمة الجنايات يحتاج ضوابطاً قانونيةً”
وأضافت الموسى أنه “لا وجه مقارنة بين الحالة السورية والحالة الفلسطينية خاصة أن سوريا ليست عضواً بالمحكمة الجنائية الدولية ولم توقع على اتفاق روما الأساسي”.
ومع عدم تطابق الحالتين السورية والفلسطينية ووجود تفاوت كبير بين مسببات رفع الدعوى واستجابة المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية، بحثنا عن حالات أخرى يمكن للسوريين استخدامها للدفع باتجاه استصدار مذكرات توقيف بحق شخوص سلطة الأسد، وهنا كان للمحامي عبد الناصر حوشان رأي في تشابه مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وماريا لفوفابيلوفا مفوضة حقوق الطفل في مكتب رئيس الاتحاد الروسي بتهمة ارتكاب جريمة حرب والترحيل القسري للأطفال الأوكرانيين ومنحهم الجنسية الروسية، الفارق الوحيد هو أن المتقدمة بالدعوى هي الحكومة الأوكرانية وتعتبر جهة رسمية.
أما في الحالة السورية فلا جهة رسمية بادرت برفع دعوى ضد سلطة الأسد خاصة مع عدم اتضاح موقف الائتلاف السوري المعارض إن كان تكتلاً رسمياً معترفاً به وقادر على اتخاذ مثل هذه الخطوات أم لا، إضافة إلى أن المنظمات الحقوقية تعمل بدون سند دولي أو رسمي لذا لم تتوفر شروط قبول الدعوى ضد الأسد حتى الآن.
ومع الموانع التي يُواجهها السوريون في طريقهم للوصول إلى عدالة دولية تنصف الضحايا وتدين المجرمين فإن العمل على إيجاد طرق جديدة للوصول إلى محكمة الجنايات يعد شاقاً أمام المطالبين بمحاسبة الجناة ومرتكبي الانتهاكات وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في سوريا.
وبهذا فإن الحديث عن إجراءات المحكمة الجنائية والتي لخصها المحامي حوشان بأنها “تبدأ بتقديم لائحة ادعاء وفق قواعد الاختصاص والمقبولية إلى المدعي العام، الذي بدوره يحيلها مشفوعة برأيه الى الدائرة التمهيدية التي تبحث بمسألة الاختصاص والمقبولية فإذا وجدت أنها مقبولة أعادت الملف إلى المدعي العام لفتح التحقيق” مؤكداً “أن مذكرات التوقيف ملزمة لكل الدول الأعضاء بتنفيذها لأن هناك نص صريح في ميثاق المحكمة يقضي بذلك ولا تعتد بالحصانات للمسؤولين مهما كانت صفاتهم”.
لكن محاولات السوريين لم تصل بعد إلى المدعي العام وهي إلى الآن خارج أروقة المحكمة الجنائية الدولية
هذا ما يجعل المهمة أصعب وهي مرمية بالكامل على كاهل ذوي الضحايا والمنظمات الحقوقية ومنظمات توثيق الانتهاكات بدون سند رسمي ومع غياب الفاعلية للهيئات السياسية السورية وفق ما ذكرت ياسمين المشعان مسؤولة التنسيق والتواصل في رابطة عائلات قيصر وهذا يزيد من صعوبة الوصول للمحاكم الدولية خاصة المحكمة الجنائية.
المشعان قالت إن خطوات أخرى يتم التحضير لها تدعم طلب منظمات سورية إنشاء محكمة دولية خاصة باستخدام السلاح الكيماوي، وهذا قد يدفع بمجلس الأمن أو الدول الأعضاء في المحكمة الدولية للنظر بالجرائم المرتكبة في سوريا، بعد تأكيدات منظمة حظر الأسلحة الكيماوية على مسؤولية الأسد عن استخدام الكيماوي 17 مرة على الأقل ضد المدنيين في سوريا، فيما أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس في مؤتمر صحفي أجراه عام 2021 أن قوات الأسد استخدمت السلاح الكيماوي 50 مرة ضد المدنيين في سوريا منذ عام 2012.
في هذه الحالة قال جورج الخال إنه من الممكن رفع دعوى أمام المحاكم الدولية ضد بشار الأسد “بصفته القائد العام للجيش والقوات المسلحة، وهو منصب لا يتمتع بحصانة دولية وأيضاً يمكن الوصول له عن طريق منصبه في حزب البعث وقيادته، الحزب الذي شارك في قمع السوريين المنادين بالحرية منذ عام 2011”.
الخال قال “إن عدم الحصول على وثائق رسمية تثبت هذه المشاركات يجعل من الصعوبة إقناع المدعي العام في محكمة الجنايات الدولية الدخول قانونياً بدعوى ضد بشار الأسد أو أفراد سلطته”.
بعد الإيضاحات التي تقدم بها المختصون والمشاركون في توفير وثائق حقيقية قادرة على إدانة الأسد وشخوص سلطته من قيادات أمنية وعسكرية وأخرى مدنية ارتكبت جرائم ضد الشعب السوري لسنوات طويلة، يمكن القول إن البيروقراطية الدولية وما تحويه من ممرات ضيقة ومطبات تصفها بـ “القانونية” تقف في وجه الضحايا وذويهم حتى الآن، الضحايا الذين يطالبون المجتمع الدولي بتحقيق العدالة للسوريين الذين طالبوا يوما ما بالحرية والعيش الكريم.