يوافق اليوم الجمعة ذكرى اليوم العالمي للمرأة، الذي اكتسب طابعاً رسمياً منذ عام 1975، حيث اعتمدته الأمم المتحدة كمناسبة للاحتفال في الثامن من آذار/ مارس من كل عام.
ومع معاناة السوريين بكل شرائحهم، تقاسي النساء السوريات ظروفاً استثنائية من بين نساء العالم، مع وقع الحرب وتبعاتها داخل وخارج البلاد.
تقول الباحثة الاجتماعية وضحة العثمان لحلب اليوم إن المرأة السورية تعاني مما يعانيه المجتمع السوري بشكل عام من ارتدادت الحرب، حيث تكون الفئات اﻷكثر هشاشة ومنها النساء عرضة بشكل أكبر للضرر، فالمعاناة هي من معاناة المجتمع.
ومن أبرز المعوقات في بلدان اللجوء مشاكل اﻷوراق الرسمية حيث بات السوريون في سجن كبير – كما تقول الباحثة السورية – خصوصاً لمن يعيش في تركيا مثل أذونات السفر وغيرها فضلا عن التحديات الاقتصادية والمعيشة الصعبة.
وتوضح عثمان أن هذا الواقع تترتب عليه مشاكل كثيرة مثل زواج القاصرات وزواج النساء السوريات برجال أتراك وصعوبة تثبيت الزواج وإلى ما هنالك من ارتدادات للوضع الصعب الناجم عن الحرب.
ورغم ذلك فقد أثبتت النساء السوريات جدارة كبيرة، واستطعن تحدي كافة المعوقات، حيث لفتت العثمان إلى نماذج مشرقة كثيرة في سوريا وفي بلدان اللجوء.
ظروف قاسية في الشمال السوري
نساء كثيرات جداً وجدن أنفسهن وحيداتٍ أمام مسؤوليات جمة، بعد فقدان أزواجهن أو آبائهن وأقاربهن، مع الحرب القاسية والقصف الكبير وموجات النزوح الضخمة نحو الشمال السوري.
ووسط ظروف صعبة حتى على الرجال، تجبر الكثير منهنّ على العمل في شتّى المجالات بسبب غياب اهتمام المجتمع والجهات المسؤولة عن إدارة الشمال المحرر.
تقوم “أمّ محمد” كلّ يوم بنشر بضائعها على الرصيف بعد فتح “الكشك” الصغير الذي استأجرته بالقرب من إحدى الحدائق في مدينة إدلب، لعلّها تستطيع كسب قوت يومها وإعالة أولادها الثلاثة.
وبالرغم من كونها غير سعيدةً ببيع اﻷلبسة المستعملة (البالة) على قارعة الطريق، إلا أنها تؤكد على عدم وجود خيارات أمامها.
تقول “أم محمد” التي تبدو عليها علامات الشحوب، في حديثها لـ”حلب اليوم”، إن وفاة زوجها في معتقلات سلطة اﻷسد، وانشغال أهله وذويه عنها وعن أولادها بسبب صعوبة ظروفهم وسفر معظمهم لخارج البلاد، تركها وحيدةً وحائرةً في خضم ظروف قاسية.
ويوجد في الشمال السوري مخيمات أنشأت خصيصاً للأرامل منذ منتصف عام 2012، قرب الحدود التركية، وتؤوي تلك المخيمات النساء فاقدات المعيل، ويتم تأمين وجبات يومية لهن في 24 تجمعاً.
وبحسب بيانات “حكومة الإنقاذ” العاملة في محافظة إدلب وريف حلب الغربي فقد بلغ عدد العائلات في هذه المخيمات 2495 عائلة، من أصل أكثر من مئتي ألف عائلة تعيش في أكثر من 1127 مخيماً في مناطق إدلب.
لكنّ العثمان” قالت لحلب اليوم إنها ترى تجربة مخيمات اﻷرامل سلبيةً جداً، معتبرةً أنه كان من الواجب ترك هؤلاء النساء في حياة طبيعية وعدم فصلهن عن محيطهنّ الاجتماعي، وهو ما يحملهنّ ضغوطاً وأعباءً نفسية، باﻹضافة إلى أن تلك المخيمات تضمّ نساءً من خلفيات وبيئات متعددة وغير متجانسة.
