محمد المصري – أكاديمي سوري
لم يتسن لي لقاء رائد الفضاء السوري الأول محمد فارس الذي كان ضمن فريق الاتحاد السوفييتي عام ١٩٨٧, لكني حضرت منذ فترة محاضرة للسيد مامورو موري, وهو أول رائد فضاء ياباني مختص أتم مهمته مع البعثة الأمريكية عام ١٩٩٢, خلال مؤتمر نظمته مؤسسة هاتوري في ناغويا.
استمعت مؤخراً لعدة خطابات ومقابلات مع فقيدنا أول رائد فضاء سوري و ثان رائد فضاء عربي وشاهدت وثائقياً قصيراً حول تجربته.
هناك عدة نقاط يتفق عليها الرائدان, محمد فارس رحمه الله والسيد موري, فكلاهما يتحدثان عن عظمة الكون وضآلتنا نحن البشر, كلاهما يذكران كيف صغرت الدنيا في نظرهما حين شاهدا الأرض من بعيد, وترى في طباعهما ونظراتهما تواضعاً للناس قل نظيره.. يقول كل منهما بطريقة أو بأخرى: من نحن حتى نتكبر أمام هذا الكون الواسع العظيم!
كانت عيون كل منهما مسمرة على وطنه بينما هو صاعد في السماء..
أراد كل منهما أن يحمل شيئاً من هويته وتاريخه معه للفضاء..
حمل السيد مامورو وريقات زهر الساكورا وكاري و أرز وتعويذة حظ وحتى تفاحاً و مخللاً يابانياً حاراً وأراد أن يحمل أكبر كمية مسموح بها من الأشياء المرتبطة بالثقافة اليابانية.
بينما حمل فارسنا, ابن حلب, معه تراباً من مدينة دمشق. وبذلك كانت أول تربة أرضية وصلت الفضاء هي حفنة من تراب سوريا في يد بطلنا محمد فارس.
بتشجيع من أقرانه, رغب موري بوضع شارة ديانته, الشينتو, لكن تم منعه من قبل ناسا الأمريكية. لم يؤثر معتقده الديني على فرصته مستقبلاً بل أعاد الكرة وصعد للفضاء من جديد بعد بضع سنين.
بينما كانت عبارة “يا الله” التي قالها محمد فارس عند الإقلاع كافية ليحل عليه غضب حكومة الأسد التي حاولت ما بوسعها أن تقوم بتحجيمه ومنع تسليط الضوء عليه إبان عودته إلى وطنه.
خلال ثلاثين عاماً, قام السيد موري بتأليف ٣٠ كتاباً وحصد عشرات الجوائز وألقى مئات الخطب و المحاضرات وما زال يجول مدن وشركات و جامعات اليابان حتى اليوم, برعاية الحكومة اليابانية التي خصصت ما يزيد عن مئتي مليون دولار من أجل تدريبه وتغطية جزء من تكاليف رحلاته, إضافة للرعاية الخاصة, ولم يتوقف طوال ثلاثة عقود عن سرد القصة للناس ومشاركتهم تفاصيل التجربتين التي خاضهما.
بينما أمضى فارسنا آخر عقد من حياته لاجئاً في تركيا لأنه وقف مع الشعب في ثورته ضد الظلم والقهر, ويستبدل اليوم اسم أول وآخر رائد فضاء سوري من مناهج الدراسة , باسم شخص آخر ويتم تزوير تاريخنا علناً لأسباب طائفية وسياسية ..
لا يقع اللوم كله على من حكم ويحكم سوريا اليوم, بل علينا نحن أيضاً..
من تسابقنا ونتسابق للعزاء و الدفن و ذكر مناقبه ولم نعطِ بطلنا هذا حقه ولم نقدره بالشكل الكافي حين كان بيننا.