نشرت صحيفة “اندبندنت عربية” تقريراً حمل عنوان “بائعات الخبز على الأرصفة في سوريا يشتهين الرغيف ولا يتذوقنه إلا بائتاً”، سلطت من خلاله على قصة فتاة يتيمة من سوريا تعرضت للتحرش في العاصمة السورية “دمشق“ أثناء بيعها للخبز في الطرقات.
الصحيفة نقلت رواية فتاة تبلغ من العمر 15 عاماً، كانت قد تعرضت للتحرش في شهر ديسمبر/كانون الأول العام الماضي 2023، إذا تقول الفتاة التي أسمتها الصحيفو “عفراء” -استعارةً باسمها الحقيقي-: “وقفت سيارة فارهة يقودها رجل يبدو أربعيني كان ذلك في ديسمبر (كانون الأول) 2023 أشار إليّ بالاقتراب نحوه وسألني عن سعر ربطة الخبز، فأجبته أن ثمنها 5 آلاف ليرة (ثلث دولار أميركي)، فقال وكم ربطة لديك؟ قلت: 10 ربطات، فرد علي قائلاً أريدها كلها، ما رأيك أن تضعيها في المقعد الخلفي وهذه 50 ألفاً”.
تقول الصحيفة إن “عفراء” تمتهن قسراً بيع الخبز الحر لإعالة إخوتها الصغار في دمشق، كما تقول إنها فقدت والدها في الحرب، أما أمها فقد تزوجت ورحلت تاركة الأطفال خلفها من دون معيل مع قسوة الظروف، والأيام جعلت من عفراء طفلة محطمة، وصنعت لها قصة مأسوية بطلتها ربطة خبز وليرات قليلة، وهي قصة شوهت طفولة عفراء وخلقت منها شخصاً مثقلاً بالهموم والأعباء”.
وتكمل الفتاة قصتها: “طلب مني بعد أن وضعت الخبز في سيارته الصعود معه، لا أدري لماذا صعدت، أهو الغباء؟ السذاجة؟ الطمع؟ لاحقاً عرفت لماذا صعدت، لقد كنت أشعر ببرد ينخر عظامي وكنت أنشد لحظات من الدفء قبل أن أكمل ليلي الطويل في الحصول على مزيد من الخبز لبيعه”.
وأسهبت قائلةً: “سار الرجل في السيارة قليلاً ثم توقف ولم يكن ثمة شيء مريب في تلك الأثناء، وتروي عفراء أنه بدا مهتماً جداً بحالها وطفولتها وساعات وقوفها الطويل في البرد، “أخبرته قصتي وما أعانيه وبدا متعاطفاً جداً حتى إني شعرت أن دمعة ستنهار من عينه، شرد قليلاً وعرض علي انتشالي مما أنا فيه”.
وعرض الرجل الأربعيني على عفراء أن تعمل لديه في المنزل لتساعد زوجته في القيام ببعض الأمور المنزلية في مقابل راتب شهري بدا مغرياً لها، وفي هذه اللحظة طلبت الفتاة أن تتوقف عن رواية ما حصل بعد ذلك، وبالفعل صمتت لدقائق ولكن شيئاً من الشجاعة اعتراها لتكمل بصورة متواصلة رواية ما حصل، وفقا للصحيفة.
تقول الصحيفة: “صعد الاثنان إلى منزله فدخلت عفراء قبله بعد أن فتح الباب، كما تروي، وقبل أن تجلس سألته عن زوجته وكانت الساعة قرابة الـ 10 ليلاً، فأجابها أنها في زيارة قصيرة وستعود في غضون نصف ساعة. انقضت النصف ساعة وبعدها نصف آخر وبدأت عفراء تشعر بالتوتر وكان الرجل يحاول الاقتراب منها في موضع الجلوس فتحاول الابتعاد قبل أن تقف وتطلب الرحيل على أمل زيارته في وقت لاحق، وفي هذه اللحظة من رواية قصتها بدت عفراء منهارة الأعصاب، وشرعت في بكاء ممزوج بدمع لا يتوقف، ولكنها أكملت أن الرجل توقف أيضاً حينها وأمسك بها من رقبتها بعنف ودفعها إلى الأريكة”.