كما أشارت إلى مشكلة عيش اﻷطفال الصغار ضمن تجمع معزول وهو ما قد يولّد عقداً نفسية واجتماعية لديهم، فضلاً عن مشكلة الاضطرار لانفصال اﻷطفال عن أمهاتهن عندما يكبرون.
تقول “سامية . ع” الفتاة العشرينية إنها ترفض حياة المخيمات وتُفضل العمل في محل لبيع اﻷلبسة النسائية لكسب قوت يومها بعرق جبينها من أجل إعالة بنتيها الصغيرتين.
لكنّها تواجه ظروفاً صعبةً في بيت “على العضم” استأجرته على أطراف مدينة الدانا شمال إدلب، تعاني فيه مع أطفالها من قسوة البرد وحرّ الصيف، وتشعر بشكل دائم بالخطر على نفسها وأطفالها.
وتوجد نساء اضطررن للعمل في مهن غير مناسبة على الرغم من وجود الزوج والمعيل، وذلك بسبب ضعف الدخل اليومي والرواتب وغلاء المعيشة.
وتشير “العثمان” إلى أن هذا الواقع مرتبط بغياب الفرص الاقتصادية سواءً للرجال أو النساء، حيث أن هناك نسبة كبيرة من العائلات التي تُعال من قبل النساء.
ومنذ إصابته في قدمه أصبح “أبو محمود” غير قادرٍ على العمل بشكل كافٍ يعيل معه أفراد أسرته، فيما ترتفع اﻷسعار بشكل مستمر.
هذا الواقع دفعه للقبول بعمل زوجته في الخياطة ضمن منزلها، حيث تبيع اﻷقمشة وتخيط اﻷثواب للنساء، مما يمكنها من دعم زوجها في معركة الحياة الصعبة في الشمال السوري المحرر.
تختار “أم محمود” أقمشةً نسائيةً مميزة، وتُساعدها شبكة معارفها من النساء على ترويج بضاعتها، حيث ينحصر نشاطها ضمن نازحي قريتها الذين لجأوا من ريف إدلب الشرقي إلى بلدة صغيرة غربي حلب.
وتُشير معطيات “منسقو استجابة سوريا” إلى ارتفاع مستمر في حدّ الفقر، ونزول عدد جديد من العائلات شهرياً إلى قاع العوز، مع تدهور الوضع الاقتصادي وغياب الحلول.
ورغم أن التسوّل ظاهرة غير صحية لكن الباحثة السورية ترى أن من النساء من تُضطر فعلاً إلى ذلك، حيث تزداد ظاهرة شحاذة النساء بالتوسع والانتشار في الشمال المحرر، وهو ما تتحمّل المنظمات جزءاً من المسؤولية عنه، فهناك “خطأ فادح” تشير إليه تمّ ارتكابه خلال السنوات الماضية، يتمثّل في تقديم اﻹغاثة فقط بدون خلق فرص عمل، مما جعل البعض يعتاد على التسوّل.
وفيما يُلقي مراقبون باللوم على حكومتي “اﻹنقاذ” و”السورية المؤقتة” في تحمّل جزء كبير من المعاناة، تعليقاً على ذكرى اليوم العالمي للمرأة يعتبر البعض اﻵخر أن حجم المسؤولية أكبر بكثير من قدرة تلك “الحكومات”.
تقول الباحثة السورية إنه كان من المفترض أن يتم اتخاذ إجراءات واضحة لتأمين حياة تلك النساء، وإن لم يتم تقديم رواتب فعلى اﻷقل يمكن تقديم سكن ومأوى وفرص عمل تحول دون دمار شخصيات تلك النساء أو اضطرارهنّ لسلوك غير مرغوب، كما يجب إعداد خطة أكثر جدية وواقعية تساعد النساء على تأمين فرص العمل وعيش حياة كريمة ضمن محيطهن الاجتماعي وليس في مخيمات معزولة.
ظروف قاسية في مناطق سيطرة اﻷسد
تؤكد التقارير الواردة من مناطق سيطرة اﻷسد، أن العديد من النساء السوريات بٍتن يعملن في شتى المهن، التي كانت إلى وقت قريب حكراً على الرجال.
فمن المطاعم إلى محال السمانة وحتى بيع المازوت والبنزين على اﻷرصفة؛ باتت النساء مضطرة للعمل في أي مجال يضمن لها كسب قوتها، وليس ذلك حكراً على اﻷرامل.
