سلّط قرار السماح بإدخال الفروج إلى إدلب الضوء على احتكار البضائع والمواد الغذائية، وأسباب ارتفاعها في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام وحكومة اﻹنقاذ التابعة لها، مقارنةً بمناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي.
ووسط حالة من الاحتقان الشعبي، وتوسع المظاهرات ضد هيئة تحرير الشام، سمحت اﻷخيرة بإدخال الفروج الحي فقط من مناطق ريف حلب الشمالي، ولمدة أسبوع واحد، وذلك بعد ارتفاع كبير بسعره، وصل لـ 30 بالمئة، حيث زاد سعر المذبوح من 60 ليرة إلى نحو 85 ليرة تركية، وزاد متوسط سعر المشوي من 130 إلى 170 ليرة تركية.
يأتي ذلك فيما ارتفعت مؤخراً أسعار اللحوم الحمراء بشكل تدريجي، حيث زادت بنسبة تقرب من 10 بالمئة خلال اﻷسابيع اﻷخيرة، ووصل سعر كيلو “الفطيمة” إلى مابين 350 و380 ليرة، وكيلو “الخروف إلى ما بين 390 و410 ليرة.
وأعاد ذلك القرار التركيز على قضية احتكار كافة المواد وخصوصاً الغذائية، والتحكم بدخولها إلى إدلب وريف حلب الغربي، وفرض أسعار مرتفعة لصالح شخصيات محسوبة على الهيئة.
يقول “أبو محمد” صاحب محل المواد الغذائية في إدلب – رفض الكشف عن اسمه ﻷسباب تتعلق بالسلامة – لحلب اليوم إن تحكم الهيئة بالمواد هو “احتكار كامل اﻷركان لقوت الشعب بكافة أصنافه”.
وأوضح أن سعر طن السكر على سبيل المثال في إدلب، أغلى منه في ريف حلب الشمالي بنحو 10%، بسبب تحكم شخصيات محددة معروفة بارتباطها مع الهيئة؛ ليس بالسكر فحسب، بل بجلّ المواد الغذائية.
يروي سائق سيارة الشحن الصغيرة “بورتر” لحلب اليوم، كيف أنه حاول منذ سنوات أن يتاجر بشحنة من الموز، حيث وجد أن سعرها في إدلب أغلى منه في ريف حلب، فقام بشراء “حمل كامل” ولدى وصوله إلى أول حاجز للهيئة، تم فرض “رسوم” كبيرة عليه.
وأضاف أن تلك الرسوم وضعته في ورطة ﻷنه سيضطر لطلب سعر أعلى من السوق، أو البيع بخسارة، موضحاً أن تجارة الموز وغيره من الفواكه المستوردة محصورة في أشخاص محددين، مرتبطين بالهيئة، وفي حال أراد أي شخص خارج تلك الدائرة أن يتاجر بهذا الصنف فسيتم فرض رسوم كبيرة عليه، بما يعني المنع والاحتكار بشكل غير مباشر.
يقول “أبو محمد” إن هذا الوضع يشبه ما كان يعانيه الشعب أيام سلطة اﻷسد، حيث أن لكل صنف من المواد “أحواتاً” تسيطر عليه، إلا أن اﻷوضاع – مع بالغ اﻷسف – كانت أهون بكثير على المستهلك، فهو اليوم لم يعد يحتمل ذلك مع فقدان القدرة الشرائية.
ويضيف: كان هناك “رامي مخلوف واحد” أما اليوم فهناك الكثير من أشباهه في سائر المحرر، والشمال الغربي، بسبب استئثار الجهات الحاكمة وحصولها على السلطة المطلقة.
وكانت هيومن رايتس ووتش قد أكدت في تقرير سابق العام الماضي أن أكثر من ٩٠ بالمئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، فيما ذكر فريق منسقو استجابة سوريا، الشهر الفائت، أن معدلات الفقر تتصاعد مع الارتفاع المستمر في اﻷسعار، مشيراً إلى “انتهاء الطبقة المتوسطة”.
وقال التقرير إن أكثر من 12.9 مليون نسمة في سوريا يعانون من انعدام الأمن الغذائي، حيث أن ما يقارب 4 من كل 5 سوريين يجدون صعوبةً في تأمين الاحتياج الغذائي اليومي، إلا أن المعاناة تتفاقم في شمال غربي البلاد مع وجود ملايين النازحين في الخيام، ومع كون 85% من العائلات بالمخيمات تعيش على دخل شهري منخفض يقل عن 50 دولاراً.
مشهد يختزل القصة
أغلقت شرطة المرور يوم الثلاثاء الفائت الطريق بشكل مفاجئ بالقرب من كلية الطب على أطراف مدينة إدلب الغربية الشمالية، مع انتشار لعناصر قوى اﻷمن المسلحين مقابل مطعم وكافيتيريا هناك، ليتبين أن هناك وليمة جماعية لعدد كبير من الشخصيات التابعة للهيئة.
يقول أحد سكان الحي إن “الوليمة” اختصرت المشهد الحالي في إدلب إلى حد بعيد، حيث امتلأت الساحة بسيارات “السنتفيه” والسيارات الحديثة والفارهة، فيما تحرسهم الشرطة وقوى اﻷمن، بينما لا يستطيع 90% من المارة الدخول للمطعم لعدم قدرتهم على دفع الحساب.
يؤكد الشاب الذي رفض الكشف عن اسمه حرصاً على سلامته، أن معظم روّاد المطعم من أولئك المحسوبين على الهيئة، حيث يحضرون بلباسهم وسَمْتهم “الشرعي”، ليتناولوا أغلى الوجبات، متسائلاً ما إذا كانوا “لا يعرفون أن احتكار قوت الشعب أمر يخالف الشريعة؟!”.