تقول عفراء بكلمات شبه مفهومة من كثر البكاء “لا أدري أمزق شيئاً من ثيابي أم مزق كرامتي، ولكنه بالمحصلة اعتدى علي كوحش جامح فداء ربطة خبز، وصرت فتاة ليل لأجل كيس نايلون بداخله بضع أرغفة خبز، لا أريد رواية التفاصيل، ولا زلت عذراء، ولا أدري إن كان ذلك مهماً بعد ذاك ولكني بالتأكيد فتاة بلا شرف تبصق كل يوم على وجهها في المرآة”.
وتتابع قصتها وفي جسدها رجفة لا يمكن عدم التنبه إليها، “كنت أصرخ من دون نتيجة فلم يسمعني أحد، وشيئاً فشيئاً خفت صوتي، أهو الاستسلام أم الضياع؟ وما إن انتهى حتى ابتعد مني وتكورت على نفسي نصف عارية أبكي وأبكي وأبكي، دخل إلى غرفة ثانية وخرج ليرمي في وجهي رزمة مالٍ وقال لي “هذه 300 ألف (20 دولاراً أميركياً) خذيها واخرجي من منزلي، وإياك أن تعودي مجدداً”.
وتضيف: “عرفت حينها أن الشرف رخيص، فـ 300 ألف ليرة ثمني في حياة حرمتني والدين وحرمتني التعلم، تركت المال حيث رماه في وجهي ومضيت من منزله أطوي الطرقات باكية تحت أمطار شهر بارد وموحش، وألعن الحاجة وأنتظر مرور سيارة مسرعة لأرمي نفسي تحت عجلاتها”.
وقبيل انتهاء الحديث مع عفراء طرحت سؤالاً بغرابة مطلقة: “هل هناك ثمن علي دفعه لأني رويت قصتي؟”.
وعلى غرابة سؤال عفراء ولكنه يمكن أن يكون واحداً من أخطر المؤشرات في علم النفس حول المرض الذي يعرف بـ “الرضخ التالي للصدمة”، فالفتاة صارت تعتقد أن كل مساعدة أو حديث يجب أن تدفع مقابله ثمناً هائلاً.
الوصول إلى عفراء
تقول الصحيفة إنه لم يكن الوصول إلى عفراء سهلاً أو حتى مجرد إقناعها بالحديث يسيراً، لولا أن الفتاة التي تصف نفسها بالتي نضجت في تلك الليلة منقلبة من طفلة صغيرة إلى سيدة كبيرة عاشت أياماً طويلة مع فكرة الانتحار قبل أن تقرر زيارة جمعية تقدم خدمات اجتماعية في علم النفس السلوكي.
تشير الصحيفة أن الاستغلال الجنسي للقاصرات صار سمة منتشرة مع تتالي سنوات الحرب في سوريا وحاجة الناس إلى المال بعد أن أنهكهم سوء الحال.
وتقول إن بائعات الخبز ينتشرن اليوم في شوارع دمشق وأكثرهن في أحياء الشيخ سعد والمزة الشهيران وحول دمشق القديمة وعموماً في المناطق التي توجد فيها أفران، وتبدأ قصص كثيرات منهن ببيع الخبز وتصل أحياناً إلى الدعارة مروراً بالتحرش، وكل ذلك لأجل ربح زهيد وبيع ربطة خبز.
وخلَص تقرير الصحيفة أن معظم الباعة فتيات صغيرات لم يبلغن سن الرشد، وبعضهن يمتلكن كثيراً من الحرص والحذر والوعي حيال العابرين أو المشترين، ويعرفن أن مهمتهن هي بيع ما بحوزتهن والعودة بالنقود لأهلهن.