يؤكد موقع أثر برس الموالي لسلطة اﻷسد في تقرير سابق أن “عمل النساء بعد الساعة 12 ليلاً تحوّل إلى ظاهرة عادية في مناطق السلطة”، حيث “يُضطر عدد متزايد من النساء المتزوجات والفتيات إلى العمل في الفترة الليلية، بسبب صعوبة اﻷوضاع المعيشية”.
ورغم ما يحمله عمل المرأة في هذا الوقت من مخاطر وأعباء، إلا أنه لا خيارات أخرى متاحة نتيجةً لهبوط مزيد من العائلات إلى ما دون خط الفقر.
يحدث ذلك مع تناقص أعداد الرجال بسبب الخدمة اﻹلزامية في قوات اﻷسد، واضطرار كثير منهم للفرار من التجنيد والسفر للعمل خارجاً.
تقول “هنادي” التي تعمل مضيفةً في أحد المطاعم: إن المهنة الليلية التي تعمل بها “عادية جداً وكثيرات هن الفتيات اللواتي يعملن مثلها”، رغم أن دوامها ينتهي عند الساعة الثانية بعد منتصف الليل.
وتواصل “هنادي” عملها رغم “الانتقادات التي تلاحقها”، حيث “ُتلفق عدّة اتهامات للنساء العاملات في الفترة الليلية”، وتؤكد أن “الوضع الاقتصادي رتّب على الكثيرين سواء فتيات أم شباب العمل ليلاً”.
من جانبها قالت “خديجة” وهي تعمل في مطبخ بأحد المطاعم إن “عمل المرأة في المهن الليلية ليس بالأمر السهل كما يراه الجميع، فالعمل في ساعات النهار يكون آمناً مقارنةً مع العمل في ساعات الليل الذي يحمل الكثير من المخاطر، ويكون السير فيه بكل حذر سواء من طرف الرجال أم النساء، ولكن الظروف قاسية وبات وجود راتب واحد في المنزل لا يكفي ثمن خبز”.
أما “ثريا” التي تعمل ممرضةً في أحد المستشفيات الخاصة فقد أوضحت أيضاً أن عائلتها لا ترفض عمل المرأة ليلاً و”خاصة في ظل الوضع الاقتصادي السيئ على الجميع”، فهي “تزاول مهنة التمريض منذ 10 سنوات واعتادت على هذا العمل الذي يؤمن دخلاً إضافياً إلى جانب دخل العمل الصباحي”.
وتعمل “بشرى” مع شركة تنظيف في دوام ليلي، حيث تخرج من بيتها عند الواحدة ليلاً لتبدأ عملها (عاملة تنظيف) في إحدى المؤسسات ويتوجب عليها أن تنهي عملها قبل مجيء الموظفين صباحاً؛ لذلك تخرج عند الواحدة ليلاً وتعمل لمدة خمس ساعات، وقالت إنها مضطرة ﻷنها “تحتاج إلى مصروف شهري حتى تتمكن من الصرف على أبناءها”، وهذا “شرٌّ لا بد منه وليست باليد حيلة”.
ونقل الموقع عن “خبير في الموارد البشرية”، تأكيده أن “نسبة النساء اللواتي يمارسن العمل ليلاً، أي يعملن لما بعد الساعة 12 ليلاً، يقارب 17%، أما من يعملن بمهن مسائية لغاية الثامنة أو التاسعة فنسبتهن كبيرة جداً بحكم أن الوقت لا يزال مبكراً”.
وفي تقرير آخر سلطة موقع تلفزيون الخبر الموالي الضوء على تفاقم ظاهرة بيع النساء لشعورهنّ، خصوصاً في منطقة الساحل السوري، مع ارتفاع معدلات الفقر.
يتراوح سعر الوصلة بين نصف مليون و3 ملايين ليرة سورية، لكن الثمن الحقيقي أكبر من ذلك، حيث يتم استغلال حاجة النساء ودفع أثمان قليلة من قبل تجار بيعونها للخارج بنحو ضعف المبلغ.
تقارير عدة تؤكد أن الظاهرة ليست جديدة على مناطق سيطرة اﻷسد، في ذكرى اليوم العالمي للمرأة، حيث تلجأ نساء في دمشق إلى ذلك، منذ نحو عشرة أعوام، لكن القضية أصبحت لافتةً خلال اﻵونة اﻷخيرة.